النيل هو شريان الحياة في مصر قديما وحديثا حيث كانت تقام له الاحتفالات ويقدسة المصريون القدماء لأنه نبع الحضارة القديمة.. فهو يفيض بالخير علينا من شمال مصر وجنوبها منذ آلاف السنين.. فنرتوي من مياهه العزبة ونزرع أراضينا لتنبت لنا الخير من باطن الأرض بالنعم الكثيرة. . وفي العصر الحديث ومع تقدم الصناعة وازدحام السكان.. عاني النيل العظيم من التلوث والإهمال وارتكبت العديد من الجرائم بحق نهر النيل والترع سواء من صرف المصانع الملوثة أو من آلاف القري التي تلقي بصرفها الصحي حتي أصبح النيل سببا لانتشار الأمراض الخطيرة ومصدرا للعدوي.. ورغم جهود الأجهزة المعنية من وزارات البيئة والري إلا أن الإهمال من بعض المسئولين وسلوكيات المواطنين وراء إلقاء السموم الضارة بداخله مما يهدد صحة الإنسان.. فيما قامت بعض المحافظات مثل بني سويف بإقامة غابات شجرية علي مياه الصرف بدلا من إلقائها في النيل.. في تجربة متميزة من الممكن تعميمها بالمحافظات. من أسوان تنطلق مياه النيل متلألأة بين صخور خزانها العتيق وخلف سدها العالي العظيم ليمتد شريانه إلي الشمال في شموخ وعزة وهدير مياهه تبدو وكأنها تخاطب المصريين هل من ينقذني من التلوث؟.. والحقيقة أن النيل في أسوان نبع الحضارة يشذ عن كل النظريات العلمية التي تقول إن الماء عديم اللون والطعم والرائحة, فالعيون هنا تري المياه مختلفة لونا ومذاقا, فهي تكتسي بزرقة اللون والطعم الجميل والرائحة الطبيعية, ولكن للأسف ما أن يتجاوز النهر الخالد المدخل الشمالي للمدينة إلا وتجد هناك من ينتهك حرمته ويلقي بالمخلفات والصرف الصحي والحيوانات النافقة في قلبه بلا ضمير, وهناك أيضا من يتعدي كل الخطوط الحمراء داخل بحيرة ناصر بالقيام بصيد الأسماك مستخدما وسائل محرمة ومجرمة مثل الصواعق الكهربائية والغاز والبودرة الكيميائية من أجل بضعة جنيهات, دون أن يعلم أن إجرامه هذا لا يلوث النيل فقط وإنما يدمر أجساد بني وطنه بالأمراض الفتاكة التي تكلف الدولة مليارات الجنيهات لعلاجها. البداية من بحيرة ناصر البنك الإستراتيجي للمياه في مصر, حيث رفع مسئولو الجمعيات العاملة في مجال الصيد راية التحدي رافضين قرار اللجنة العليا للإشراف علي البحيرة بوقف أعمال الصيد لمدة شهرين إلا إذا وفرت الدولة الحماية الكافية للمسطح المائي, فكما يقول نبيل تياح عضو مجلس إدارة جمعية أبناء أسوان لصيد الأسماك فإن وقف الصيد يستلزم تطبيقه فرض رقابة مشددة لمواجهة أعمال الصيد الإجرامية التي تدمر الثروة السمكية بالبحيرة, مشيرا إلي أن هناك ضعاف النفوس الذين لا يقدرون أهمية بحيرة ناصر الإستراتيجية وكونها أمنا قوميا مائيا لمصر فيقومون بالصيد بوسائل محرمة باستخدام الكهرباء والبوتاجاز والمواد الكيميائية في ظل عدم رقابة المسطح, مما يؤثر علي المخزون المائي والثروة السمكية ويدمرها تدميرا, مطالبا بأن تكون رقابة مناطق الصيد المتسعة من خلال الصيادين أنفسهم بالتعاون مع الأجهزة, فهم الأكثر حرصا علي حماية رزقهم, وهو الذي لن يتأتي إلا بإلغاء قرار وقف الصيد لمدة شهرين, وإلا فإن التلوث سيصيب البحيرة في مقتل ووقتها سنبكي علي اللبن المسكوب. ومن بحيرة ناصر إلي شمال المدينة, حيث يقول ضياء الدين خيري من أبناء مركز أسوان إن هناك شكوكا حول المعالجة الثلاثية التي تتم بمحطتي كيما للصرف الصحي, مشيرا إلي أن الأهالي ليست لديهم قناعة كاملة بالمياه المعالجة التي تقطع مسافة نحو8 كيلومترات من المحطتين لتصب في النهاية بالنيل, وقال إن نسبة الإصابة بالأمراض المتوطنة بقري مركز أسوان التي ينتمي إليها سجلت أعلي نسبة بين مراكز المحافظة, وأبرزها الفشل الكلوي والتهابات الكبد الوبائي, وأكد خيري أن المشهد في النيل حاليا وبالقرب من محطات مياه الشرب بالقري والنجوع أفضل نوعا ما عن السنوات الماضية. ويتدخل خلف الله أحمد خلف الله من أبناء قرية الجزيرة ليشير إلي أحد