عشنا أيامًا بطعم الإيمان، وليالى فى الأنس بالرحمن، أودع الله فيها أسرارًا خفية وحكمًا علية، أطلعنا الله فيها على بعض الخيرات والأنوار، فما من مسلم إلا واعترف بفضله، وأقر بوحدانيته، وما من عاص إلا استحى خوفًا ووجلا من ناره، فما أحوجنا إلى أن نداوم على الطاعة، وأن نستقيم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا أراد الإنسان الكرامة فى الدنيا والآخرة فعليه بالاستقامة، قال الشيخ ابن تيمية رحمه الله: أعظم الكرامة لزوم الاستقامة، فلم يكرم الله عبدا بمثل أن يعينه على ما يحبه ويرضاه ويزيده مما يقربه إليه ويرفع به درجته. والاستقامة هى لزوم الطاعة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهى الثمرة التى نقطفها بعد شهر الصيام والقيام والدعاء، وكانت وصية رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، للصحابى الجليل سفيان بن عبد الله لما قال له: (يا رسول الله! قل لى فى الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، يا رسول الله! فقال رسول الله: ( قل آمنت بالله ثم استقم). ويقول الحق سبحانه وتعالي: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» [سورة فصلت الآية: 30] ويقول سبحانه أيضًا فى سورة الأحقاف: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ». وقد ذكرَ الله عز وجل فى هذه الآية ثمرتين من ثمار الاستقامة: «ألا تخافوا ولا تحزنوا»، قد يخاف الناس, وقد ينفطر قلبُ الناس لخطرٍ داهمٍ, وقد يقلقون, وقد يُقهرون، لكن ربنا سبحانه وتعالى يطمئن هؤلاء المستقيمين بأمرين: ألا تخافوا ولا تحزنوا. فلا يخافون مما هو آت حيث يخاف الناس, ولا يحزنون على ما فات حيث يحزن الناس، وهل من شعورٍ يدمّر السعادة الإنسانية كالخوف أو الندم؟، فلما قالوا ربنا الله ثمَّ استقاموا رزقوا قناعة توقن بأنَّ الله سبحانه وتعالى الخالق وحده, ولا خالقَ سِواه, وأنه هو الربّ, ولا ربَّ سِواه, وأنه هوَ المعين, ولا معين سِواه. وهنا فائدة تربوية عظيمة وهى الاستمرار على عمل الطاعات، وعدم قطعها حتى ولو كانت نوافل، ولذلك كان أحب الأعمال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أدومها وإن قل، فلو لم يصل الإنسان إلا ركعتين فى جوف الليل ويداوم على ذلك، مع الإخلاص وحسن القصد والتوجه، لكان شيئًا طيبًا، فالمحافظة على الأعمال الصالحة ثمرة الاستقامة، ولنتأمل قوله سبحانه وتعالي: «وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً» [ الجن: 16-17]. فإذا استقام العبد على الطريق المستقيم لسقى ماءً غدقًا، وأولى ثِمار الاستقامة: أن يعيش فى سعادة ورغد وراحة. ومن ثمار الاستقامة: أن الله سبحانه وتعالى يفرّجُ عنك, يزيلُ عنكَ كلَّ كرب, كلَّ هم, كلَّ حزن, كلَّ ضيق, كلَّ قلق . وإذا تأملنا الحديث القدسى الذى يقول: (ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه) كلمة (لا يزال) تدل على الاستقامة والمداومة على الطاعة والاستمرار. فلا يزال يتقرب ويتقرب، ويقوم بالنوافل ويفعل، حتى يصل إلى درجة الصالحين المقربين المحبوبين فى السماء والأرض ، (فإذا أحب الله تعالى عبداً، نادى جبريل: إنى أحب فلاناً فأحبه، ثم ينادى جبريل فى أهل السماء: أحبوا فلان بن فلانا، ثم يوضع له القبول فى الأرض). وليعلم العبد أن النوافل ترقق القلوب وتقربها من الله تعالى والناس، وإن قطع النوافل يقسى القلب، ويجعل النفس فى وحشة بعيدة عن الله عز وجل. لمزيد من مقالات د. أشرف فهمى