سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أزمة الثقافة.. (2-2) عارضة أم مزمنة ؟
الخبراء يضعون خطة الإنقاذ: اختيار قيادات لها رؤية وإستراتيجية واضحة..
و توحيد قطاعات النشر.. وإنشاء قاعدة بيانات للكتاب والمبدعين
في الجزء الثاني من ملف: أزمة الثقافة.. عارضة.. أم مزمنة, يواصل16 كاتبا ومثقفا تقديم مقترحاتهم وإجاباتهم ردا علي تساؤلات الأهرام المسائي حول أزمة الثقافة.. وهنا تتسع الدائرة شيئا فشيئا لنري الأزمة من منظور أشمل فتظهر أنها ليست مقصورة علي وزارة الثقافة, وأنها ليست تعبيرا عن غياب في الرؤية والتخطيط, بل إن الأسوأ أن المجتمع ككل لا ينظر إلي الثقافة باعتبارها قضية قومية. الحوار حول أزمة الثقافة ليس غرضه ولا هدفه إدانة جهة أو وزير أو مؤسسة بقدر ما هو محاولة للبحث عن طرق وسبل جديدة وجادة ووضعها أمام أعين المسئولين حتي يمكن الخروج من هذه الأزمة أو بالأحري الأزمات الثقافية المركبة والمعقدة, واكتشاف مساحات الأمل والخيال ومواجهة هذه التحديات لأن شجرة الثقافة ستثمر إذا ما آمن القائمون عليها بوحدة الحلم وشاركوا في الهم العام بما يجعل الثقافة الجندي الأول في الدفاع عن الهوية المصرية وتثبيتها وتوطيد أركان الدولة الحديثة. قضية قومية أكد الدكتور خلف الميري أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية البنات للآداب والعلوم والتربية بجامعة عين شمس, والرئيس الأسبق للإدارة المركزية المشرف العام علي الشعب واللجان بالمجلس الأعلي للثقافة, أن أزمة الثقافة في مصر أكبر من مسئولية وزارة الثقافة التي بلا خطة, لأن الحكومة بل والمجتمع لا تراها قضية قومية. وأضاف: المشكلة أنه يتم توصيف المسألة بطريقة غير صحيحة, فيتم حصر الثقافة في أنها القراءة والكتابة والإنتاج في الفنون والآداب, أو حصرها في دور وزارة الثقافة, وهذا غير دقيق لأنها في واقع الحال وتوصيفها العلمي أعم وأشمل من كل ذلك, فهي إطار كلي في المجتمع بكل أبعاده السلوكية والإبداعية والأنا والآخر وعلاقات شديدة التنوع في مفاهيم التربية والتعليم والتثقيف والهوية والعطاء الإنساني والتواصل الحضاري ومختلف العلوم والفنون والآداب وغير ذلك, ولذا أعتبرها قضية مجتمع ولا يمكن حصرها في وزارة أو مؤسسات الثقافة. وأشار إلي أنه مع اقتناعنا بأن تكون هذه الوزارة بمؤسساتها, وجهود الكتاب والمفكرين والمبدعين والمتخصصين, ذوي القدرة علي تبوأ القيادة الثقافية, لكن لا يمكن أن تكون هذه الجهات هي العاملة بمفردها, وهنا مهما أوتيت الوزارة من قدرة ستكون جهودها مجهضة, إذا لم تتكامل وتتضافر معها جهود الوزارات والمؤسسات الأخري, التربية والتعليم والشباب والتعليم العالي والمحليات والوزارات والهيئات والمؤسسات الدينية في إطار حركة تنويرية, وكوادر وجمعيات المجتمع المدني وغيرها. وأضاف الدكتور خلف الميري أن الأمر يزداد سوءا إذا كانت الوزارة بلا خطة ثقافية طموحة, والأسوأ أن تكون الحكومة ككل غير مدركة أن الثقافة قضية قومية, وهي الأساس الحقيقي للنهضة, ولا ننكر أنه توجد جهود مبذولة من وزارة الثقافة بمختلف مؤسساتها, وقد دخلت مؤخرا وزارة التنمية المحلية بقوة في العمل الثقافي, لكن واقع الحال هذا لا يكفي لإحداث نهضة شاملة, لآن الجميع يعمل في جزر منعزلة ولا يتعامل في إيثار وعطاء تكاملي. وتساءل الدكتور خلف الميري قائلا: هل نحن بحاجة إلي العمل بروح الفريق؟