قامت الدنيا ولم تقعد منذ أحداث سبتمبر وحتي الآن, وأشعلت أمريكا العالم بنيران الغضب والقنابل, ملقية في روع كل دولة أنها أم الجناة ووكر الإرهاب ومأوي الإرهابيين, ولوحت بترساناتها العسكرية, وقطع معوناتها الاقتصادية وإمداداتها التكنولوجية, وأثارت زوابع عنيفة, معلنة خلالها العداء السافر للإسلام والمسلمين. وجالت وصالت في دهاليز الحدث وتفحصت أعماقه, وانتهي بحثها الدءوب إلي لا شيء, وتعالت أصوات مرددة أن أمريكا ضربت من الداخل, وأخري مؤكدة أن أمريكا ضربت من أعدائها الذين يكنون لها جذور الكراهية. لكن,رغم ما طرحه الحدث من مئات الأسئلة,فقد كان هناك سؤال غائب; لأنه كان بعيدا عن أي منطق أو احتمال واقعي, وهو: هل كان الرئيس الأمريكي بوش الابن لديه أي إرهاصات عن ضرب أمريكا أو حتي خدشها؟ الإجابة المستحيلة هي: نعم!! لقد تلقي تحذيرات كثيرة من أجهزة المخابرات الأمريكية حول وجود احتمال قوي لقيام تنظيمات إرهابية- من بينها تنظيم القاعدة- بخطف طائرة ركاب مدنية لضرب أهداف أمريكية. ولعلها أيضا الإجابة التي تفجر نحو أكثر من عشرين سؤالا يمكن أن تدور بعقول وقرائح المفكرين ورجال السياسة والاستراتيجية الأمريكية,منها: ما حقيقة أصداء ما يتردد في ردهات البيت الأبيض آنذاك؟ لماذا كان اختيار هذا التوقيت لاعتراف البيت الأبيض بوجود تحذيرات قبل ثمانية أشهر من وقوع الحادث المروع؟ لماذا أخفي بوش معلومات حيوية وعلي درجة من الخطورة وتمس الأمن القومي الأمريكي؟ لماذا لم يعلن بوش عن بعض أو كل حقائق التقارير المرفوعة إليه منذ وقوع الأحداث علي الأقل؟ لماذا لم يستوجب هذا الأمر محاكمة الرئيس الأمريكي؟ كيف يكتفي الشعب الأمريكي باعتذار عابر من رئيسه؟ وكيف استثمرت هيلاري كلينتون هذه الواقعة لتصفية الحسابات القديمة بين كل من حزبي الجمهوريين والديمقراطيين؟ ولم لم تتجاوز هذه الواقعة فضيحة ووتر جيت أو فضيحة مونيكا جيت؟ هل يتوافق ذلك مع رؤية كلينتون أن كل رءوساء أمريكا ليسوا علي مستوي المسئولية السياسية والقومية؟ لماذا صرح آري فلايشر بأن جميع التحذيرات التي تلقاها البيت الأبيض كانت علي درجة من العمومية؟ وكذلك لماذا اعترف روبرت ميللر-مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي- أنه لم يعر أي اهتمام للمذكرة التي كتبها أحد عملاء المباحث الفيدرالية, والتي طلب فيها التحقيق في تردد العديد من العناصر من الشرق الأوسط للتدريب في مدارس طيران أمريكية؟ ولماذا لم تصدر أي توجيهات بشأن هذه المذكرة؟ هل تعتبر سلبية بوش مع حقائق الحدث نوعا من المشاركة الفاعلة في صناعة أحداث سبتمبر؟ لماذا سكت الشعب الأمريكي عن أكبر مهزلة سياسية هزت سمعة أمريكا سياسيا واستراتيجيا؟ لماذا كان ابن لادن هو الاحتمال الأوحد لدي بوش ولم يكن هناك بديل؟ وإذا كان ابن لادن هو الاحتمال الأوحد, فلماذا التأخر في تقديم الأسباب والمبررات والدواعي؟ ولماذا تم ضرب أفغانستان وتدميرها قبل تقديم أدلة دامغة علي تورط ابن لادن في أحداث سبتمبر؟ ولماذا لم يقدم بوش استقالته توافقا واتساقا مع قيم المجتمع الأمريكي: الحرية, والديمقراطية, وحقوق الإنسان؟ وما مستقبل أمريكا في ظل معطيات الفترة الأخيرة للرئيس بوش؟ إن التساؤلات كثيرة, ولا تعلن في مجملها إلا عن وجود توترات لا تحقق توازنا أو استقرارا مع الذات أو مع الآخر, وبالتالي فإن مفهوم محور الشر-الذي أشيع وروج في تلك الآونة استهدافا لمصالح خاصة- قد تبدلت زواياه وأركانه وأعماقه ودلالاته, وأصبح يسير في اتجاه أحادي هو اتجاه أمريكا; لأنها كانت وستظل الشيطان الأكبر- كما تردد منذ منتصف القرن الماضي-!