بينما يجلس شباب من الطلاب علي المقاهي ليلا, وغيرهم من الخريجين نهارا وليلا, وغيرهم ممن يأخذون المصروف من بابا وماما في النوادي الليلية دون منبه يوقظهم علي عمل جاد صباح اليوم التالي, وغيرهم ممن يعلقون فشلهم علي شماعة الفقر جائلين بين إشارات المرور والمساجد والنوادي يتسولون حسنة ممزوجة بالشفقة, وغيرهم من الشباب الذين لا يبذلون أي مجهود في سبيل تأمين مستقبلهم الذي يبدأ بالعمل.. هناك شعاع من النور يكمن في شباب صنعوا مشروعات صغيرة آيلة للكبر في إعلان واضح للتمرد علي البطالة. أصحاب مؤهلات عليا, وطلاب وفئات توضع تحت تصنيف الشباب وقفوا أمام البطالة والفشل بأقل الإمكانات التي وظفوها في بناء مشروعات صغيرة, منهم من فعلها منفردا, ومنهم من تشاركوا في التحدي, والناتج بذرة رجل أعمال عصامي يبدأ بخطوة في مشوار بالإصرار ربما يقل عن الألف ميل. في رسالة من الأهرام المسائي إلي شباب الوطن الحالمين بمستقبل مشرق, والباحثين عن مجد يصنعونه, تم رصد خمسة مشروعات من الصغيرة التي بدأها شباب في مقتبل العمر, صانعين كيانات خاصة بهم, وما تم رصده هو مجرد بعض من كل; فكما هناك الجانب السلبي الجالس فوق مقاعد المقاهي والساهر داخل أروقة النوادي الليلية, هناك جانب إيجابي طموح يسخر وقته في صناعة مستقبل يليق بما يبذله من مجهود وإصرار وعزيمة. المحامي الصنايعي.. من صبي في ورشة إلي صاحب مصنع عز الدين: رأس مالي125 جنيها.. والتوسع في الطريق حرفة امتلكها بالمهارة والعمل منذ الصغر, وإرادة امتلكها بالصبر والطموح, وجهد بذله في سبيل تحقيق الذات وبناء كيان يفخر به.. هكذا صنع عز الدين مصطفي مصنعه بإحدي غرف بيته في منطقة الإمام الشافعي بمصر القديمة, والذي أصبح منتجا للمحفظات المصنوعة من الجلود. كنت شغال في ورشة تصنيع محفظات وأنا في ثانوي.. أوضح عز الدين أن بداية عمله في الجلود كانت سعيا لتوفير المال مع أهله ورفع عبء مصروفه الشخصي عنهم, لكنه ترك العمل مع انغماسه في التعليم الجامعي بكلية الحقوق التي رسب في عامه الأول بها بسبب تسخير وقته كله للعمل. وأشار عز إلي أن التوفيق بين العمل والدراسة كان مسعي عجز عن تحقيقه أثناء الورشة التي رفض صاحبها أن يسمح له بقضاء الوقت في التعليم, وهو ما أثار استفزازه ليخلق مشروعا خاصا به بدأ ب50 قدما من جلد الخراف أتي بها من مدابغ سور مجري العيون, وأنتج منها40 محفظة. لفيت بنفسي علي البياعين في طنطا وإسكندرية ومحافظات تانية عشان أبيع بضاعتي.. سرد عز حكاياته مع البضائع التي بدأ بها مشواره في الإنتاج, وهو ما كلفه مجهودا ومالا بشكل كبير, إلا أنه لم ييأس, فبعد أن كان يشتري50 قدما أصبح يفوق ال500, وبعد أن كان يصنع يدويا أصبح يمتلك ماكينات, وبعد أن كان يبحث عن زبائنه أصبح مقصدا لهم. لم يهمل عز دراسته ومجالها, فهو الآن في صدد التخرج في كلية الحقوق, ويتدرب في أحد مكاتب المحاماة, وهو ما جعله ينال مراده بالتوفيق بين