, هل نحن بحاجة إلي بلورة خطة يتبناها المجتمع حكومة وشعبا ويلتف حولها, تعبر عن حلم قومي؟, هل يمكننا أن نستدعي تجربة الثورة الثقافية الصينية مع اختلاف الخصوصيات والمفردات؟, هلي يمكننا إحداث ثورة حقيقية في ثقافتنا المجتمعية علي غرار ما فعله مهاتير محمد في ماليزيا؟, لقد جرت محاولات صاغها بعض الكتاب والمفكرين كان يمكن أن تمثل قاعدة حوار أو انطلاق لتصورات أكبر توضع للتنفيذ, أذكر تلك الورقة التي كان قد أعدها السيد يسين عن رؤيته للسياسة الثقافية, وفكرة البروتوكولات التعاونية بين عديد من الوزارات ذات الصلة المباشرة بالعمل والحياة الثقافية, التي أسسها الدكتور جابر عصفور إبان توليه وزارة الثقافة. وأضاف أن من الأمثلة ما هو أكثر, ماذا تجدي وزارة الثقافة وحتي وزارتي التربية والتعليم, والتعليم العالي مع عديمي التربية أصلا الوافدين من أسر مفككة أو من أولاد الشوارع, أو عاطلين يعانون البطالة, يقعون فريسة في أيدي من يستغلهم في غير صالح الوطن أو يتحولون إلي قطاع طرق, أو يسيطر عليهم الحقد الإجتماعي, حتي السير في الشارع واحترامه والآخرين ثقافة, وماذا تجدي كل وزارات الثقافة وغيرها مع مجتمع يعاني الحدة في التفاوت الطبقي, وماذا تجدي الأفكار التنويرية ومختلف الجهود أمام رجل دين هنا أو هناك يكرس للتعصب والتطرف والطائفية, وماذا تجدي كل محاولات الحفاظ علي الهوية أمام أحد الأجهزة الإعلامية التي تعمل علي تعميق الفروق الطبقية وطمس الهوية, وما العمل أمام هذا السيل المنهمر من محاولات التغريب في التعليم الخاص, والتفنن في إهدار اللغة العربية والتاريخ القومي وغير ذلك. وأشار إلي أنه هذا السبب هو الذي يجعله يعتبر الثقافة قضية قومية وقضية مجتمع ككل; ولابد أن تتضافر لإنجاحها مختلف الجهود, ومن المهم جدا البحث عن صيغة في هذا الإطار إذا كنا ننشد تقدما ثقافيا حقيقيا وارتقاء حضاريا, دعني أعتبرها حلما وهما قوميا, لابد أن يأخذه الجميع علي عاتقه حكومة وشعبا, حتي لو أدي الأمر إلي استحداث تشريعات ومفاهيم تؤدي إلي إعادة صياغة سلوكياتنا, ومنها احترام الشارع وتعميق ثقافتي الاختلاف والاعتذار, وثقافة العلوم والإعلام جنبا إلي جنب مع الفنون والآداب, والتربية مع التعليم, وإدماج المهمشين والأطراف في قلب المجتمع, وأن تكون النهضة شعارا جوهريا وإدراكا حقيقيا وليست مجرد أقوال نظرية. شيلني واشيلك وتناول الدكتور منير فوزي أستاذ النقد والبلاغة ووكيل كلية العلوم الأسبق ما يتردد هذه الأيام بين دفات الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي حول أصداء مناقشات وحوارات عديدة ساخنة; بين عدد كبير من المثقفين والمنشغلين بهموم الثقافة; كثير منها يتناول ضعف أداء المؤسسات الثقافية في الواقع الراهن; وتراجع دورها التنويري في المجتمع المصري, قياسا بمراحل سابقة; وتحول الفعل الثقافي إلي آلية وظيفية تفتقر إلي روح المشاركة الفعالة التي هي جوهر العملية التثقيفية. وأكد أن المؤسسات الثقافية اكتفت بفتح أبوابها للإبداع والنشر والإعلان عن عدد من المسابقات التي عادة- لا يفوز فيها إلا وجوه بعينها; وكذلك جوائز الدولة في مجالات الفنون والآداب; والتي باتت تخضع لحسابات أخري غير الجدية والموهبة والمشاركة الفعالة; وأدي هذا الاكتفاء إلي انغلاق المؤسسات الثقافية علي نفسها; وبات التكرار الفعل السائد فيها; فلم نعد نري جديدا ولا نري