تعد الدراما التليفزيونية أحد أهم روافد القوي الناعمة ليس فقط لدخولها كل بيت مصري وعربي دون استئذان من خلال الشاشة الصغيرة ولكن لقوتها الساحرة في التعايش معه علي مدار فترة زمنية ليست قليلة, ومن هنا تصبح الأعمال الدرامية سلاحا ذا حدين, وقد غابت مؤخرا عن الدراما فكرة صناعة القدوة أو تقديم نماذج مثالية وسوية كانت تحفل بالأعمال الدرامية المهمة التي نجحت في تشكيل وجدان أجيال متعاقبة لتختفي هذه الأعمال في السنوات الأخيرة وتستبدل بصورة مغايرة عن الشخصية المصرية يقول د.صفوت العالم: إن الأزمة الحقيقية في الأعمال الدرامية هي أنها تقدم الشخصيات الاجتماعية بفكر متطرف بمعني أنها تظهر حادة جدا بعيدة عن الصورة التي نتعايش معها في حياتنا اليومية فتفقد مصداقيتها. وأضاف حينما تقدم الدراما لنا نموذجا للشاب المتدين الملتزم لتقدمه وكأنه عازف عن الحياة ومنعزل تماما ويظهر بالعباءة واللحية, وهي صورة سطحية جدا وحينما تقدم للشاب المنفتح علي العالم الآخر لا بد أن تظهر بصورة المستهتر الضائع واحيانا المدمن وغير المسئول, بينما مصر مليئة بالنماذج الإيجابية الناجحة التي غابت عن الأعمال الدرامية فافتقدت الدراما الموضوعية وقدمت صورا مغايرة عن الغالبية في أسرنا المصرية. بينما قال الكاتب مجدي صابر: إن السبب الرئيسي والأساسي هو غياب وتقلص دور الجهات الإنتاجية الحكومية التي من المفترض أن تقدم أعمالا وطنية ونماذج إيجابية وتطرح القضايا الاجتماعية الحقيقية التي تعانيها الأسر المصرية ليلجأ الجيل الجديد من الشباب إلي الجهات الإنتاجية الخاصة التي تبحث عن التجارة والتسويق ومن ثم الإثارة فتتجه للعنف والبلطجة وتجارة المخدرات والقتل والجريمة, مبررين ذلك بأنها سلوكيات ظهرت علي مجتمعنا في السنوات الست الأخيرة ولكن الحقيقة أن هذه الظاهر متواجدة ولكنها قليلة إلا أن الشاشة التليفزيونية خلقت لها مساحة كبيرة. ويري المخرج مجدي أبو عميرة أن سبب هذه الأزمة هم القائمون علي صناعة الأعمال الدرامية واقتباسهم الأعمال الأجنبية بكل نماذجها السلبية من تجار مخدرات وسلاح وأساليب غير مشروعة وكأنها السبيل الوحيد للنجاح, ومن هنا غابت الأعمال الاجتماعية التي تربينا عليها ونحاول بثها في الأجيال القادمة. وأضاف أن مصر مليئة بالآلاف من النماذج مثل: محمد صلاح كل في مجاله, وقد سبق وقدمت نموذجا لرجل الأعمال المصري الناجح محمود المصري, وأيضا في مسلسل أين قلبي قدمت نموذجا للموظفة المثالية التي رفضت الرشوة والثراء رغم ظروفها الاجتماعية الصعبة, قبل أن تتغير الدراما منذ خمس سنوات بما تطرحه من نماذج هي في حقيقة الأمر مقتبسة من أعمال دخيلة علي مجتمعنا وأصبح من النادر أن نجد عملا يؤكد ويشير إلي نموذج إيجابي. فيما دافع المؤلف محمد سليمان عبد المالك عن أبناء جيله قائلا: نحن نقدم صورا واقعية من حياتنا أفرزتها ظروف مجتمعية مختلفة سواء اقتصادية أو ثقافية أو حتي فكرية, قد تكون دخيلة علينا, لكنها موجودة, وهنا يختلط الحابل بالنابل بمعني توقف استعراض تلك النماذج السلبية أو الملفوظة من مجتمعنا علي طريقة طرح ومعالجة القضية نفسها بحيث لا يكون الهدف من تقديمها التأكيد علي وجودها فحسب بقدر ما يكون هناك وعي من الكاتب بما وراءها, والتأكيد علي رفضها وأنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح وما يتوافق مع قيمنا. وأضاف أن المتلقي لديه وعي كاف لاستيعاب ما نقدمه وليس دور الفن أن يكون رسالة تلقينية أو تعليمية, والمقياس هنا هو قيمة الفن في طرح صورة واعية ورسالة توضيحية عما يعيشه مجتمعنا بكل مصداقية. وتابع قائلا: أتفق أننا في السنوات الأخيرة افتقدنا الصور المثالية رغم تواجدها علي أرض الواقع وغلبت علي الدراما النماذج السلبية بكل صورها وكأنه لن ينجح رجل الأعمال إلا بطرق غير مشروعة ولا تثبت المرأة قدرتها وقوتها إلا بالدهاء والخبث ولا يحقق الشاب حلمه إلا حينما يتورط وغيرها وإن كانت هذه الحالات موجودة, ولكن هناك حالات أخري مثالية.