مصارف السيول التي تحيط بالقرية قائلا إن محافظ أسوان وأثناء انعقاد مؤتمر الشباب الثاني في عام2017 قام بمد مواسير من نقطة مصب مصرف السيل في النيل إلي قلب النهر لإخفاء الروائح الكريهة التي تفوح منه بالقرب من المراسي السياحية, وهذه المواسير تتعرض للانسداد بسبب المخلفات لترتد المياه مرة أخري إلي مصرف السيل المحيط بمساكنهم مما يتسبب في تكاثر الحشرات والباعوض والذباب. ويوضح وليد عدنان مرشد سياحي أن حال النيل لا يسر عدوا ولا حبيبا فطوال رحلات الفنادق العائمة من أسوان إلي الأقصر نرصد التلوث الواضح من مصارف ومصبات للصرف الصحي بالقرب من هذه الفنادق وسط غياب تام للمسئولين عن ذلك, فمثلا في مدينة كوم أمبو هناك جريمة واضحة المعالم يرتكبها ذوو الضمائر الخربة بالصرف مباشرة علي النهر, وهناك في إدفو تلقي بعض المصانع بمخلفاتها من الصرف الصناعي الذي يقال إنه معالج. ويقول الدكتور حسين الطحطاوي خبير البيئة في أسوان إن مشروع المعالجة الثلاثية لمياه الصرف الصحي بمحطتي كيما2,1 هو واحد من المشروعات المتطورة التي يتم تنفيذها في العديد من دول العالم, وحتي يطمئن الأهالي علي مطابقة المياه للمواصفات فلابد وأن تقوم جهات محايدة بأخذ عينات من بداية مصرف السيل وفي نهايته بصفة دورية. وأضاف الطحطاوي الذي كان مسئولا عن فرع جهاز شئون البيئة بالمحافظة من قبل أن مشكلة تلوث النيل تكون أشد خطرا في الفنادق العائمة التي تعمل ما بين الأقصروأسوان وقت الإبحار, مشيرا إلي أن المراسي مجهزة ومرتبطة بشبكات الصرف الصحي ولكن محطات المعالجة الخزانات داخلها لا تستوعب كميات الصرف للنزلاء, وبالتالي لابد من تشديد الرقابة والتفتيش علي هذه الخزانات التي تفرغ حمولتها في النيل للتأكد من معالجتها أولا بالطرق العلمية الصحيحة. وحول أهم بؤر التلوث التي تؤثر علي صحة المواطنين, قال الطحطاوي إن مصنع كيما للأسمدة هو المصنع الوحيد الذي قام بتوفيق أوضاعه, مشيرا إلي أنه يقوم بمعالجة الصرف الصناعي واستغلاله كسماد سائل, علي العكس تماما من مصانع سكر كوم أمبو وإدفو ولب الورق التي تعالج جزءا من صرفها الصناعي وتلقي بالجزء الأكبر في النيل بلا معالجة, موضحا أن هناك مصارف زراعية وصناعية تسهم بشكل كبير في تلوث النهر والإضرار بصحة الأهالي والثروة السمكية ومنها في إدفو المصرف الرئيسي, الرديسية, حوض السباعية, وفي كوم أمبو مصارف الغاب والبربة والطويسة وفطيرة والجناين السخن والسلسلة, والرغامة, وإقليت الرئيسي, وفي مركز دراو الرئيسي وونس. من جانبه أكد اللواء مجدي حجازي محافظ أسوان أن أجهزة المحافظة والبيئة والري تباشر رقابتها علي النيل بكل صرامة, مشيرا إلي أن أي مخالفات للمصانع والفنادق العائمة تتم مواجهتها بكل قوة وبالقانون. وأشار المحافظ إلي أن بداية العام الحالي شهدت التشغيل الفعلي لمشروع المعالجة الثلاثية بمحطتي كيما(2,1) لزيادة طاقتها الاستيعابية من56 إلي75 ألف متر مكعب يوميا, مضيفا أنهما لا يستوعبان كافة كميات الصرف الصحي الناتجة من التوسعات العمرانية الحالية بمدينة أسوان فقد قامت وزارة الإسكان والمحافظة بالشروع في إنشاء محطة كيما(3) بطاقة35 ألف كتر مكعب. وكشف مجدي حجازي محافظ أسوان عن أن هناك3 جهات قامت بوضع معايير مواصفات المياه الناتجة من المعالجة الثلاثية, وهي الصحة والري والزراعة, مما سيجعل المواطنين أكثر اطمئنانا علي صحتهم, موضحا أن هناك7 جهات أخري تنفيذية وأمنية ورقابية تقوم بالتأكد من تطبيق الضوابط الصارمة الخاصة بقياس مطابقة المياه للمواصفات المحددة طبقا للقوانين المنظمة لذلك, مؤكدا التنسيق بين الجهات المنفذة للمشروع من أجل الحفاظ علي ما تم الوصول إليه وتحقيق الحلم الذي طال انتظاره بتحويل محطات كيما للعمل بنظام المعالجة الثلاثية واستيعاب كافة كميات الصرف الصحي بمدينة أسوان وأيضا التوسعات المستقبلية بإجمالي110 آلاف متر مكعب يوميا.