ابتكارا إلا نادرا; كما سيطرت أسماء بعينها علي مجالات العمل الثقافي; وكرست هذه الأسماء التبعية والشللية والنمطية; حتي بعد رحيلها عن مؤسسات العمل الثقافي الكبري; كالمجلس الأعلي للثقافة; والمركز القومي للترجمة; والهيئة العامة للكتاب; ودار الكتب; والهيئة العامة لقصور الثقافة; والصفحات الثقافية في الجرائد; والقنوات الثقافية; فتذهب جوائز الدولة إلي أشخاص غير مبدعين ولا موهوبين; لا يتميزون بشيء إلا بأنهم من أنصار فلان أو أتباع فلان!; ولأنه ليس في المقدور إغضاب فلان هذا أو ذاك; ولأن المصالح تستوجب مبدأ( شيلني واشيلك) فإنه يحتفي بهؤلاء الفائزين غير المستحقين احتفاء مبالغا فيه; في مؤسسات العمل الثقافي وعلي صفحات الجرائد وفي القنوات الثقافية. وأوضح الدكتور منير فوزي أن أسماء بعينها تسيطر علي الواقع الثقافي حتي هذه اللحظة; لأن بعضها جلس علي كرسي المؤسسة لأكثر من عقد; وفي هذه الفترة نثر تلاميذه وأتباعه في كل مواقع العمل الثقافي داخل هذه المؤسسة; حتي إذا رحل عنها صار مسيطرا عليها مرة أخري; بفضل تلاميذه ومريديه; وحين حاول أحد وزراء الثقافة السابقين تغيير هذه المعادلة بطرح وجوه جديدة; والإعلان عن فتح باب التقدم لمؤسسات المجلس الأعلي للثقافة والهيئة العامة لقصور الثقافة; تم وأد هذه التجربة علي يد الوزير اللاحق والذي كان تابعا بدوره للمؤسس الأول; فألغي الإعلان بعد أن تقدم إليه خمسة أعضاء; وأسندت إدارة هيئة الكتاب لأحد التابعين; ونقل بعض المديرين الجادين إلي مؤسسات ثقافية أخري; ثم قام بإقالتهم بعد ذلك; تنفيذا لأجندة المؤسس الأول; وسرعان ما تعدلت الأوضاع وعادت الأمور إلي نصابها الأول. مشروع للنهضة قال الدكتور سعيد توفيق أستاذ الفلسفة والأمين العام الأسبق للمجلس الأعلي للثقافة: إنه علي الرغم من أن هناك محاذير في استخدام كلمة المشروع في سياق الحديث عن الثقافة; لأنها أصبحت كلمة مبتذلة بحيث يستخدمها كل من هب ودب ليتحدث عن نفسه باعتباره صاحب مشروع فلسفي أو أدبي وغير ذلك; وعلي الرغم أيضا من أن كلمة قومي تثير حساسية لدي البعض حينما يتم استخدامها في السياق الثقافي; لأنها تستدعي في أذهانهم تصورات بغيضة عن التوجيه الثقافي المقترن بحقبة ما عرفت فيها مهمة الثقافة باعتبارها مهمة تضطلع بها وزارة الثقافة والإرشاد القومي كما كان اسمها فيما مضي, ومن هنا أصبحنا نسمع أصوات تنادي بإلغاء وزارة الثقافة نفسها- علي الرغم من ذلك كله; فإنني أستخدم الكلمتين هنا متجاوزا كل هذه المحاذير التي أراها تنبع من أخطاء وخلط في الفهم, فمثل هذا الفهم لا ينبغي أن يمنعنا من التأكيد علي أهمية الثقافة بوصفها مشروعا قوميا نهضويا يستدعي رؤية شاملة وآليات لتحقيقها عمليا. وأشار إلي أن الثقافة في البلدان المتخلفة- التي تسمي تأدبا ببلدان العالم الثالث مثل بلداننا- لا تعرف شيئا عن ذلك, ومن ثم لا تضع الثقافة ضمن أولوياتها كمشروع نهضوي. مثل هذه البلدان ضالة تسير; حيث يسير الريح الذي يهدهدها متي شاء ويعصف بها متي شاء. كما أن مثل هذه البلدان الهشة لا توجد فيها مؤسسات ثقافية مدنية قوية; لأن مثل هذه المؤسسات لا يمكن أن تنهض إلا بدعم من دولة تؤمن بأولية الدور الثقافي, حتي أن كان هذا الدعم يقتصر علي دور الدعم السياسي الذي يذلل كل العقبات البيروقراطية في سبيل نشأة هذه المؤسسات وممارستها لدورها, فمثل هذه المؤسسات لا يمكن أن تنشأ قوية وتمارس دورها إلا بعد تجربة حقيقية تبرهن فيها الدولة علي تبنيها لشئون الفن والثقافة, ولعلنا نستدعي هنا علي الفور دور مؤسسة السينما التي كانت تابعة للدولة ممثلة في وزارة الثقافة, والتي أنتجت أعظم الأعمال السينمائية فيما مضي. وشدد الدكتور سعيد توفيق علي أن وزارة الثقافة في مصر ضرورة, شريطة أن تقوم كل مؤسساتها بالدور المنوط بها في المرحلة الراهنة, وهو دور ينبغي أن يسهم بقوة في تأسيس أو تشكيل الوعي. حقا إن هذا الدور يجب أن تسهم فيه مؤسسات رسمية عديدة, وعلي رأسها وزارة التعليم ومؤسسة الشباب ومؤسسة الأزهر, ولكن يظل لوزارة الثقافة دور كبير مهم لا يمكن إغفاله, معربا عن أسفه لأن هيئة قصور الثقافة هي أهم موقع في وزارة الثقافة; ذلك لأنها الهيئة التي تمتلك أكثر من سبعمائة موقع في ربوع مصر كل, منوط بها نشر الثقافة في كل هذه الربوع, مثلما فعل الراحل العظيم ثروت عكاشة; ولكن كل هذه المواقع لا تعمل جميعها, والذي يعمل منها يشبه في عمله مكاتب التموين في سائر ربوع مصر التي لا تثمن ولا تغني من جوع.. موظفون متكدسون في مكاتب لا يعرفون ماذا يفعلون, وفنانون وأدباء لا يعرفون طريقا لعرض إبداعاتهم من خلال مكاتب الموظفين هؤلاء الذين بلغ عددهم سبعة عشرة ألف يتبعون لوائح وتعقيدات بيروقراطية عقيمة لا شأن لها بالفكر أو الفن والإبداع. وأكد أن الحل ليس في يد أحد من قيادات وزارة الثقافة التي يتم تبديلها يوما بعد يوم وكأنها بيادق في رقعة شطرنج, وإنما الحل يكمن في إصلاح حال مؤسسة الثقافة نفسها, وتعظيم دورها في سياسة الدولة. فمؤسسات وزارة الثقافة في الدولة تعمل منذ عقود كما لو كانت جزرا منعزلة, فكل عمل ثقافي يتم كما لو كان مناقصة محدودة( بلغة الإدارة); ومن ثم فإن كل قيادي في هذه المؤسسات يبدو كما لو كان يجري مناقصات محدودة في إقطاعيته, وأغلبهم لا يعملون وفقا لرؤية شاملة أو خطة مرسومة, بل يعملون علي تلميع أنفسهم إعلاميا من خلال الترويج لبضاعة تباع بالقطعة, ولا تشكل جزءا في عملية إنتاج ثقافي واسع. وأضاف أنه رغم أهمية كل قطاع أو مؤسسة من مؤسسات وزارة الثقافة, فإنها ينبغي ألا تعمل بوصفها إقطاعيات لرءسائها, وإنما ينبغي أن تنصاع لرؤية شاملة تنهض بالدولة وتنتشلها من حالة انحطاط الوعي الثقافي من خلال المساهمة بقوة في عملية تأسيس الوعي في سائر تجلياته: كالوعي السياسي بمعني الهوية والديموقراطية والدولة المدنية, والوعي العلمي, والوعي التاريخي, والوعي الديني, والوعي الأخلاقي, والوعي الجمالي الذي يرتقي بالذوق الفني والإحساس بالجمال. هذا الدور هو ما ينبغي أن يضطلع به بالمجلس الأعلي للثقافة الذي أنشئ في الأصل ليكون بديلا عن وزارة الثقافة, بشرط أن يعاد هيكلة هذا المجلس من خلال آليات تمنحه القدرة علي أن يؤدي دوره الأصلي في رسم السياسات الثقافية للبلاد, بحيث تكون هذه السياسات ملزمة لقطاعات الوزارة كافة, وبحيث يتحقق الدور المنشود لوزارة الثقافة باعتبارها منتجا للصناعة الثقافية الثقيلة, وباعتبارها وسيطا قويا قادرا علي توصيل المنتج الثقافي( في سائر أشكاله) إلي المستهلك في سائر ربوع البلاد. تفاؤل بالمستقبل أعرب الدكتور حسام جايل الأستاذ بكلية دار العلوم عن تفاؤله بمستقبل الثقافة في مصر مؤكدا أن هناك حزمة من الإجراءات والخطوات التي يمكن لو نفذت عادت الوزارة بسرعة لأداء دورها المنوط بها وذكر أولا أن التحديات تتمثل في: عدم وجود خطة واضحة للنهوض بالثقافة المصرية, وتكدس الموظفين والعمال بالمؤسسات دون القيام بعمل حقيقي, إضافة إلي العشوائية في اتخاذ القرارات وفي النشر, فضلا عن تضارب وتعارض سلاسل النشر في الهيئات المختلفة. وسيطرة الشللية علي المؤسسات والسلاسل والندوات والسفر...