بعد شهر رمضان والصيام والقيام والتهجد وقراءة القرآن والقيام بالأعمال الصالحة حيث كان مدرسة لتعلم الصبر والمثابرة علي الطاعةوهجر المعصية وتذوق حلاوة الإيمان ولذة القيام والخضوع للواحد الديان في ليالي أودع الله فيها أسرارا خفية وحكما علية اطلع الله فيها علي قلوب العباد, فما من مسلم إلا واعترف بفضله وتمني المزيد, وما من عاص إلا استحيا خوفا ووجلا من ناره, فأحبه الرحمن الرحيم, فرفعه إلي أعلي عليين فما أحوجنا إلي أن نداوم علي الطاعة وأن نستقيم لله ولرسوله صلي الله عليه وسلم. حول موقف الطائعين بعد رمضان, وكيف يكون حالهم مع خالقهم؟ وما هي ضمانات الاستمرار علي الطاعات؟ يقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر إن الإنسان إذا أراد الكرامة في الدنيا والآخرة فعليه بالاستقامة علي الطاعات وهي كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الاستقامة أن تستقيم علي الأمر والنهي, ولا تروغ روغان الثعالب, وقال عثمان رضي الله عنه: استقاموا: أخلصوا العمل لله. فقد وعد الله عز وجل المستقيمين بالطمأنينة والسكينة لقوله تعالي: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون, وبشرهم بأفضل ما يتمناه الإنسان, قال تعالي: وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ولم لا ؟والله وليهم وحافظهم ومعينهم, ومن كان الله وليه فاز ونجا, ومن كان الله وليه فلا يخاف أبدا لقوله تعالي: نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة أي نحن المتولون لحفظكم ومعونتكم في أمور الدنيا والآخرة, ومن كان الله وليه فاز بكل مطلب, ونجا من كل مخافة. والاستقامة بعد رمضان تتطلب المداومة علي العبادة والطاعة والأخلاق والصيام والقيام وقراءة القرآن الكريم تلاوة وحفظا, وتدبرا, والإخلاص ومساعدة الفقراء والمساكين والمحتاجين, وعفة اللسان, فالاستمرار علي عمل الطاعات, وعدم قطعها حتي ولو كانت نوافل, ولذلك كان أحب الأعمال إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم أدومها وإن قل, فلو لم يصل الإنسان إلا ركعتين في جوف الليل ويداوم علي ذلك, مع الإخلاص وحسن القصد والتوجه,لكان شيئا طيبا فالمحافظة علي الأعمال الصالحة ثمرة الاستقامة فإذا استقام العبد علي الطريق المستقيم لسقي ماء غدقا, كما في قوله سبحانه وتعالي: وأن لو استقاموا علي الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا* لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا. ويحذر الله تعالي المسلم أن يكون من القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان, أو ممن قال الله عز وجل فيهم: ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا وهكذا يجب أن يكون العبد مستمرا علي طاعة الله, مستقيما علي دينه, يعبد الله في شهر دون شهر, فرب رمضان هو رب بقية الشهور والأيام قال تعالي: فاستقم كما أمرت ومن تاب معك, وقال: فاستقيموا إليه واستغفروه. وبعد انتهاء شهر رمضان فهناك صيام النوافل:( كالست من شوال),( والاثنين, الخميس), وبعد انتهاء قيام رمضان, فقيام الليل مشروع في كل ليله, فعلينا أن ندعو الله عز وجل بدعاء أبينا آدم( عليه السلام) ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين, وكما دعا سيدنا إبراهيم عليه السلام: والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين, وكما دعا سيدنا موسي عليه السلام: رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي, وكما دعا سيدنا يونس عليه السلام: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. ويضيف الشيخ محمد زكي أمين مجمع البحوث الاسلامية السابق إن الانسان عندما يستشعر صفائية العبادة ويفرح بشرف الوصال ويجعل من رمضان بنفحاته وبركاته وفيوضاته وأسراره منهج حياة