قبل أن تلتقط شعوب المنطقة أنفاسها مع تراجع أعنف موجة إرهابية, حتي فاجأنا رئيس إقليم كردستان العراق بالتصميم علي إجراء استفتاء الإنفصال, في وقت كان فيه الجيش العراقي يحارب داعش في جبهتي الحويجة وغرب الأنبار, ليضع المنطقة علي فوهة بركان من الصراعات بين الأعراق والأقليات. وعلي الجانب السوري كانت قوات الحماية الكردية التي غيرت اسمها إلي قوات سوريا الديمقراطية تزحف علي شرق سوريا وتضع يدها علي أكبر حقول الغاز والنفط في سوريا, رغم عدم وجود أكراد في هذه المنطقة, وكان المفروض أن تركز جهودها علي تحرير مدينة الرقة من فلول داعش, خاصة أن الرقة قريبة من المناطق الكردية, والتي تحاصرها منذ أكثر من أربعة شهور, فلماذا الذهاب إلي منطقة توجه إليها الجيش السوري في دير الزور, ويحرز نجاحات كبيرة في تحريرها من داعش؟ لا يوجد مبرر سوي الرغبة في وضع أكراد سوريا أيديهم علي حقل كونيكو شرق دير الزور, ومحاولة الفصل بين سورياوالعراق وفقا للمخطط الأمريكي, فقد رفعوا علم الولاياتالمتحدة علي هذه المناطق, اعتقادا منهم أن العلم الأمريكي سيمنع الجيش السوري من التقدم في أراضيه. هكذا يبدو أن مخطط الفوضي الخلاقة يمضي في طريقه, وإن تغيرت الأدوات بعد التأكد من هزيمة داعش, لتظهر بدلا منها مسألة استقلال الأقليات, التي لو تحققت ما نجت منها أي من دول المنطقة, وتقسمت إلي دويلات هزيلة, فكل الدول داخلها أقليات, وكل أقلية لديها مظلومية, تصلح أن تكون هولوكوست يبرر رفع راية التقسيم باسم الحق في الإستقلال. لم يكن أكراد العراق يواجهون أي نوع من الإضطهاد منذ الإطاحة بنظام صدام حسين, وقبلها عانت جميع المكونات, وعدد الضحايا من الأكراد أقل كثيرا من ضحايا باقي المكونات, لكن أي تحرك للانفصال يحتاج إلي مظلومية, فأين مظلومية أكراد العراق في ربع القرن الأخير؟ إنهم يتمتعون باستقلال شبه كامل, وأعلام الإقليم مرفوعة علي كل المؤسسات, ويبيع نفط الإقليم والمناطق التي سيطروا عليها بدون رقابة أو محاسبة أو حتي مكاشفة, مع أن الأرقام هائلة, تبلغ نحو8 مليارات سنويا, وبالإضافة إلي ذلك يشارك أكراد العراق في حكم باقي العراق, فرئيس الجمهورية كردي ولهم حصة مؤثرة في البرلمان والحكومة, ويحصلون علي17% من موازنة الدولة. لهذا كان الاستفتاء غير مبرر, ليس لتعارضه فقط مع الدستور العراقي الذي شاركوا في وضعه, وإنما لأن أكراد العراق يعيشون أكثر الفترات استقرارا وازدهارا, ليأتي الاستفتاء ليقرع طبول الحرب في منطقة شديدة الالتهاب والتعقيدات القومية والمذهبية, وسيكون لأي صدامات تأثيرها علي كل المنطقة, وجاء رفع الأعلام الإسرائيلية وتأييد رئيس الوزراء الإسرائيلي للاستفتاء ليزيد من المخاوف والهواجس. لا يبدو أن الحكومة العراقية يمكنها الصمت علي هذه الخطوة, وقد طالبت بتسليمها جميع المطارات والمنافذ البرية, لأن أي نظام فيدرالي يعطي الحق للحكومة المركزية في السيطرة علي الحدود والمنافذ, وكذلك سيطرة الشرطة الاتحادية علي المناطق المتنازع عليها, خصوصا كركوك الغنية بالنفط, والتي تسكنها أقليات من كل المكونات, وهي إجراءات قد تؤدي إلي صدامات مسلحة, وتفجر الصراعات في العراق والدول المجاورة, ويصل صداها وتداعياتها إلي ما هو أبعد, ويعطي الفرصة لتدخلات إقليمية ودولية تزيد الأمور تعقيدا. ينبغي عدم التلاعب بورقة الأقليات, وشحن المشاعر القومية لتوظيفها في التدمير والتقسيم, مثلما تم الشحن باسم الدين ودفعت دول المنطقة والعالم أثمانا باهظة من الدماء والممتلكات والآلام, وتوظيف قدرات الشعوب في التنمية والبناء علي أساس دولة المواطنة التي يتساوي فيها الجميع.