إلخ. وعدم وجود قاعدة بيانات للكتاب والمبدعين والمفكرين, وكذلك الكتب المنشورة. بالإضافة إلي سيطرة روح المنفعة الخاصة علي بعض المثقفين, وبذلك تتضارب وتتباين مواقفهم من الوزارة والوزير بحسب تحقيق هذه المصلحة من عدمه, وكذلك غياب الرؤية السياسية والفنية لدي المسئولين عن إدارة المؤسسات الثقافية, إلي جانب عدم الاهتمام أو عدم إدراك قيمة الثقافة كقوة ناعمة لمصر وأنها سلاح رادع وفعال في مواجهة الإرهاب والتطرف لدي القيادة السياسية. واقترح الدكتور حسام جايل مجموعة من الحلول والمقترحات وهي: اختيار قيادات لها رؤية وإستراتيجية واضحة في العمل للنهوض بالثقافة, ووضع خطة زمنية لإعادة هيكلة مؤسسات الوزارة, وتأهيل الموظفين العاملين بها, وتوحيد قطاعات النشر والتنسيق فيما بينهم بالإضافة إلي ضرورة إنشاء قاعدة بيانات للكتاب والمبدعين والمفكرين, والمؤلفات. ووضع بروتوكولات تعاون مع كل من وزارات التربية والتعليم, التعليم العالي, الشباب والرياضة لصورة الحياة الثقافية متمثلة في مسابقات وورش أدبية وفكرية وفنية, ودوري معلومات في المدارس والجامعات ومراكز الشباب. * تخصيص عام للثقافة أو للكتاب أو للقراءة علي غرار عام الشباب, وعام المرأة وهكذا. * وضع خارطة إعلامية للبرامج الثقافية وإذاعتها في أوقات مناسبة. * اهتمام المسئولين بالمبدعين وتكريمهم. * إعطاء وتوفير المزيد من منح التفرغ ولاسيما للشباب. * التركيز علي دور المثقف في الأعمال السينمائية والتليفزيونية وإظهار المثقف والمبدع بشكل لائق. * الاهتمام بالرقابة علي لغة الحوار في الأعمال الدرامية. * تفعيل دور قصور الثقافة, والثقافة الجماهيرية في القري والنجوع. * تسيير قوافل ثقافية وفنية وفكرية إلي الريف والصعيد والأحياء الشعبية. * ضم كل من وزارات الثقافة والسياحة والآثار في وزارة واحدة. * توفير الدعم المادي واللوجستي للنهوض بالثقافة المصرية. * عقد لقاء دوري لوزير الثقافة مع المفكرين والمبدعين لمناقشة الحالة الثقافية والمستجدات وكيفية التعامل معها. * توزيع حقيبة كتب منتقاة علي تلاميذ المدارس مع بداية العام الدراسي. الثقافة الجماهيرية حدد محمد نبيل خطة تفصيلية لتطوير هيئة قصور الثقافة لدفع الثقافة الجماهيرية مشددا علي وجود قيادات شابة تتحمل المسئولية عن وعي وإيمان واقتناع فذكر التحديات والحلول: * غياب قصور وبيوت الثقافة الجماهيرية عن القيام بدور مباشر ومحسوس في قضايا التنمية. * ندرة الدعاية المرتبطة بأنشطة الثقافة الجماهيرية والتسويق لها بشكل جيد. * احتياج الثقافة الجماهيرية لدوام ونجاح العمل واستمراره للكوادر التطوعية. * احتياج الثقافة الجماهيرية من العاملين بها إلي حب وحماس ورغبة صادقة في العمل وإيمان بأن ما يقومون به رسالة أسمي من مجرد أداء وظيفي. * إيمان المؤسسات الرسمية والكيانات المدنية بأهمية رسالة الثقافة الجماهيرية. * تراجع الأداء في إطار المناخ العام السائد لفترات زمنية طويلة سابقة مع تراجع العديد من مؤسسات الدولة عن القيام بأدوارها والاضطلاع بمسئولياتها تجاه فئات الشعب