أتت زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف للسنغال التي أجراها في التاسع من أبريل المنقضي ضمن جولة قارية شملت كلا من السنغال, نامبيبا, البرازيل, أوروجواي لتسلط الضوء علي استمرار الحضور الأفريقي في بؤرة اهتمام السياسة الخارجية لإيران وتثبيت أقدام دبلوماسيتها النشطة في جل الأقاليم الأفريقية انطلاقا من إدراكها لضرورة إيلاء مزيد من الاهتمام لمحور جنوب- جنوب, وفي القلب منه أفريقيا, بغية توسيع خارطة تحالفاتها الدولية خصوصا في ضوء تلويح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتكرر بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني. وخلال زيارة ظريف للعاصمة السنغالية داكار, المحطة الأولي للجولة, برزت أولوية الملفات الاقتصادية, وتجلي ذلك في الوفد الاقتصادي رفيع المستوي المرافق لظريف فضلا عن بحث سبل تعزيز الصادرات الإيرانية وفرص تطوير التعاون الثنائي في مجالات النفط والغاز والأدوية والمجالات الهندسية وصناعة السيارات وكذا انعقاد المنتدي الاقتصادي المشترك بين الجانبين. ويحفز الانشغال الإيراني بأفريقيا محركات عدة أبرزها الثقل التصويتي الأفريقي في المنظمات الدولية; إذ تعد أفريقيا ثاني أكبر الكتل التصويتية, بعد الآسيوية, داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة فضلا عن الحضور الأفريقي في أوبك ومنظمة التعاون الإسلامي وغيرهما. وتصبو إيران إلي تعزيز نفوذها العسكري في الممرات الاستراتيجية كخليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر, والتي يمر عبرها نحو13% من تجارة العالم, و6% من تجارة النفط الدولية كما تمثل أفريقيا سوقا رائجة للصناعات العسكرية الإيرانية. بيد أن صفقات التسلح بين طهران وأفريقيا يغلب عليها الطابع السري, وقد استفاد نظام البشير من الدعم العسكري لإيران أثناء تحالفه معها في مرحلة سابقة. كما تعتبر السوق الأفريقية سوقا واعدة أمام المنتجات الإيرانية يناهز حجمها المليار نسمة. وتجدر الإشارة أيضا إلي امتلاك أفريقيا نحو20% من إجمالي الاحتياطي العالمي من اليورانيوم اللازم لتطوير القدرات النووية الإيرانية. وقد أمدت دولة جنوب أفريقيا طهران بمخزونها من اليورانيوم في السبعينيات. وبالنظر إلي زيارة ظريف للسنغال القابعة في إقليم غرب أفريقيا, يتجلي بوضوح الحراك الدبلوماسي الإيراني صوب الإقليم الذي حظي بنصيب كبير من جولات ظريف الأربع خلال العامين الماضيين ممثلا في زيارته لكل من موريتانيا ومالي ونيجيريا وغينيا كوناكري وغانا والسنغال. وتنبع أهمية الإقليم في الاستراتيجية الإيرانية من كونه يمثل كتلة إسلامية ضخمة; حيث يقدر عدد سكان في هذا الإقليم بنحو257 مليون نسمة, بينهم161 مليون نسمة من المسلمين السنة المعتدلين علي المذهب المالكي. ويمثل المسلمون في السنغال ما يفوق95% من إجمالي السكان. وقد استطاعت طهران توظيف الثقل الاقتصادي للجاليات اللبنانية الشيعية القاطنة للإقليم فضلا عن المؤسسات الخيرية غير الرسمية كمؤسسات المستضعفين وغيرها والمراكز الثقافية والبعثات التعليمية في زيادة عدد المتشيعين في هذا الإقليم حتي بلغ7 ملايين متشيع وفقا لبعض المؤسسات الشيعية الإيرانية. ورغم أن الرقم يبدو مبالغا فيه إلا أنه ثمة تقديرات أخري تشير إلي اعتناق نحو30-50 ألف سني المذهب الشيعي في السنغال وحدها. وهذه النسبة مرشحة للزيادة خصوصا في ضوء الجهود الإيرانية لنشر التشيع كإعلان تأسيس رابطة عموم أفريقيا لآل البيت كإطار جامع للشيعة الأفارقة في أغسطس2016 لتكون داكار مقرا لها, وعقد مؤتمر الأطروحة المهدوية وواقع أتباع أهل البيت عليهم السلام في أفريقيا, والذي استهدف طلاب30 دولة أفريقية في العام ذاته, واعتبرته إيران أكبر مشروع قومي لنشر التشيع والتعريف بالإمام المهدي ورسالته لدول أفريقيا. ويجد المتأمل للعلاقات الإيرانية- الأفريقية أن إيران لا تزال الرابح الأكبر كونها استطاعت أن تحقق كثيرا من المكاسب كالظهور بمظهر القوة الإقليمية وإيجاد موطئ قدم لها في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وتأمين احتياجاتها من المواد الخام الزراعية واليورانيوم, وكذا حشد التأييد الأفريقي تجاه قضاياها أمام المحافل الدولية, أو علي الأقل امتناع الدول الأفريقية عن التصويت ضدها فضلا عن فتح آفاق السوق الأفريقية الرحبة أمام التجارة الإيرانية; إذ بلغت قيمة الصادرات الإيرانية إلي أفريقيا نحو752 مليون دولار في العام الماضي بزيادة قدرها142 مليون دولار عن العام السابق ناهيك عن زيادة عدد الحواضن والجيوب الشيعية لا سيما في غرب أفريقيا. لكن ماذا عن المكاسب الأفريقية؟ إن ما جنته أفريقيا من علاقاتها مع طهران لم يتجاوز مساعدات واتفاقيات شراكة ثنائية بقي معظمها مجرد حبر علي ورق أضف إلي ذلك زعزعة أمن واستقرار الدول الأفريقية من خلال سياسة تصدير الثورة واستنساخ نسخ عديدة من حزب الله اللبناني كحزب الله النيجيري وغيره من التنظيمات التي وجدت ضآلتها المنشودة في الدعم الإيراني وتحالفها في فترة سابقة مع نظام البشير الذي أدار ظهره مؤخرا ليدخل في تحالفات أخري مع دول الخليج وتركيا بعد أن أدرك عدم الجدوي الاقتصادية لتحالفه مع إيران. هذا فضلا عن تخاذل طهران عن تسوية النزاعات والصراعات الأفريقية, وأبرزها أزمة دارفور عام2003, التي رفضت التدخل فيها ولو بمجرد الوساطة بدعوي أنها شأن داخلي محض. تري هل تعيد الدول الأفريقية النظر في شراكتها مع إيران وفقا لاعتبارات التكلفة والعائد أم ستواصل طهران توغلها في أفريقيا؟