الدراسة والعمل الذي قارب علي إنشاء مقرا له خارج الغرفة التي تقع في منزله, كما يقترب من جلب عمالة بعد أن كانت مقتصرة علي أخيه الصغير وبعض أقاربه, علاوة علي تجرؤه علي التعامل مع بعض باعة العتبة في القاهرة التي وصفها بالشبه مستحيلة. وعن رأس المال الذي بدأ به عز مشروعه منذ نحو خمسة أعوام قال عز إن القدم كان مقدرا بجنيهين ونصف الجنيه, أي أن رأس ماله وقتها لم يبلغ ال125 جنيها, أنتج بها40 محفظة باع الواحدة منها بسبعة جنيهات آنذاك; ليصل إيراده الأول إلي210 جنيهات, ومنه إلي التوسع حتي كبر المشروع. حكاية البالة بين المصنع وغرفة النوم محمد مجدي: شغال في بيتي ورأس مالي2000 جنيه حجرتي بقت عبارة عن مرتبة بنام عليها ومخزن هو باب رزقي.. بشيء من الفخر بدأ الطالب بكلية الحقوق محمد مجدي حديثه عن المشروع الذي فتحه قبل سبعة شهور, موضحا أنه يشتري المناديل من المصانع في بالات, ثم يقطعها ويبيعها لالكافيهات والمطاعم وأصحاب الحفلات وبعض البيوت في حلوان والمعادي. وقال مجدي إن أول كمية اشتراها كانت60 كيلو, مشيرا إلي أن أسرته ساندته منذ البداية; فوالدي عطاني2000 جنيه وقال لي لو كسبتهم تاني هقف معاك في المشروع, وهو ما تم بالفعل, وأوضح ابن ال21 عاما أن غرفته- المخزن- تحتوي علي ميزان, وماكينة سحب وتقطيع. وحول التوسع قال الشاب إنه قد قام بعرض شقة كتبها والده باسمه للبيع, لافتا إلي أنه فور بيعها سيشتري شقة أصغر بسعر أقل, مع دفع الفارق المالي في خدمة المشروع من توفير مقر مخزن, وجلب عمالة; حتي يتمكن من إنجاز الأوراق الرسمية كافة من سجل تجاري وتأمين علي عمالته وشتي التراخيص المطلوبة. ماكنتش ببص للمكسب في الأول.. أكد مجدي أن هدفه الأساس في بداية المشروع هو الانتشار في السوق وأخذ شهرة تجعله يبيع بشكل جيد; حتي أنه كان يبيع بأرخص الأسعار, ومازال حتي الآن, كما أنه لديه بضاعة مصنفة فرز ثاني بسعر أقل, ملمحا إلي أن فكرة المشروع جاءته عبر سيدة كانت تعمل في المجال ذاته, لكنه بعد ذلك تفوقت عليها. ولفت صاحب المشروع إلي أنه يستورد منتجات من اليابان عن طريق زوج أخته, موضحا أنه يتفق مع الشركات اليابانية التي تقوم بدورها في نقل المنتجات إلي الصين, ومنها إلي أسوان إلي القاهرة عبر السوبر جيت لأستلمها من شركة الشحن. مكسبي حاليا لا يقل عن1500 جنيه في الشهر.. بوجه بدت عليه معالم الرضا تحدث مجدي عن مكسبه الشهري, ممنيا النفس بمكاسب أكبر خلال الفترة المقبلة, خاصة بعد أن يصبح لديه رأس مال واضح, علاوة علي مقر وعمالة تعمل علي توسيع النشاط حتي يصل إلي الفويل والإسترتش والعلب وينتج ما يجعله يتواجد بقوة حتي لا تقتصر الغرفة علي المرتبة اللي بنام عليها. مطعم الفولكس.. تيك أواي للجميع في ميكروباص نادي الصيد كنت قاعد مع صحابي علي القهوة وقررت أعمل مشروع.. من داخل سيارته الفولكس تحدث كمال عبد الحليم عن مشروعه, فواحد كان عاوز يشتري ميكروباص وأنا كنت عاوز