أنا فتاة في الرابعة والعشرين من عمري, تخرجت في كلية التربية ولم أجد بعد فرصة عمل في المحافظة التي أقيم بها, مشكلتي بدأت منذ كان عمري عاما واحدا حين توفي والدي وعشت بعدها خمس سنوات مع أمي أكاد لا أتذكر منها شيئا حتي تزوجت من آخر وانتقلت أنا إلي بيت خالي الذي تولي تربيتي وأنا في السادسة من عمري. سارت حياتي عادية حسبما أتذكر حتي بلغت سن الصبا, وبدأت ألاحظ أنني لا أتمتع بجمال لافت مثل بعض صديقاتي لكنني لم التفت للأمر لكن مع مرور السنوات بدأت أسمع تلميحات من المحيطين بأنني غير جميلة, وكان من هؤلاء خالي وحتي والدتي التي كنت ألقاها في مناسبات كثيرة إذ قالت لي ذات مرة أنا مش عارفة انتي مش طالعة شبه إخواتك ليه, وأذكر بعدها أنني عدت إلي المنزل وأخرجت صوري وصور شقيقاتي من والدتي وظللت طوال الليل أعقد المقارنات بين ملامحي وملامحهن حتي أتوصل إلي العيب الذي يجعلني أبدو دميمة, وأقنعت نفسي في النهاية بأنني لست دميمة. لكن مرت سنوات أخري أنهيت فيها دراستي الجامعية لم يتقرب لي خلالها زميل واحد, فأيقنت أنني بالفعل دميمة ووجدتني أبتعد عن الناس بل وأخجل من لقائهم حتي لا أؤذي أبصارهم بشكلي الدميم, ولم أعد حريصة علي البحث عن فرصة عمل حتي لا أواجه بمزيد من الرفض سيدتي: ربما تبدو مشكلتي هينة في أعين الكثيرين, خاصة أنني أتمتع بصحة جيدة أحمد الله عليها كثيرا, لكنني أعيش في مجتمع أصبح ينظر إلي سنوات عمري الأربع والعشرين كأنها عار, ولا يخفي الجميع إحساسهم نحوي بالشفقة بعد أن تزوجت بنات خالي اللاتي يصغرنني وتزوجت معظم صديقاتي أيضا أو علي الأقل ارتبطن رسميا, وأنا لا أبحث عن الزواج فهو رزق من السماء سيرزقني به الله وقتما يشاء, لكنني أعاني من فقدان الثقة بالنفس والخجل الشديد والخوف من مواجهة الآخرين, وأخشي أن يؤدي ذلك لانعزالي وانطوائي الذي بدأ بالفعل, وأشعر أنه ليس بيدي حل مشكلتي, فهل لديك حل؟ عزيزتي الوردة اليانعة: أسعدني أنك تتمتعين بصحة جيدة وعقل سليم ساعدك علي إنهاء كل مراحل تعليمك حتي أصبحتي جاهزة للحصول علي عمل لكن أزعجني تقاعسك عن إيجاد عمل تتواصلين من خلاله مع العالم من حولك لأنك استسلمتي لانتقادات الأهل والأقارب تاركة لهم صلصال رؤيتك لذاتك ليعبثوا به كيفما يحلو لهم بل تاركة نفسك مرآة يمارسون فيها قبحهم فيرونه ثم يصفونه.. أتفهم صعوبة نشأتك بلا أب وبعيدة عن الأم التي انفصلت عنك لتتزوج, وأدرك التحدي الذي تواجهينه في محاولة التقرب إلي نفسك علي استحياء, ولا ألومك يا ابنتي إن فشلتي في رؤية نفسك وملامحك إلا كما وصفوها مرة تلو الأخري, لكني أثق في سلامة عقلك الذي بالتأكيد يدرك أن الجمال نسبي ويختلف من زمن لآخر ففي الزمن القديم كانت المرأة الأكثر جمالا هي من تنعم بالصحة والقدرة علي الإنجاب لتعزز القبيلة, وهو نوع من الجمال تتمتعين به حسب وصفك لصحتك الجسدية, لم ترسلي صورتك ولم يسعدني الحظ بلقائك حتي أتمكن من إطراء حسنك وحسن طباعك لكن لا أظن أن مشكلتك الحقيقية تتعلق في المقام الأول بشكلك وملامحك بل أظن أن كل موازين حياتك قد تمت شقلبتها رأسا علي عقب وقد منعك أدبك والبروتوكولات الاجتماعية من التصدي لما تعرضتي له من إحراج, وأظن أنه قد حان الوقت لوقفة قوية أمام كم المخلفات النفسية التي سمحتي بإلقائها عليك جزافا من أقاربك. لا أدري إذا كان هناك شيء ما يميز ملامحك أو إن كان شيء آخر يقلل من جاذبيتها, وهل يمكن تحسين عيوب وجهك عن طريق ضبط طريقة تصفيف شعرك مثلا أو استخدام المساحيق بشكل محترف أو إجراء تعديل جذري إذا لزم الأمر عن طريق جراحة التجميل وبعد مراجعة طبيب نفسي متخصص لتقييم الحالة؟ لكن ربما كان لا ينقصك من الجمال شيء لكنك فقط فقدتي قدرتك علي الإبصار من جراء الأذي المبين الذي تعرضتين له لذلك أري أن علي والدتك زيارة الطبيب النفسي معك لتبرأ من أسلوبها الممرض لك ولتساندك في محاولة الاستشفاء بعيدا عن مقارناتها المدمرة لك بل تسعي مثل أي أم لإبراز جمال ابنتها أمام الآخرين, واعلمي يا ابنتي أنك من تفرضين علي الآخرين كيف يرونك وأنك مازلت صغيرة قابلة لإعادة التشكيل وجاهزة لأن تشحذي سحرك لتجذبي من شئتي من الفرسان لكن لن يقترب منهم أحد نحو أنثي تصدر أنها دميمة فتوقفي عن نعت نفسك بهذه الأفكار الضالة حتي يراك الآخرون جميلة.