المختلفة. * الصعوبات المادية وندرة تمويل المشروعات الكبري والمسابقات النوعية وحوافز التشجيع للعاملين ورعايتهم. أما المقترحات فتشمل: * جعل شعار الثقافة حياة حقيقة ماثلة * استعادة أهم عناصر القوة الناعمة وهي الثقافة لتأثيرها الإيجابي في تحقيق الأهداف الوطنية للدولة. * بث روح الوطنية والانتماء لمواجهة حروب الجيل الرابع. * تدعيم الإرتقاء بالشخصية المصرية والحفاظ علي الهوية الثقافية التي تتشكل من خلال حضارة سبعة آلاف عام. * تخصيص مساحات ومواقع متميزة بالمجتمعات الجديدة التي تم إنشاؤها بالفعل والمخطط إنشاؤها مستقبلا لإقامة مراكز إشعاع حضاري تابعة للهيئة أسوة بالمواقع المخصصة للمساجد والكنائس والأقسام والمراكز الشباب. * تحقيق العدالة الثقافية ولامركزية الثقافة. * ضافر جهود رموز الثقافة والفن وعلماء الدين والإعلام لصناعة الأمل في عقل ووجدان المصريين. * المشاركة في صياغة الخطاب الديني لاستعادة دور ومكانة الأزهر والكنيسة المصرية في نشر قيم المواطنة من خلال مباديء وتعاليم التسامح الديني وقبول الآخر. * عودة مراكز الثقل الثقافي لمصر عربيا وأفريقيا وإقليميا. يا ثقافة مصر قال الشاعر عبد العزيز عبد الظاهر: إن الحديث الثقافة حديث ذو شجون لا ينفع فيه البكاء علي الأطلال ولا الترحم علي ما فات ولا إلقاء اللوم علي فئة بعينها فالكل متهم والكل مدان. وأضاف قائلا: نعم أخطأنا جميعا في حق وطن له كل هذا العمر في مسيرة البشرية حتي قالوا( أم الدنيا), لقد فقدنا ما اعتقدنا دائما أنه الوضع المستقر والمستتب, فمصر دائما في المقدمة هي الرائد والقائد, هي قاطرة الثقافة والفنون والآداب ليس في المنطقة العربية وحدها بل تتخطي حدود اللغة وتفرض وجودها في بلاد الواق الواق, شرقا وغربا, شمالا وجنوبا, فالأغنية المصرية تتربع علي قمة آذان المستمعين حتي من غير العرب, والفيلم المصري لوحدانيته يطلق عليه الفيلم العربي, وكذلك التليفزيون حين بدأ, أما الكتاب المصري بكل ما يحمله من فنون الأدب والمعرفة, هو الكتاب الذي تسعي إليه الأيادي لكي تقتنيه, وكان المسرح هو الممثل الشرعي للمسرح العربي, أما الشاعر والأديب والفنان فهو محط الأنظار, محاط بهالة من التقدير والاحترام, لم نعد كذلك ولن نعود تلك هي الحقيقة. وأشار إلي أنه لكي يمكن أن نجد لأنفسنا موطء قدم تحت الشمس, أن نعود إلي مكان علي خريطة ابتعدنا كثيرا عن مساحتها, أما ما الذي حدث فهو معلوم للجميع, في غفلة منا نجح المتآمرون فيما خططوا له وسحبوا من تحت أقدامنا البساط, فغيرنا رأي أنه لابد من تغيير القيادة ولابد أن توضع الدفة في يد جديدة حتي ولو كانت أقل منا قدرة ومقدرة بكثير, وتفرقت مفردات الثقافة التي كانت جميعها في أيدينا بين القبائل ولم نعد نملك سوي عبارة( الزمن الجميل), نجحت المؤامرة وابتعدنا عن كل القمم التي جلسنا عليها لعصور. وأكد عبد الظاهر أن نجاح المؤامرة كان في جانب كبير منه سببه نحن, فالبعض منا راح يركض خلف المال ويبعثر في هرولته قيما كثيرة ويضحي بالغالي والنفيس, والبعض منا ابتعد عن الساحة تاركا الفرصة للأقزام يمرحون, أما الدولة المصرية فحدث ولا حرج, خرجت علينا بشعار جديد, نحن بلد حر ولا سلطان للدولة علي المنتج الثقافي إلا ما تنتجه هي, وما تنتجه الدولة لا علاقة له بالفن والثقافة بل بالدعاية والإعلام وبشكل في منتهي السذاجة والركاكة والتخلف, وكل ما قدمته