أفتح مطعم فضمينا الفكرتين علي بعض, مضيفا أن أول يوم عمل بهذا الميكروباص المطعم كان الثالث من رمضان الماضي, فالبداية كانت السحور والحمد لله ربنا كرمنا. في تفرعة من شارع محيي الدين أبو العز, وأمام البوابة الرئيسة لنادي الصيد, تجد الميكروباص ال12 راكب فاتحة سقفها, باحتوائها علي عدة مطبخ شاملة ومجهزة لاستقبال الزبائن الباحثين عن إشباع جوعهم بالسندوتشات والمشاوي.. يتوسط هذا المطعم المتنقل شاب سخر مجهوده في خدمة مشروعه الذي أقامه تمردا علي البطالة. وأوضح كمال أنه اختار الدقي مقرا له لعدة عوامل, فالناس هنا محترمين والإيجار مش غالي أوي, مشيرا إلي أن الاتفاق كان مع صاحب الأرض علي دفع إيجار مناسب في هذه البقعة المقابلة للبوابة الرئيسة لنادي الصيد. أنا معايا بكالوريوس تجارة.. قالها الشاب الثلاثيني لافتا إلي أن العمل بهذا المؤهل لا يكفيه لفتح البيت, خاصة أن لديه طفلة, وينتظر الأخري; لذا وجب عليه فتح مشروع خاص, وأعرب عن رضائه عن الحالة التي يمر بها, فالحمدلله اتعرفنا والناس بقوا بيجولنا علي طول. ويطمح كمال إلي فتح محلا كبيرا خلال الشهور الأربعة المقبلة, مردفا أنه إذا تحقق ذلك سيجعل هذا الميكروباص هو الوجهة التي يطل بها المحل علي الشارع, ممنيا النفس أن يأخذ من شارع فيصل مقرا; نظرا لأنه من أبناء الشارع, وهو الذي عجز عن فتح المشروع به بسبب ارتفاع سعر الإيجار به. وحول الأوراق الرسمية, قال عبد الحليم إن رخصة السيارة الفولكس قد تم الانتهاء منها بالفعل, مشيرا إلي أن التراخيص كمطعم متنقل ماشية بشكل كويس, مؤكدا اقتراب استخراجها بشكل رسمي. وأثناء تحضيره لساندوتش برجر لضيفه, دعا كمال شباب الوطن إلي التفكير جديا في إنشاء المشروعات الصغيرة حتي لو كل10 يعملوا مشروع مع بعض, مؤكدا أنه حال تنفيذ ذلك كل الشباب هيشتغلوا ومش هيقعدوا علي القهاوي. رحلة غريب من الفاترينة إلي المركز ليس شرطا أن تقضي أربع سنوات في كلية الحاسبات والمعلومات حتي تعمل في صيانة الإلكترونيات, ولا أن تمتلك شهادة من أحد الكورسات حتي تتميز.. يمكنك أن تستغل حرفة اكتسبتها بالممارسة بالإضافة إلي طموح وجهد مثمر في بناء مشروع لصيانة الهواتف المحمولة.. محمد غريب ابن ال25 عاما خريج كلية العلوم الإدارية استغل عمله في صيانة الهواتف منذ أن كان طفلا في الثانية عشرة من عمره في بناء كيان خاص به في المجال الذي عمل به منذ الصغر. بدأت بفاترينة صغيرة بعد كده فتحت المحل ده.. روي محمد غريب رحلته إلي المشروع الذي أقامه في مركز التبين جنوبي القاهرة, موضحا أنه كان يعمل منذ الطفولة في سنترال تعرف فيه علي كيفية صيانة الهواتف المحمولة, ثم مارسها بنفسه حتي جمع رأس مال أقام من خلاله فاترينة لا تتعدي مساحتها2 متر, والتي ساعدته في التوسع وفتح المشروع الكائن حاليا في محل علي كورنيش النيل. وقال غريب إن فرصا أتيحت له للعمل في أحد مراكز الصيانة الكبري, لكنه رفض لرغبته في التوسع