في الوقت الذي يواصل فيه مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان استعدادات تنظيم استفتاء حول استقلال الإقليم عن العراق, تحركت قوات سوريا الديمقراطية الكردية لتطوق مدينة دير الزور التي فك الجيش السوري حصار داعش لها, وتمنع الجيش السوري من تحرير الضفة الشرقية للمدينة الواقعة علي نهر الفرات, ويعرقل القوات الكردية سيطرة الجيش السوري علي حدوده الشرقية مع العراق, ولا يمكن تفسير تحرك القوات الكردية في سوريا نحو دير الزور بأنه لمواجهة تنظيم داعش, فقد تركت القوات الكردية الجبهة في مدينة الرقة مع داعش لتمنع الجيش السوري من التحرك تحت غطاء الطائرات الأمريكية. تفجير أكراد سورياوالعراق أزمتين متزامنتين لا يمكن حدوثه إلا بموافقة ودعم أمريكي, ليشغل الأكراد جزءا من الفراغ الكبير الذي تركه تنظيم داعش المنهار. يتمتع أكراد العراق بما هو أكثر من حكم ذاتي أو فيدرالي, فلهم كامل السيطرة علي إقليم كردستان العراق, ويشاركون في حكم باقي الدولة من خلال الإشتراك في الحكومة المركزية والبرلمان, ولهم حصة كبيرة من الموازنة العامة للدولة, حتي أن قسما مهما من الأكراد لا يريد الإستقلال, بينما يري قسم آخر تأجيل الإستفتاء, غير إن رئيس الإقليم الذي انتهت مدتي رئاسته مصمم علي إجراء الاستفتاء, ويتهمه معارضوه بأنه يسعي من خلال الأزمة إلي التغطية علي عدم مشروعية إستمراره في رئاسة الإقليم, وتعطيله لانعقاد البرلمان المحلي لأكثر من عامين, لتكريس انفراده بحكم الإقليم, لكن البرزاني يراهن علي علاقته القوية مع الولاياتالمتحدة, لأن استمرار الأزمة بين الحكومة العراقية وحاكم إقليم كردستان تتيح للولايات المتحدة الضغط علي العراق, وتأجيل تحرك الجيش العراقي لتحرير الحدود مع سوريا حتي لا تفقد فرصة ترتيب وضع يتيح لها التحكم في الحدود السورية العراقية, بما يحول دون التواصل الجغرافي بين العراق وإيران وسورياولبنان, وهو ما تتخوف منه إسرائيل, التي تجري أضخم مناورات علي حدودها الشمالية مع لبنانوسوريا, وتعلن استعدادها لخوض حرب ضد حزب الله اللبناني, يمكن أن تمتد إلي الجانب السوري. وزير الدفاع الإسرائيلي ليبرمان أكد تأييد إسرائيل لانفصال الأكراد في سورياوالعراق, بل تقسيم الدولتين إلي عدة دول, مبررا كلامه بأن التقسيم سوف يكون مناسبا لجميع الأقليات, وإصلاح ما أفسدته اتفاقية سايكس بيكو, وأنه مع حق كل أقليات المنطقة في تقرير مصيرها, لكت ليبرمان لا يؤيد بالطبع حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره علي أرضه. المغامرة الكردية في كل من سورياوالعراق مليئة بالمخاطر علي الأكراد, لأنهم محاطون بالخصوم من جميه الجهات, ومثلما توسعت قوات البشمركة لتستولي علي أراضي خارج حدود الإقليم, فإن أكراد سوريا توسعوا إلي حد أنهم أصبحوا أقلية لا تتجاوز ربع سكان المناطق التي يسيطرون عليها, ولا يمكنهم التعويل علي بقاء الطائرات الأمريكية فوقهم, فقد لا تستمر الحماية الأمريكية, وحتي لو استمرت فإنهم لا يملكون مقومات دولة قادرة علي البقاء, خاصة إذا ما قررت الدول الأربع المحيطة خنقهما من جميع الإتجاهات, وعندئذ سيعاني سكان هذه المناطق وينقلبون علي قياداتهم أما الإحتكام إلي القوة العسكرية فسيكون انتحارا, لأن القوات الكردية مجتمعة لم تكن قادرة علي مواجهة جزء من تنظيم داعش, ولم تهزمه في أي معركة حقيقية, ولن يكون بمقدورها مواجهة أي من جيوش الدول المحيطة. ما يزال هناك بصيص من الأمل لوقف تدحرج الأزمة الكردية قبل استفحالها ووصولها إلي الصدام, لكن ذلك مرهون بأن يتم الاحتكام إلي الحوار, وليس فرض أمر واقع بشكل منفرد لن ترضي به باقي الأطراف, وإلا فإن الصدام سيكون حتميا, وأول ما سيسفر عنه هو الإطاحة بالمكاسب التي حصل عليها الأكراد بدلا من تحقيق حلم الانفصال علي أشلاء شركائهم في الوطن.