الخائف حتي من شبح يجري, ويحاول أن يجري اسرع منه, والخوف في منطقة الخليج ليس من شبح, بل من ثورة قدمت نفسها للشعوب التي قامت بها وللعالم في أوضح صورة. حتي ان كانت تلك الثورة متعثرة هنا, ومتقهقرة هناك, وتسيل دماء شبابها كنهر في مكان ثالث. فقبل يناير الماضي كان عصيا علي أي خيال أن يأتي فبراير ورئيسان اشتهر نظاماهما بالافراط في القمع سقطا ومعهما مئات من الرجال والنساء الذين كانوا أدوات القمع. وباندلاع الثورة في البحرين وليبيا واليمن وسوريا وببوادرها في الجزائر والمغرب والعراق والسودان صارت الثورة جزءا من الواقع في عالمنا العربي وصار الخوف منها عاتيا في كل مكان. وفي دول الخليج العربية يجري القادة أسرع من الثورة. ومن الممكن أن يكون ما يرون جريا أسرع من الثورة هو تصور لا أكثر. فمن الممكن أن تكون الثورة أسرع جريا. وفي الإمارات العربية المتحدة, وهي القوة العظمي البترولية الثالثة في العالم, يجرون هناك جري الخائف من الثورة, علي الرغم من ان عدد المواطنين لم يصل إلي مليون ونصف المليون نسمة, وعلي الرغم من ان المواطنين يتمتعون بثراء هائل يجعل مستوي المعيشة من بين الأرفع في العالم. وربما لايختلف اثنان في الإمارات علي ان المتطلبات المادية ملباة هناك للجميع حتي ان كان هناك اختلاف علي من يأخذ كم؟. وفي ظرف لا فاقة فيه ولا احتياج يكون هناك اتفاق علي أن الحقوق السياسية يمكن ان تكون مترجمة في هذا المستوي المعيشي الشاهق الارتفاع. لكن هناك من المواطنين من يقولون ان الحقوق السياسية لاتقل أهمية عن الحقوق في الثروة. وهؤلاء هم الذين يجري أمامهم قادة الإمارات لئلا يسبقوهم إلي عقول الأغلبية وقلوبها. والمطالبون بالحقوق السياسية علنا ربما لايزيد عددهم علي150 مواطنا أو مئتين منهم130 وقعوا التماسا إلي الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان يطلبون فيه اصلاحا ديمقراطيا. وهناك كذلك أعضاء مجلسي إدارتي جمعيتين مهنيتين هما جمعية الحقوقيين وجمعية المعلمين شاركوا في التوقيع علي الالتماس. ومن الممكن ان يكون عدد المشاركين في نشاط غير معلن بضع مئات. وعلي الرغم من ان هؤلاء جميعا هم أقلية الأقلية فإن قادة الدولة يجرون أمامهم في خوف ومن الجري ما هو ايجابي ومنه ما هو سلبي. وفي الجانب الايجابي قررت الإمارات زيادة عدد من لهم حق انتخاب نصف أعضاء المجلس الوطني الاتحادي( البرلمان) من سبعة آلاف إلي80 ألفا. وهؤلاء الناخبون يختارهم قادة الإمارات السبع التي يتألف منها اتحاد الإمارات. ومن المتوقع أن يتاح لجميع المواطنين البالغين الانتخاب عام2019. ونظرت السلطة المركزية في أبوظبي شمالا نظرة جادة منذ اندلاع الثورة العربية الكبري, وقررت انفاق مليار ونصف المليار دولار علي الإمارات الفقيرة بالمقارنة بأبوظبي التي تسيطر علي معظم البترول. ودبي التي خاضت تجربة تنمية مبهرة لكنها انتكست مع الازمة المالية العالمية عام2009. ومن الجري السلبي أمام الثورة أو قطع الطريق عليها حل مجلسي إدارتي جمعية الحقوقيين وجمعية المعلمين, وحبس ومحاكمة خمسة من البارزين الموقعين علي التماس الإصلاح, والاستعانة بصاحب شركة أمن أمريكية سيئة السمعة ليقيم شركة من نوع شركته للإمارات بتكاليف زادت إلي الآن علي نصف مليار دولار. ومما كشف هدف الشركة ان مؤسسها الأمريكي إريك برنس الذي كان قد أسس بلاك ووتر التي كانت عارا علي الولاياتالمتحدة في العراق وأفغانستان انه قال انه لن يجند في الشركة الإماراتية مرتزقة مسلمين لان من الصعب ان يقتل المسلم اخاه المسلم. وصار من الواضح ان هذه المجموعة الكبيرة من المرتزقة يجري تجهيزها لقمع أي احتجاجات واسعة تطالب بإصلاح ديمقراطي أو حتي بأجور أعلي في معسكرات العمل التي يقيم فيها ملايين العمال الأجانب وأغلبهم من الدول الآسيوية. والحقيقة ان الجري البحريني أمام الثورة كان أكثر دموية بينما الجري السعودي أوسع خطي. وقد يتاح في مقالات مقبلة تحليل الجري أمام الثورة في كل منهما.