بمشروعه الخاص, الذي يطمح إلي منافسة تلك المراكز الكبري في المستقبل بكيانه الذي أسسه بالجهد والعمل الجاد, لافتا إلي أن أهله لم يعترضوا طريقه في هذا العمل رغم أنه لا علاقة له بمجال دراسته. أنا متجوز ومستني طفل في الطريق.. بابتسامة واضحة عبر غريب عن تطلعه إلي جلب المزيد من الربح رغم أن دخله الحالي مرضي تماما, لكن رعاية طفل تحتاج إلي المزيد, متوقعا أن يمر بفترة صعبة ستبطئ خطواته نحو التقدم في التوسع, لكنه أعلن العزم علي مواجهة أي صعوبات تقف أمامه حتي يصنع مجدا يعتز به طفله القادم إلي الدنيا. ودعا غريب الشباب إلي الصمود أمام شبح البطالة بالبحث عن النور داخل كل المجالات حتي وإن خالفت مجال دراستهم, مؤكدا أن انتظار فرصة العمل حتي تأتي لا يصنع رجلا قادرا علي البناء والإنتاج, مستشهدا بنفسه كنموذج واجه البطالة وبحث عن ثقب إبرة يعبر من خلاله إلي المستقبل المضيء. متر في متر.. كافيه محمول ودخان ممنوع أصحاب سبرتاية مهندس وطالب.. والفروع حلم مشروع المشروع ده فكرة مهندس صاحبي ونفذناه مع بعض.. بصدر رحب تحدث أحمد سمير عن كشك سبرتاية الذي أسسه برفقة صديقه عبد الرحمن أبو شهبة بمدينة الشيخ زايد منذ شهرين, مشيرا إلي أن الهدفين الرئيسين من المشروع هما: قضاء الوقت في عمل منتج, وتحصيل الرزق. تراه نهارا في الطريق كقطعة حلوي صغيرة موضوعة في صحن كبير, فأمامه طريق يتخطي عرضه العشرين مترا, وخلفه ساحة انتظار قلما تدخلها السيارات, وعلي يمينه ويساره فضاء لا يشغله إلا بعض المارة, وتراه ليلا كمنارة في عرض بحر في الظلام, فمساحته متر في متر وارتفاعه لا يزيد علي ثلاثة أمتار, ويزينه اسمه المكتوب بين اللمبات. مشروع صغير نموذجي لكل من يتطلع إلي خلق فرصة للكسب وتحقيق الذات.. هذا هو سبرتاية. بإشارة إلي قصريات الزرع المزينة له من الخارج قال أحمد: إن هذا الكشك من تصميم صديقه المهندس, لافتا إلي أن الإجراءات الرسمية كافة قد تم الانتهاء منها, فأخدنا تصريح ممارسة كهرباء من الحي, بالإضافة إلي التصاريح التي أخدناها بصعوبة. بنعمل قهوة وشاي وكل المشروبات الساخنة.. استعرض الشاب العشريني طبيعة مشروعه الذي يحلم بفتح فروع أخري له مستقبلا, وأشار إلي أن المعضلة الأساسة التي تواجهه هي عدم شهرة المشروع بشكل كاف حتي الآن, فواحد جه سألني علي سجاير وواحد تاني عن كروت شحن, وهو ما يعبر عن عدم معرفة الكثير بطبيعة السبرتاية. وتحدث أحمد عن نفسه موضحا أنه طالب في كلية إدارة الأعمال, كما أشار إلي أن هذا المتر في متر يحقق له ما يكسبه الرضا, وكان لافتا وجود سلة مهملات إلي جوار الكشك حتي لا يتيح فرصة للإلقاء بالقمامة أرضا. بنفتح بالليل بس عشان نعرف نشغل كهرباء.. بإشارة إلي السلك الموصل بعمود الإنارة برر الشاب غلق الكشك نهارا, متمنيا إمكان فتحه نهارا فيما بعد; ليحقق هذا المشروع الصغير أكثر ما يمكن إنجازه, حتي نفتح فروع تانية ونتوسع بعد كده إن شاء الله.