منذ أعلن مسعود بارزاني رئيس اقليم كردستان في يونيو الماضي عن اصرار الاكراد علي إجراء استفتاء في مناطق العراق الكردية في 25 سبتمبر القادم علي إقامة دولة مستقلة لهم وتبعات اعلانه لم تتوقف حتي وقتنا الحالي.. فقد قوبل الإعلان بمعارضة داخلية وخارجية حيث حذر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من المخاطر التي سيسببها الاستفتاء علي العراق برمته، ومن ضمنه الاكراد وأكد ان الانفصال غير شرعي وغير دستوري، وان حكومته لن تتعامل معه. وعلي المستوي الاقليمي وجد الاعلان عن تنظيم الاستفتاء معارضة من معظم الدول المجاورة التي تضم ملايين الأكراد مثل تركياوإيرانوسوريا وترددت مخاوف من أن تنتقل العدوي إليها إذ يتوزع الأكراد أساسا بين هذه الدول بالاضافة إلي العراق. وخارجياً، رفضت بريطانياوالولاياتالمتحدة والمانيا وفرنسا استفتاء اقليم كردستان. واعرب الاتحاد الاوربي عن تحفظه وحذره تجاه الاستفتاء، وقالت الأممالمتحدة إنها لا تعتزم الانخراط في هذه العملية بأي شكل من الأشكال. وفي الوقت الذي وجد البعض في الاستفتاء مثل تركيا خطأ يمكن ان يؤدي إلي حرب اهلية طالبت دول اخري مثل الولاياتالمتحدة الاكرادَ بتأجيل الاستفتاء لان الوقت غير مناسب.. وجاء تفنيد الاسباب علي لسان بريت ماكجورك المبعوث الأمريكي لدي التحالف الدولي ضد تنظيم داعش الذي قال إن الولاياتالمتحدة تعتقد أن إجراء استفتاء في سبتمبر القادم سيزعزع الاستقرار بشكل كبير واكد انه علي الرغم من النجاح الأخير في تحرير مدينة الموصل فإن تنظيم داعش لم ينته ولا يزال في تلعفر جنوب إقليم كردستان، وفي الحويجة جنوبكركوك. وتوقع أن يكون تطهير الحويجة من المتطرفين معقدا للغاية، وأن تشارك فيه قوات الأمن العراقية والبشمركة الكردية. في الحقيقة تأخذ واشنطن في اعتبارها عدم إغضاب تركياوإيران في وقت تحتاج فيه القوات الأمريكية إلي تركيز جهودها علي جبهة داعش، خاصة تثبيت وجودها علي الحدود السورية العراقية وقطع الطريق أمام استراتيجية العبور الحر.. وتدرك ان اي تأييد صريح للاستفتاء سيدفع بتركيا إلي تصعيد الهجمات علي الأكراد خاصة أكراد سوريا باعتبارهم الورقة الرئيسية في الخطة الأمريكية. كما أن إيران لن تتواني عن اطلاق أيدي الحشد الشعبي لمواجهة الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد ويريدون ضمها كأمر واقع مكافأة علي دورهم في التصدي لداعش. ورغم الخلاف مع الأتراك في ملف دعم أكراد سوريا وتسليحهم لقيادة المواجهة الميدانية مع داعش في الرقة فلا يتوقع المحللون أن تبادر واشنطن إلي إغضاب أنقرة والاصطدام معها في قضية الاستفتاء، بل ستعمل علي إدارة هذه الخلافات بشكل يحفظ استمرار الحرب علي الإرهاب ويؤجل حسم الصراعات العرقية والطائفية إلي مرحلة لاحقة. كما أن روسيا تعتقد أيضا أن انفصال إقليم كردستان عن العراق سيجعلها في موقع الخاسر من الناحية السياسية والاقتصادية لأنها لن تجني فوائد من استقلال كردستان فقد تحصل في أفضل الأحوال علي بعض المشروعات في مجال الطاقة لان حقول النفط في المنطقة قسمت منذ زمن بين شركات النفط الأمريكية والأوروبية. معروف ان إقليم كردستان المكون من ثلاث محافظات في شمال العراق(اربيل والسليمانية ودهوك) يتمتع بالحكم الذاتي منذ عام 1991. ورغم أن التصويت غير ملزم للحكومة العراقية طبقا لدستور عام 2005، فإنه يشكل قاعدة لإقامة دولة مستقلة مشروعها يختمر منذ حصل أكراد العراق علي الحكم الذاتي من حكومة بغداد بعد حرب الخليج. وتخشي الولاياتالمتحدة ودول غربية أخري من أن يحول التصويت علي الاستفتاء المنطقة لساحة اضطرابات أخري في الوقت الذي تستعين فيه واشنطن بالقوات الكردية في كل من سوريا وكردستان العراق في مطاردة تنظيم داعش في كل من العراقوسوريا. في الوقت نفسه فإن انفصال الإقليم يواجه مشكلة أخري تتمثل بالمحافظات المتنازع عليها ومن بينها كركوك وديالي باعتبار أن هاتين المحافظتين تقطنهما قوميات أخري مثل العرب والتركمان التي ترفض الانضمام إلي الإقليم. كما ترفض الحكومة المركزية في بغداد انفصال الإقليم لاعتبارات كثيرة بعضها يتعلق بالدستور الذي لا يتضمن فقرة تشير إلي إمكانية الانفصال، وكذلك لوجود مناطق نفطية في الإقليم تشكل مصدر دخل رئيسي للعراق الذي يواجه أزمة مالية في الوقت الحاضر. علي الناحية الاخري يتمسك أكراد العراق بموعد الاستفتاء علي الاستقلال بالرغم من الضغوط الامريكية المطالبة بتأجيله.. فقد أكد هوشيار زيباري مستشار رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني، أن أكراد العراق سيجرون استفتاء علي الاستقلال في ال 25 من سبتمبر كما هو مقرر. ويري الخبراء ان سعي حكومة كردستان لاستثمار دور قوات البشمركة الكردية في محاربة داعش ومحاولة ترجمة ذلك في استكمال مسار الاستقلال عن الدولة العراقية قد لا يحققان المرجو منهما لوجود اتجاه دولي يري ان الوقت غير مناسب لهذه الخطوة يصاحبه رفض اقليمي قاطع تجاه تطلعات الاكراد. واعتبر مراقبون عراقيون أن البارزاني يعرف أن الولاياتالمتحدة تعارض إجراء الاستفتاء بسبب الوضع الإقليمي الذي يمكن أن يؤثر علي مصالحها وعلي وجود قواتها وأنها لا تعارضه مطلقا لإيمانها بأن التفتيت أفضل وسيلة للتحكم بدول المنطقة.. ولكنها لا تجد الوقت مناسبا فقط بدليل ان بارزاني قد طالب الولاياتالمتحدة بضمانات من أجل تغيير الموعد. ولهذا يري بعض المحللين أن تلويح المسئولون في إقليم كردستان العراق بالاستفتاء ما هو الا ورقة ضغط الهدف منها تحقيق مكاسب كردية جديدة، أو علي الأقل الحصول علي ضمانات عراقية وأمريكية بتأجيل الاستفتاء وليس بالغائه تماما مما يجعل تلك الضمانات بمثابة التزام سياسي واخلاقي تتم المطالبة به في الوقت المناسب. • آمال المغربي