هذه الأموال الخاصة المودعة قد تم تبديدها في أكبر جريمة نهب في التاريخ المصري المعاصر, بددتها الحكومات المتعاقبة في عصر حكم مبارك دون أن تملك القدرة علي إجبار من اقترضوها كي يردوا أصل المبالغ أو حتي فوائدها. جاء نبأ إصدار مجلس الوزراء لمشروع قانون بتعديل قانون التأمينات135 لسنة2010 و كأن حكومة د. عصام شرف ترق لأحوال أصحاب المعاشات. فتقوم برفع الحد الأدني للمعاشات تحت800 جنيه, وترد فارق العلاوة الاجتماعية لعام2008. وكان الأجدر برئيس الوزراء القادم من' ميدان التحرير' أن يصدر قراره بابطال ذلك القانون بالكامل والذي أصدره بالأصل مجلس شعب باطل جاء بالتزوير. ثم أسقطت ثورة25 ينايرهذا المجلس. وما يصدر عن مجلس باطل هو باطل بالضرورة, خاصة اذا صاغه وزير هارب من العدالة. قصة استيلاء حكومات' حسني مبارك' المتعاقبة علي أموال صناديق التأمينات قديمة, وقد بدأت باصرار وترصد في اقتراف جريمتين قوميتين اذا جاز لنا استخدام هذه المفردة الموحية بالشرف( قومية) فعبر تأسيس بنك الاستثمار القومي عام1980 بالقانون رقم119 تم تقنين ابتلاع هذه الكتلة الضخمة من الأموال الخاصة التي يدخرها العاملون بالقطاعين العام والخاص من مرتباتهم تحت مسمي التأمينات الاجتماعية, حتي اذا خرجوا من الخدمة في الستين من عمرهم وجدوا حصيلة ما ادخروه ليعيشوا عليه بقية عمرهم. وكانت هذه المدخرات يتم ايداعها في صناديق تحت اشراف الدولة ممثلة في وزارة الشئون الاجتماعية عبر الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي,. وحين صدر قانون إنشاء بنك الاستثمار القومي قصر إيداع أموال التأمينات علي هذا البنك, بهدف تمويل مشروعات تنموية كبري. إلا أن بنك الاستثمار كان منوطا به ضرب عصفورين بحجر واحد بأن يدفع عجلة التنمية في مصر عبر تمويله لمشروعات عملاقة. وفي نفس الوقت يضخ فوائد هذه الايداعات لتعود بالخير علي هذا القطاع العريض من الشعب المصري, الذي بلغ وفق آخر احصاء للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي في عام2009(16.3 مليون مشترك) في الخدمة ما زالوا يسددون اشتراكاتهم, و7.8 مليون خارج الخدمة يصرفون معاشات بالفعل. أي حوالي24.1 مليون مستفيد من هذه المظلة التأمينية. لكن البنك قرر أن يتحول من بنك ذي أهداف قومية عظيمة إلي بنك يقتدي بالبنوك القومية والخاصة الأخري ذات فضائح الاقراض دون ضمانات ودون استرداد. فبدأ النزيف. ولسبب لا يعرفه أحدا إعترف د.' عاطف عبيد' رئيس الوزراء الأسبق وهو يترك رئاسة الحكومة في نهاية عام2003 بأن أموال صناديق المعاشات المودعة ببنك الاستثمار القومي قد تم اقراضها دون ضمانات ودون أمل في الاسترداد. وبلغت هذه المبالغ بفوائدها في ذلك الوقت175 مليار جنيه مصري. وبلغت في آخر تقدير لها بنهاية العام المالي2009 نحو435 مليار جنيه. أي أن هذه الأموال الخاصة المودعة قد تم تبديدها في أكبر جريمة نهب في التاريخ المصري المعاصر, بددتها الحكومات المتعاقبة في عصر حكم مبارك دون أن تملك القدرة علي إجبار من اقترضوها كي يردوا أصل المبالغ أو حتي فوائدها. فكان أن فكرت وزارة مالية' يوسف بطرس غالي' في دفن الجريمة بدلا من معاقبة المتسبب فيها. ولا عزاء للعجائز. وللحق نقول إن الوزير' غالي' االهارب من العدالة لم يكن وحده صاحب الفكرة العبقرية في دفن الجريمة. اذ لم يكن الدفن فقط هو المقصود. وإنما كانت هناك أهداف أبعد. و علي رأسها الامتثال لتعليمات صندوق النقد الدولي بتقليص الانفاق الحكومي علي بنود الانفاق ذات الطابع الاجتماعي,.. أي التأمينات الاجتماعية والتأمين الصحي. وعلي هذا الطريق الاجرامي, قامت الحكومة بعدد من الإجراءات التدريجية السيادية. فألحقت الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي بوزارة المالية بالقرار الجمهوري رقم422 لسنة2005. وقد جمع وزير المالية بموجب هذا القرار بين رئاسته لمجلس ادارة بنك الاستثمار القومي ورئاسته لمجلس ادارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي,. أي صار دائنا ومدينا في نفس الوقت. ثم أصدر وزير المالية القرار272 لسنة2006 بجعل إيرادات التأمينات جزءا من إيرادات الموازنة العامة للدولة, مهدرا استقلالية موازنة التأمينات وهي أموال خاصة بضمها للموازنة العامة للدولة. وهناك دعاوي قضائية تنظرها المحاكم بابطال هذه القرارات. وقد يضيق المجال في المقارنة بين مزايا القانون القديم79 لسنة1975, وجرائم القانون الجديد135 لسنة2010. لكن أبرز هذه الجرائم أن الأخير يحول نظام التأمين الاجتماعي في مصر من نظام للتكافل الاجتماعي بين جميع المشتركين فيه إلي تأمين تجاري يعلي المصلحة الفردية علي ما عداها من قيم مجتمعية استفاد منها الخاضعون للقانون القديم وورثتهم, سواء كانوا قصرا أو أرامل أو مطلقات. هذا إلي جانب أنه يفتح الباب أمام شركات التأمين الدولية لنهب مدخرات المصريين بعد أن يصنفهم حسب القدرة علي دفع الاشتراك الأعلي, وينحاز بذلك للأغني والأقوي. القانون المشبوه أيضا قصد منه تخفيف العبء عن رجال الأعمال الذين ثبت أنهم لم يكونوا إلا عصابة للنهب الجماعي لثروات و قدرات أبناء مصر- دون الاهتمام بالعاملين ومستقبلهم في الشيخوخة أو مستقبل أولادهم و زوجاتهم. وعلينا أن نرفع أصواتنا جميعا مطالبين بالغاء القانون الجديد الباطل, وألا نقبل بالرشاوي التي يحاول بها رئيس الوزراء تبييض وجه القانون. فكيف يمكن لقروش فروق العلاوات الاجتماعية أو رفع الحد الأدني للمعاش أن تعوضنا عن435 مليار جنيه لم تخبرنا وزارة د. شرف عن كيفية استردادها أو جدولتها ؟. وبالرغم من الاعلان اخيرا عن فتح تحقيق موسع حول نهب هذه الأموال, فالحلول الجزئية ما عادت تصلح ما أفسدته عصابة الكبار. كاتبة ومترجمة عضو مؤسس ب' تضامن أصحاب المعاشات' نقابة مستقلة أشهرت في2 مايو2011