بعد أسابيع قليلة من استعادة الجيش العراقي محافظة كركوك الإستراتيجية, وما بها من حقول النفط والغاز من أيدي البشمركة الكردية, حتي تقدم أكراد سوريا للإستيلاء علي حقل العمر النفطي في شرق دير الزور, وسبقه سيطرتهم علي أكبر حقول الغاز كونيكو, ليكون تحت أيديهم كركوك جديدة في سوريا, برعاية ودعم القوات الأمريكية, التي تولت التفاوض مع داعش لينسحب من المناطق الغنية بالنفط والغاز في سوريا, وتسليمها لقوات حماية الشعب الكردية, في تكرار يشبه ما حدث في العراق, وكأن أكراد سوريا لم يستوعبوا الخطأ الجسيم الذي ارتكبه مسعود البرزاني, عندما تخيل أن وضع أيدي قواته علي نفط كركوك سوف يمكنه من إعلان الانفصال عن العراق, وإقامة دولة مستقلة, لكنه كان يقامر بالحلم الكردي ويبدده بسرعة, بل يحوله إلي كابوس, حيث تسربت من بين أيدي أكراد العراق تلك المكاسب الكبيرة التي تحققت خلال25 عاما, كانت فيها الدولة العراقية ضعيفة للغاية, حتي أصبح إقليم كردستان العراق دولة فوق الدولة ومستقلة بشكل فعلي, وتستحوذ علي كل نفط كركوك وباقي المناطق التي سيطرت عليها في غيبة الجيش العراقي, والحصول علي نسبة17% من موازنة الدولة, إلي جانب مشاركة الإقليم في حكم باقي العراق, فرئيس العراق كردي, والحكومة والبرلمان يضمان ممثلين عن الأكراد, وتحول البشمركة إلي جيش فعلي مزود بالدبابات والمدفعية والصواريخ من الولاياتالمتحدة, لكن كل تلك المكاسب بدأت تتبخر مع إعلان البرزاني عن إجراء استفتاء الانفصال, فتحركت الحكومة العراقية بدعم من تركيا وإيران لتضع أيديها علي المطارات والمنافذ البرية وتستعيد السيطرة علي كركوك ويتهاوي البرزاني مع مخطط الانفصال, ولا تتحرك أمريكا ولا إسرائيل لإنقاذه, وتتدني شعبية البرزاني, وتطالب الأحزاب الكردية بإقصائه, ومع ذلك يكرر أكراد سوريا الخطأ نفسه, ويتقدمون تحت حماية الطائرات الأمريكية لوضع أيديهم علي جزء حيوي من ثروات سوريا, من المياه وأخصب الأراضي الزراعية والبترول والغاز والثروات المعدنية, وهو ما لا يمكن للحكومة السورية أن تسكت عنه, وتترقب فقط الانتهاء من هزيمة داعش لتتوجه إلي القوات الكردية قليلة العدد, لاستعادة الثروات السورية, ومن المستبعد أن تخوض الولاياتالمتحدة حربا مع الجيش السوري وحلفائه من أجل أكراد سوريا, لأنها تستخدمهم لمجرد أن يصبحوا ورقة تفاوض مع سوريا وحلفائها, وستركز علي مطلب انسحاب القوات الإيرانية وحزب الله من سوريا, لتضمن أمن إسرائيل, وليس الأكراد. المعروف أن الجيش السوري هو أول من قدم السلاح للأكراد للدفاع عن مناطقهم ضد داعش, وعززت روسيا من حمايتهم, إلا أن الولاياتالمتحدة أغرتهم بإقامة دولة مستقلة أوسع من أحلامهم, فانقلبوا علي الجيش السوري وروسيا, رغم أن أعداد وتسليح أكراد سوريا أقل كثيرا من أكراد العراق, ويحتلون مناطق يشكلون فيها أقلية محدودة لا تمكنهم من إقامة دولة, وكذلك ليس لهم أي منافذ بحرية, وتتربص بهم تركيا في الشمال, وتتحين الفرصة للإنقضاض عليهم, لقربهم من حزب العمال الكردستاني, الذي يخوض حرب عصابات ضد الجيش التركي, كما تتواجد القوات العراقية في الشرق, ولا مفر أمام أكراد سوريا إلا بتبني صيغة التعايش المشترك مع مكونات الشعب السوري, وأي محاولة للضلوع في تقسيم سوريا سوف يلحق بهم العار والخسارة, وتتبدد التضحيات التي بذلوها في مواجهة داعش وباقي الجماعات التكفيرية, وستكرس النظر إليهم علي أنهم انقلبوا علي وطنهم عندما كان بحاجة إليهم, وشاركوا في محاولة تمزيقه بدلا من النهوض به, وهو ما سيلقي عبئا كبيرا علي الأكراد لعقود طويلة مقبلة, ويدفعوا ثمنا غاليا لعدم الإتعاظ من الأخطاء, والإصرار علي تكرارها.