سيظل9 يوليو, اعتبارا من اليوم, شاهدا علي انهيار الأحلام العربية الكبري فبعدما كانت الأمة العربية تتطلع إلي الاتحاد علي غرار أوروبا إذا بالدولة القطرية تفشل في الحفاظ علي وحدة ترابها الوطني, فهناك دول ذابت وتفتتت مثل الصومال وهناك أخري دخلت علي مذبح التقسيم مثل السودان حيث إن انسلاخ الجنوب ليس سوي بداية لمخطط طويل يستهدف كبري بلدان أفريقيا فهناك دارفور وكردفان وجبال النوبة والنيل الأزرق والتي من شأن انفصال الجنوب أن يعزز نعرات الانسلاخ علي اعتبارات البقاء ضمن السودان الموحد الذي كان0 وهناك طائفة ثالثة تنتظر دورها في التقسيم في مقدمتها ليبيا التي باتت مقسمة بحكم الأمر الواقع ونفس الشيء بالنسبة للضفة الغربية وقطاع غزة والعراق الذي تتنازعه دعوات التقسيم إلي ثلاث دويلات, شيعية في الجنوب وسنية في الوسط وكردية في الشمال ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد فلبنان الذي كان نموذجا يحتذي به في التعايش المشترك وفي التداول السلمي للسلطة مازال عاجزا عن التعافي من أدران الحرب الأهلية وبات مقسما بقوة الأمر الواقع وسقطت الديمقراطية الطائفية علي أرضه مثلما ستسقط لاحقا في العراق0 إن القمة الدورية العربية, التي كان مقررا عقدها في مارس الماضي في بغداد, وأرجئت إلي مايو الماضي قبل أن تؤجل حتي إشعار أخر, لا يبدو أنها ستعقد علي الأرجح لا العام الحالي ولا الأعوامالمقبلة فكل الشواهد تؤكد أن كل قطر عربي غارق في همومهحتي النخاع وليس عنده ترف التطلع إلي ماوراء حدوده, ومن ثم بات الحديث عن التضامن العربي أو التكامل أقرب إلي الأوهام وأدهي من خيط العنكبوت. إن استقلال جنوب السودان اليوم حدث فارق في تاريخ السودان الكبير والأمة العربية فبعدما كان السودان ومصر بلدا واحدا حتي ستينيات القرن الماضي بتنا الآن أمام سودانين وغدا أكثر من سودان مما يحتم علي التيار العروبي ودعاة الوحدة أن ينزووا وينكفئوا علي أنفسهم فالزمن الذي نعيشه ليس زمن الأحلام الكبيرة مثل أسلافنا أيام جمال عبد الناصر لكنه زمن النكسات والانكسارات الكبيرة فقد خرج العراق من موازين القوة العربية بالغزو الأنجلو أمريكي وأخفقت ما يسمي بعملية السلام في استرجاع الأراضي العربية المحتلة في فلسطين والجولان ولبنان ثم جاءت الانتفاضات والثورات الشعبية علي الحكم الاستبدادي لتضفي غموضا علي مجمل المشهد السياسي العربي, فالأوضاع لم تستقر بعد في تونس ومصر وتنحو منحي كارثيا في ليبيا واليمن وسوريا فيما يجتاح الترقب والقلق دول الخليج العربي. واللافت أن القوي الأجنبية بداية من إيران وتركيا وحتي الولاياتالمتحدة لا تتحرك إلا وفقا لمصالحها تجاه سيل الأحداث المندفع فتقسيم السودان هدف طالما سعت أليه الولاياتالمتحدة والغرب وقد تحقق لهم من أرادوا بسبب فشل النخبة الحاكمة في السودان في التعامل مع التنوع العرقي وخاض الشمال حربا أهلية طاحنة مع الجنوب انتهت بنتيجة: لا غالب أو مغلوب واستثمرت واشنطن ذلك للحصول بالمفاوضات علي ما لم تحصل عليه بالحرب فكان توقيع اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا عام2005 التي تضمنت ضمن ما تضمنت منح الجنوبيين حق تقرير المصير بعد6 سنوات والذي جاءت نتيجته صفعة لسياسات الرئيس عمر البشير إذ أيد99% انفصال جنوب السودان في نتيجة لم تفاجئ أحدا. اليوم نشهد ميلاد الدولة رقم193 والتي ستبادر دول العالم إلي الاعتراف بها دون أن تعلم أن مظاهر الاحتفالات المبهجة تغطي علي مشكلات هائلة تنتظر شطري السودان فعلي صعيد العلاقات الثنائية بين الخرطوم وجوبا لا تزال هناك قنابل موقوتة بداية من ترسيم الحدود وتحديدا منطقة أبيي الغنية بالنفط وليس انتهاء بتصدير النفط وتقاسم الديون الخارجية أضف إلي ذلك أن الطريق أمام جنوب السودان مليء بالمصاعب حيث تهدد العديد من القبائل برفع السلاح لإنهاء سيطرة قبيلة الدينكا علي مقاليد الأمور في الجنوب, كما أن أهل كردفان يشعرون بخيانتهم رغم أنهم حاربوا إلي جانب الجيش الشعبي أثناء الحرب الأهلية. وفي المقابل يتعين أن يواجه البشير ردود الفعل علي ضياع الجنوب واحتمالات تجدد الحرب في دارفور ولا ننسي أن أزمة دارفور ولدت من رحم اتفاق نيفاشا ولا ندري من أين يأتي الانفصال القادم في السودان هل من دارفور أم كردفان أم جبال النوبة؟.