نهاية سريعة لمقامرة إنفصال كردستان العراق بسيطرة القوات العراقية علي محافظة كركوك, فلا إمكانية للانفصال بدون كركوك, التي تحتوي علي40% من احتياطيات النفط العراقي و70% من الغاز, واعتقد مسعود البرزاني أن سيطرته علي تلك المحافظة الغنية تحت غبار الحرب مع داعش قبل3 سنوات قد ضمن له إمكانيات النصر والفوز بالغنيمة, لكنه وجد أن نهاية مقامرته جاءت بالسيطرة السريعة للقوات العراقية علي المحافظة خلال ساعات لم يتم فيها إلا تبادل عدة قذائف, قرر بعدها شطر كبير من البشمركة الإذعان لقرار رئيس الوزراء العراقي بتسليم المواقع العسكرية وحقول النفط ومقر شركة نفط الشمال وباقي المواقع الحيوية, وفر باقي البشمركة صوب أربيل بمجرد سماع إطلاق النار. اتهام حزب مسعود برزاني لأكراد محافظة السليمانية بالخيانة لا يعني إلا أن الأكراد لم يكن قد اتفقوا علي قرار الانفصال, وأن البرزاني انفرد باتخاذ القرار, معتمدا علي أن مجرد طرح تنفيذ الإنقصال علي شعب ظل يحلم بدولة كردية مستقلة يكفي ليسير وحيدا ومن خلفه الشعب الحالم, ليأخذهم البرزاني إلي جنان الدولة المستقلة, لكن أكراد العراق لم يجدوا جنة واحدة, وإنما حصار وحروب بلا أنصار, لا في داخل العراق, ولا المنطقة سوي إسرائيل, وكانت الصدمة الأكبر في تخلي الولاياتالمتحدة عنهم, رغم أنه يستحيل أن تكون خطوة الإعلان عن استفتاء الانفصال قد مرت بدون علم ومباركة واشنطن, لكن الحسابات المعقدة والصعبة للولايات المتحدة في المنطقة المزدحمة بالمشكلات والخصوم جعلت أمريكا تحرص علي أن تبدو علي مسافة متساوية بين الحكومة العراقية والأكراد, وكانت تأمل أن يستغيث بها الطرفان, وتتدخل بقواتها للفصل بين الجانبين, وعندئذ تتمكن من الإمساك بخيوط أخطر صراع في العراق, لأن أي كسر في موزاييك العراق سرعان ما سيتمدد مثل سرطان أصاب لوح من الزجاج, ويمكن لواشنطن المتمرسة في اللعب بمختلف الأوراق أن تجد ملعبها المناسب بين الأقليات الكثيرة في العراق وامتداداتها الإقليمية, وتمسك بورقة نفط كركوك الثمينة بين يديها, وتشاغل بها السنة والتركمان وكل الطامحين والطامعين, ولم يكن من الحكمة أن تؤيد واشنطن إنفصال الأكراد فتتحول قواتها إلي هدف لباقي الأطراف, خاصة مع تحفز تركيا والحرس الثوري الإيراني والحشد الشعبي العراقي وباقي الكارهين للوجود الأمريكي, وأن تخسر الموقف الوسطي لرئيس الوزراء العراقي الذي يحرص علي وجود مسافة ولو ضيقة تفصله عن إيران, بدل أن يرتمي في أحضانها تماما. البرزاني كان قد أصابته الثقة الزائدة في مقتل, فقد تحقق لأكراد العراق الكثير جدا خلال25 سنة, وأصبحت كردستان دولة فوق الدولة, وليست مجرد دولة داخل الدولة, فهو يحظي بنفط كركوك منفردا دون رقيب أو حسيب ويصدره عبر تركيا التي يتزعمها صديقه وراعيه أردوغان, كما يحصل علي17% من ميزانية العراق, وهو ما يفوق أي محافظات عراقية أخري, ويحصل علي غنائم المنافذ البرية, ولديه جيش يتسلم رواتبه من بغداد, وزودته الولاياتالمتحدة بأحدث الدبابات والمدفعية والصواريخ المضادة للدروع والطائرات, ويجري استقباله كرئيس دولة, ويوقع الاتفاقيات منفردا بدون حتي إخطار بغداد, واعتقد البرزاني أن بإمكانه المزيد, وأنه علي بعد خطوة واحدة من تحقيق الدولة التي سيمرح فيها كزعيم فعل ما لم يحققه غيره, فخطا بالاستفتاء وهو ممتلئ بالنشوة, فإذا به ينزلق إلي قاع سحيق, خسر فيه كركوك والمطارات والمنافذ, ولم تهب أمريكا أو إسرائيل لنجدته, وأصبح علي شفا حرب أهلية بين أكراد أربيل وأكراد السليمانية, ويتخلي عنه الجميع, ليكون ضحية المقامرة.