مع معاناة أهالي أسوان من انتشار ظاهرة المياه الجوفية في العديد من المناطق السكنية, خاصة في عاصمة المحافظة التي باتت تسبح فوق بحيرة من هذه المياه, كان تدخل الدولة ضرورة للتوصل إلي الأسباب الغامضة التي أدت إلي ظهورها قبل أن تهدد المنشآت المختلفة مستقبلا. وفيما ظل شبح المياه الجوفية يرعب أهالي المدينة سنوات طويلة وسط معالجات مؤقتة لا تعدو كونها مسكنات سواء بالردم أو الشفط, توجه المواطنون بالعديد من الشكاوي لإنقاذهم قبل وقوع الكوارث. بينما انتهي الأمر بعقد المحافظة مؤتمرا أمس للإعلان عن تفاصيل مشروع خفض منسوب هذه المياه, وهو المشروع الذي شاركت فيه أكاديمية البحث العلمي وجامعتي أسوان والزقازيق وعدد من العلماء المتخصصين علي مدار18 شهرا. يقول تامر محمد منصور من سكان حي العقاد إن المياه الجوفية أصبحت تمثل خطرا داهما علي حياة السكان بعد ظهورها بشكل مخيف في مناور العمارات السكنية مما يهددها بالانهيار, ويضيف تقدمنا بشكاوي عديدة للمسئولين علي مدار10 سنوات إلا أنه لم تكن هناك حلول جذرية قاطعة بل تفشت الظاهرة في كل مكان بحي العقاد ومدينة ناصر وفي محيط إستاد أسوان. وأشار محمد رضا هريدي إلي أن هناك خطورة شديدة كانت تهدد العمارات السكنية بحي العقاد وفي منطقة بركة الدماس بسبب هذه المياه الجوفية التي عجزت جميع الجهات عن تفسير تجمعها بهذا الشكل, وقال إن امتداد هذه المياه لم يتوقف عند هذه المناطق بل تجمعت المياه خلف منطقة الشلال ومصنع كيما2 الجديد, الأمر الذي يستوجب التحرك بشكل جدي لمواجهتها. وأضاف نبيل علا من سكان حي العقاد أن علاج المياه الجوفية التي ظهرت فجآة في السنوات الأخيرة يستلزم أولا تحديد أسبابها ووقفها بدلا من أسلوب الشفط وردم مناور العقارات, مشيرا إلي أنها سرعان ما تعود للظهور مجددا. وخلال المؤتمر الذي شهده المحافظ اللواء مجدي حجازي للإعلان عن تفاصيل مشروع الدراسات العلمية لخفض منسوب المياه الجوفية في أسوان بحضور الدكتور أشرف الشيحي وزير التعليم العالي والبحث العلمي السابق ورئيس اللجنة العلمية, ولفيف من الأساتذة المتخصصين بجامعتي أسوان والزقازيق وممثلي معهد بحوث المياه الجوفية ووزارة الري وشركة مياه الشرب. كشف المحافظ عن أن فكرة هذا المشروع المهم بدأت منذ نحو عام ونصف العام بهدف إجراء دراسة وبحث كامل عن كيفية مواجهة مشكلة المياه الجوفية, مشيرا إلي أن هذه الدراسات جاءت استكمالا للبحوث السابقة, وهو ما حقق التوصل إلي نتائج علمية قابلة للتنفيذ في الوقت الحالي. وطلب حجازي من القائمين علي تنفيذ هذه الدراسة العلمية بالقيام بزيارات ميدانية إلي معبدي إدفو وكوم أمبو للاستفادة من خبرات البعثة المصرية الأمريكية التي قامت ولاتزال بتخفيض منسوب المياه في المعبدين, كما طالب بتفعيل دور المشاركة المجتمعية الجادة بالشكل المطلوب. ومن جانبه, أكد الدكتور محمود صقر رئيس أكاديمية البحث العلمي السابق استمرار تقديم الدعم لاستكمال المشروع بمدينة أسوان في ظل التواجد العلمي الممنهج والمدروس لوضع الحلول العلمية الجذرية للانتهاء من هذه المشكلة تماما, لافتا إلي أن الأكاديمية وباعتبارها بيت خبرة وطني في مجالات البحث العلمي تستهدف تنفيذ العديد من المشروعات بأسلوب علمي سليم, كما تتبني هذه السياسة الداعمة للمشروعات في العديد من محافظات الجمهورية. واستعرض الدكتور صلاح بيومي نائب رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي نتائج ومخرجات الدراسة العلمية البحثية للمرحلة الأولي من مشروع تخفيض منسوب المياه الجوفية بمدينة أسوان, كما استعرض إستراتيجيات التطبيق في المرحلتين الثانية والثالثة, موضحا أن الهدف الرئيسي من الدراسة هو تحديد مصادر وأسباب ارتفاع منسوب المياه الذي تم تنفيذه من خلال أعمال حقلية وإجراء قياسات حقيقية لسحب عينات ومراقبة المياه داخل عدد من المناطق المتضررة. وكشف بيومي عن أن هناك رؤية متكاملة للإدارة المستقبلية للموارد المائية بالمنطقة, بحيث يمكن الاستفادة من المياه المستخرجة. أما الدكتور أحمد غلاب رئيس جامعة أسوان فقد أكد دور الجامعة البحثي والعلمي تجاه المجتمع الأسواني, مشيرا إلي أنها تمثل بيت الخبرة بالمحافظة بمختلف تخصصاتها التعليمية من الكليات المعنية مثل الهندسة والزراعة والموارد الطبيعية والمصايد والعلوم والأسماك والآثار, وحرص غلاب علي تقديم الشكر والتقدير لاسم الراحل الدكتور سيد عبده الذي قام بإعداد دراسة متخصصة في هذا المجال وكان رمزا لجامعة أسوان, مشيرا إلي أن الدراسة تضمنت كيفية تعظيم الاستفادة من المياه الجوفية التي تمثل مخزونا استراتيجيا مهما لزيادة الرقعة الزراعية بأسوان.