له تلازمه معاني الصفائية والوداد لرمضان يصحبه تقوي الله المرادة من عبادة الصوم ومن كل عبادة ليستقيم أمر الحياة وينعم الناس بالأمن والأمان والسلم والسعة والاستقرار فلا تفريج للكروب ولا تيسير لأمور ولا تحقيق للنصر إلا بتقوي الله عزوجل, وما تبع ذلك من إحسان القول والعمل لقوله تعالي: إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وليس الأمر متعلقا بالحياة الدنيا وحدها بل الامر يسع الآخرة كما وسع الدنيا فلا نجاة من النار إلا بتقوي الله ولا يكون ذلك إلا لمن نهي النفس عن الهوي وآثر ماعند الله علي شهواته ونزواته لقوله تعالي: وأما من خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوي فإن الجنة هي المأوي وإن منكم إلا واردها كان علي ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ولذلك أمرنا الله بأن نستديم علي هذا المعني وأن يكون المسلم علي هذا المستوي من العطاء حياة وموتا ونشورا لقوله تعالي: ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون بمعني ان يشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسي ويطاع فلا يعصي, اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك فلابد وأن تصحب هذه المعاني الانسانية المسلم في كل اطوار حياته يستمر عليها وتكون له منهج حياة فلأجلها يعيش وفي سبيلها يموت ولها يعمل ويعطي ويحسن يتقن ويبدع قال تعالي: قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت. ويشير زكي إلي أنه عندما يستشعر المسلم صفائية عطاء الله له وقد أعانه علي عبادته ان يحمد الله ويكبره ويفرح بأدائها ابتغاء مرضاة الله عندئذ ليس بينه وبين الله حجب لقوله تعالي: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان وكأنه تعالي يقول: إذا أردتم ياعبادي ان يستديم عليكم عطائي وتنعمون برضائي وتسعدون بلقائي فاستديموا علي ما انتم عليه فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون فإن الله تعالي لا يتغير من أجل الناس ولكن الناس يجب ان تتغير من أجل الله, وما اقبل عبد علي الله إلاجعل الله قلوب المؤمنين تنقاد إليه بالمودة والرحمة وكان الله بالخير إليه أسرع قال تعالي: والذين اهتدوا زادهم هدي وآتاهم تقواهم, والمؤمن الحق لا يشبع من خير حتي يكون منتهاه الجنة فهو سابق بالخيرات يعيش بين الرغبة والرهبة والدعاء والضراعة يلازمه كل ذلك في أطوار حياته قال تعالي: انهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وعندما يتحقق الرجاء تصرف الآلام والأحزان فقبلها ذكر الله دعاء نوح لتفريج كربه ودعاء أيوب لصرف ضره وضراعة يونس لذهاب غمه وهمه ورجاء سيدنا زكريا لتحقيق آماله بولد يرث النبوة من بعده عندما دعا ربه رب لاتذرني فردا وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيي وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات فلا تصرف المحن ولا يكشف الكرب والهم ولايتحقق الأمل والرجاء إلا من خلال الاستقامة علي المنهج الرباني الذي يدعونا فيه ربنا أن نكون عبادا ربانيين. ويشدد الشيخ فكري حسن إسماعيل عضو المجلس الأعلي للشئون الإسلامية علي المسلم أن يلتزم بعد رمضان بالسير علي نهج رمضان ولذلك كان السلف الصالح يبدأون عقب رمضان الدعاء بقولهم: اللهم تقبل منا صيام رمضان والمقصود هو طلب الاستقامة علي ما كانوا عليه في رمضان وذلك لمدة6 أشهر كما أن الاستقامة أمرنا بها القرآن الكريم في سورتين نزلتا في مكة,الأولي في سورة فصلت إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون, والثانية في سورة الأحقاف في قوله تعالي: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون وكأن المداومة علي الطاعات والاستقامة عنصر أساسي في شخصية الإنسان المسلم ودونها لا يكون إنسانا.