لكل ناشط سياسي لحظة مهمة جعلته ينخرط في العمل السياسي المحفوف بالمخاطر, واقصد بالطبع النشاط السياسي قبل ثورة25 يناير, حيث كانت المعارضة محظورة وكل من يحاول التعبير عن رأيه أو المطالبة بمطالب مشروعة يقابل بما لا يحمد عقباه من مراقبة أو تهديدات أو تشويه ثم اعتقال وسجن وتعذيب ان استمر في طريقه. وهناك العديد من القناعات والأفكار التي دفعت الشباب إلي الانخراط في حركات الاحتجاج وحركات المقاومة الشبابية قبل الثورة, بعضها ايديولوجي وبعضها مرتبط بالحياة المعيشية والمعاناة اليومية, أو مرتبط بالدفع في اتجاه التحول الديمقراطي لنستطيع العيش كما تعيش الشعوب التي تعيش في دول ديمقراطية يتم فيها حساب الحاكم سواء كان شخصا او حزبا علي البرنامج والنتائج. وبالنسبة لي فقد كانت هناك العديد من العوامل التي دفعت بي للانضمام للحركة الاحتجاجية في2005 منذ ظهور حركة كفاية المصرية, ثم حركة6 ابريل في2008, بعضها السخط علي الأحوال المعيشية وبعضها السخط علي الفساد الذي يقابله المرء كل يوم, وايضا الرغبة في أن تكون مصر كسائر البلاد الديمقراطية المتقدمة التي استطاعت الخلاص من الحكم المستبد الذي يعطل عملية التقدم, ولكن العامل الرئيسي بالنسبة لي مرتبط كثيرا بدراستي للهندسة المدنية, فقد كان النظام الفاسد من وجهة نظري هو الذي يعوق تطبيق كل ما تعلمناه من علوم هندسية خاصة بتخطيط المدن والبنية التحتية وهندسة المرور. فمصر تملك مصادر ان تكون دولة متقدمة حقيقية وتمتلك الثروة البشرية والعقول والخبرات وايضا الأفكار الجديدة والحلول غير التقليدية, ولكن تتلخص المشكلة في كلمة النظام, وهي الكلمة التي لا تعني حسني مبارك فقط, بل ان النظام يعني المؤسسات والعلاقة بين السلطات والدستور والقواعد الإدارية والقوانين واللوائح وطرق العمل, بل وايضا الثقافة السائدة الحاكمة لأسلوب الإدارة. ومن هنا نلاحظ أن النظام لم يتغير حتي هذه اللحظة, بل تغير فقط رأس النظام وبقي جسده, وهناك من يحاول ابقاء هذا النظام بأقل تغييرات ممكنة, وفي الفترة الأخيرة كانت هناك زيارات دبلوماسية او ثقافية لعدة دول, وتمت استضافة ممثلي العديد من الحركات الشبابية التي كان لها دور في التخطيط ليوم25 يناير, ولعب الشباب دورا مهما في محاولات عودة علاقات الدبلوماسية مع دول او تقوية العلاقات مع دول أخري اوعودة الاستثمارات الاجنبية وتنشيط السياحة بما يسمي الدبلوماسية الشعبية التي تساعد وتكمل دور الحكومة في هذه الفترة الحرجة. أما بالنسبة لي ايضا, فقد عادت لي الرغبة في الدفع نحو فكرة تغيير شكل مصر بما يتناسب مع حضارتها وثورتها وامكاناتها, وبالتأكيد هذا الموضوع ضخم وبه العديد من التفاصيل, وهناك العديد من المبادرات والأبحاث والمشروعات. ولكن سوف أعطي نبذة مختصرة عن تلك الفكرة, وربما يتاح لي استكمال الفكرة في مقالات اخري ان أمكن. وفكرة ان تكون مصر لها شكل حضاري ومعماري يليق بإسمها ومكانتها وثورتها هي بالأساس مشروع كبير له العديد من الجوانب سواء علي مستوي تغيير اساليب العمل في وزارات مهمة مثل الإسكان والنقل والمواصلات, وكذلك تغيير العديد من اللوائح والقوانين وطرق العمل. وكذلك اعطاء صلاحيات اكبر للمحافظين, وزيادة اللامركزية في اتخاذ القرار للدولة وربما يكون المحافظون بالانتخاب في النظام السياسي الجديد. فالتغيير الحضاري في مصر يجب ان يشمل ايضا محاور البنية التحتية والمرافق والخدمات وكيفية توصيلها وايضا التخطيط العلمي الحقيقي للمرور والطرق والمواصلات, ومحاور مرورية جديدة بتخطيط علمي مدروس لاستيعاب زيادة اعداد السيارات, يشمل ايضا الجوانب البيئية والمعمارية وتخطيط المدن الجديدة, وكيفية وقف زحف العشوائيات وزيادة المساكن المناسبة بشكل معماري مناسب بأسعار مناسبة, وإيجاد حلول عملية لاستبدال المناطق العشوائية بمناطق حضرية ذات شكل معماري ملائم بطرق تمويل جديدة ومناسبة. وبالطبع لم تعد تصلح المسكنات التي كان النظام القديم بحكوماته, يحاول تنفيذها مثل توسيع احد المحاور الذي انشيء علي عجل او تصليح احد الطرق الرئيسية الذي لم يطابق المواصفات ولا يتفق مع الكثافة المرورية او مشروع تطوير للعشوائيات بهدف التصوير بجانبه مع عدم الرقابة علي الأحياء التي تسمح كل يوم بعشرات المناطق العشوائية الاسوأ, او عدم وجود نسب كافية من مساكن محدودي الدخل, وتجاهل أفكار المساكن منخفضة التكاليف, او عدم التخطيط طويل المدي للمرافق والزيادة السكانية. لا تتسع المساحة لعرض ملخص الأفكار والحلول المطروحة والمبادرات الشبابية الجديدة, ربما استطيع عرضها في مقالات اخري, لكن خلاصة القول إن مصر الآن لم تعد تحتمل المسكنات والحلول الوقتية للمشكلات, بل نحتاج لحلول جذرية وتخطيط شامل, نحتاج لمشروع قومي ضخم يشمل كل المحاور لاعادة تخطيط الشكل الحضاري والعمراني لمصر. ولكن قبل ذلك لابد من تغيير النظام وبناء نظام جديد علي أساس علمي سليم.