الدولة في هذا المضمار يصب في نهر السبوبة. وأوضح أن المنتج الثقافي يحتاج إلي جناحين لكي يرفرف ويطير وهما الجودة والوفرة وكلاهما أصبح مفتقدا فيما نقدمه للمنطقة الآن, حتي الواقع الذي تعبر عنه ثقافتنا أصبح واقع تصنعه الأخيلة المريضة والتي تقدم مصر بالصورة التي يحب أن يراها أعداؤها, وليس هناك من سبيل سوي صحوة للضمير الذي يحتضر, أن يعود إلي الحياة ضمير المثقف والأديب والفنان والدولة, وإلا فلك الله يا ثقافة مصر. الثقافة.. العدو الذي نخفيه بداخلنا أشار الدكتور صلاح هاشم رئيس الشبكة المصرية للتنمية والحماية الاجتماعية إلي زاوية أخري وهي فكرة العداء للثقافة الذي نخفيه وندعي محبته فقال: إن الدولة المصرية قد ارتأت بعد انتصارها علي العدوان الإسرائيلي عام1973 م أن عدوها الوحيد هو اقتصادها الوطني المتراجع, ولم تنتبه للفكر المتطرف حتي قتل الرئيس السادات فتنبهت وقضت علي الإرهابيين لكنها لم تقض علي فكرهم, حتي جاءت ثورتا يناير و30 يونيو التي كانتا نقطتين فاصلتين لانطلاقه مرة أخري والتي سجل فيها الواقع انتصار الثقافة علي الاقتصاد. وأوضح أن سياسات الانفتاح كرست الثقافة النفعية التي قوامها الاستهلاك والاستسهال والاستهبال في العمل.. وجعلت المنتج الأجنبي ينتصر علي المنتج المحلي,في أول طلعة اقتصادية لسياسات الانفتاح.. استشهدت فيها صناعتنا الوطنية وكانت الكارثة الأكبر تجاهل الدولة لأهمية الثقافة في بناء الإنسان, بل في أنها تري أن هذه الفجوات بين الثقافات تمثل تنوعا ثقافيا محمودا, دون أن يصيبها القلق بأن هذه الفجوات ربما تفضي إلي تعددية ثقافية قميئة; قد تصنع حربا داخلية شرسة بين تلك الثقافات مثل ما حدث بعد25 يناير. وأكد الدكتور صلاح هاشم أن الدولة لم تنتبه إلي أن قوتها الحقيقية في ثقافة شعبها.. وأن بقاءها مرتبط بتحضر مواطنيها وليس بانحطاطهم.. وأن الثقافة وحدها قادرة علي أن تحول المجتمع إلي فردوس.. وهي وحدها القادرة علي تحويله إلي جحيم.. فالثقافة ليست مفهوما انعزاليا ولا إقصائيا, ولا يمكن أن يغرد أصحابها بشكل منفرد.. وإنما هي مفهوم اشتباكي يرتبط بثقافة العمل والإنتاج, والتعليم والتعلم, وتعامل الإنسان مع أخيه الإنسان, ومع المجتمع الذي يعيش فيه, وفي علاقته بالدولة التي تحكمه, وبالعالم الخارجي الذي يستهدف كلاهما التأثير في الآخر.. وأوضح الدكتور صلاح هاشم أننا لن نخرج أبدا من كبواتنا الاقتصادية ولا الاجتماعية دون أن نتفق علي هوية ثقافية نهضوية واحدة.. نحدد جميعا مرجعيتها.. كما نحدد آليات نقلها إلي المجتمع, ثقافة لا تجعل شيوخ الزوايا يحددون أينا يذهب إلي الجنة وأينا يذهب إلي الجحيم.. ثقافة تتجذر في مناهج التعليم بشتي مراحله, وفي خطب المساجد والكنائس,وفي مقالاتنا الصحفية, وفي آدابنا المختلفة من مسرح وسينما وتلفزيون.. وفي الرواية والقصة والشعر والرسم.. وما يبث علي مسامع المواطنين من برامج موجهة نحو صناعة الإنسان المصري الذي نستهدفه.. وأوضح أن صناعة الثقافة التي نرجوها لا يجب أن تكون حكرا علي مؤسسة بعينها, ولا يجب أن يؤسس لها ويرسمها شخص واحد بعينه.. بل يجب أن تكون رؤية عامة للدولة المصرية, تلتزم بتنفيذها كل مؤسسات الدولة.. وتكون وزارة الثقافة هي المؤسسة المسئولة عن متابعة تنفيذ تلك الرؤية, مما يستوجب عليها التشبيك مع باقي مؤسسات الدولة, والاشتباك مع كل السياسات والخطط والبرامج والمناهج; للتأكد من تجذر الثقافة التي نرجوها في كل أعمال تلك المؤسسات.. ونبه إلي أن الدولة لا يجب أن تترك الإعلام طليقا, بشكل وعي المواطنين وثقافتهم, حسب ما يري كل إعلامي او مالك فضائية أو حتي كل مسئول.. بل لا بد أن تكون برامجنا موجهة نحو صناعة المواطن الذي نرجوه.. بدءا من اختيار الكلمات التي تلقي علي مسامعه, ومرورا بنوعية البرامج التي يشاهدها, وانتهاء بجودة الأفكار التي تطرح عليه.. ليس ذلك فحسب, بل يجب علي الإعلام أن يتكامل معا لأسرة والمدرسة والمسجد والمصنع والنادي, في رسم صورة وشخصية المواطن المصري, من خلال تصويب اللهجة مع الاحتفاظ بحق التنوع, والاعتناء طريقة المشي وأسلوب التعبير, وخصوصية الزي الذي يرتديه.. حتي نفخر يوما بأننا لدينا مواطنون برتبة أمراء.. وربما أمراء برتبة مواطنين..! مطلوب صياغة واعية أشار الشاعر عبد الحافظ متولي مدير عام النشر بوزارة الثقافة إلي بعد آخر فقال يخيل إلي أن تطورنا الثقافي ينبع من فهمنا لواقعنا الراهن والظروف الدولية المحيطة به, لأننا نتطور حينما نضع الإجابات الصحيحة علي الأسئلة التي يطرحها الواقع نفسه, وبالتالي فإن مهمة الثقافة الحقيقية بمؤسساتها المختلفة هي إيجاد الرؤية الثقافية المعبرة عن الواقع في تاريخه السالف وشكله الراهن وإمكانات مستقبله فلا قيمة للثقافة إذا لم تستطع تفعيل هذا الدور في ظل التحولات الثورية الراهنة. وأكد متولي أن التاريخ سوف يحاكمنا علي منطق النقل الثقافي الذي لم يضف شيئا كثيرا للحياة الثقافية, ومنطق التفريط في القيم الثقافية الحقيقية, وهذا النقل الجامد والمتردي فتح الباب لظهور الفكر المتطرف والعنيف الذي حاول أن يبتلع الأمة فلفظته سريعا قبل أن يصب في قاعها, بالإضافة إلي غياب العدالة الاجتماعية وقصور التنمية وإهمال الطبقات الفقيرة والعشوائيات وحرمانها من أبسط أشكال الثقافة, وغياب قيم التسامح والحوار والعقلانية ورسوخ أقدام الخرافة وتراجع خطاب الإصلاح الديني, سوف يحاكمنا التاريخ أيضا علي قتل فرج فودة ونفي نصر حامد أبو زيد وتراجع الجماعة الثقافية أمام تيارات الفكر المتطرف فسمحت لها أن تطفو علي السطح إلي أن تتصدر المشهد دون مواجهتها فكريا وكشف مطامعها الغازية. وأشار إلي أن هناك أمرين رئيسين ينبغي الاتفاق حولهما, الأول هو الإقرار بوجود قوي ثقافية خارجية تستهدف ثقافتنا بشكل مباشر تستطيع أن تحقق غاياتها عندما تتوافر لها الظروف المناسبة قالثقافة المحمولة عبر القنوات الفضائية والأقمار الصناعية والإنترنت والميديا بشكل عام لا تستوطن إلا المناطق المتصحرة ثقافيا, وتلك التي تعاني البؤس والإملاق الحضاري. وأضاف أن الأمر الثاني هو أن نقر بأن الثقافة القومية تعني صياغة الانتماء لكل إنسان في المجتمع من خلال تبصيره بأدواره الاجتماعية وممارسته لشعائره الدينية والأخلاقية ومسئولياته تجاه المجتمع واستيعابه الفعال للعرف والمقدرات والعادات وكل ضروب الإبداع الفني من حيث هو عضو في المجتمع, وعلي هذا تصبح الثقافة القومية هي إبداع الإنسان الفعال في المجتمع وكلما اتسع التصحريون أفراد المجتمع والمؤسسات المنوط بها خلق الثقافة تعطلت الفاعلية الإنتاجية, وكانت الثقافة القومية ضعيفة في بنيتها وتحصيناتها, وكانت ضيقة في آفاقها لأنه لا انفصام ولا قطيعة بين ما هو ثقافي وما هو اجتماعي ولا يمكن الفصل بينهما لأنهما تجريدان مختلفان لوجود واقعي واحد.