يعرف أهالي دمياط أربعة قصور للثقافة ويعاني الشارع الدمياطي من تردي خدماتها في كل من مدينة دمياط وفارسكور وكفر سعد ودمياط الجديدة بالإضافة إلي بيتين للثقافة بمدينتي الزرقا والسرو ومكتبات فرعية بقري ميت الخولي وكفر المياسرة وشرباص والروضة والعبيدية والبصرطة وعزبة البرج وكفرالوسطاني والركابية وكفر الغاب وميت أبو غالب والمحمدية وكلها تعمل بكامل طاقتها كمرافق ولكنها جميعها عاجزة عن أداء أي دور إيجابي في مجال التصدي للفكر المتطرف والإرهاب لأنها جميعها تعاني من الفقر الشديد في الكوادر الثقافية القادرة علي الحركة والفعل الثقافي.. ويقول محمد عبد المنعم إبراهيم وكيل وزارة الثقافة الأسبق ورئيس إقليم شرق الدلتا الثقافي السابق والذي كان يوما ما مديرا لفرع ثقافة دمياط عقب أحداث يناير2011 خرج الكثير من القيادات السابقة للمعاش وفشلت الإدارات المتعاقبة علي الهيئة العامة لقصور الثقافة في استنباط جيل جديد من القيادات تستلم الراية وتتواصل الأجيال فحدثت هوة كبيرة وفراغ كبير في القيادات المدربة القادرة علي تولي مسئولية العمل سواء في الإدارات المركزية أو في الأقاليم والفروع.. وقال: كيف لعمل يقوده فاقدي الموهبة القدرة أن يصمد في مواجهة ما تم من فراغ فكري وثقافي لم يشغله سوي أصحاب الفكر الديني المتطرف بمختلف أنواعه وصرنا نجد من بين العاملين في كثير من الفروع من يري أن الموسيقي والمسرح والفن التشكيلي حرام واقتصر نشاطه علي تقديم بعض المحاضرات والندوات ذات الطابع الديني المتطرف في أغلب الأحوال.. ويضيف عبد المنعم, المجتمع الثقافي الدمياطي يشعر أن مسئولي وزارة الثقافة غير مدركين لأهمية قصور الثقافة فتركوها بلا إستراتيجية واضحة وبدون تخطيط حقيقي لمكافحة الفكر المتطرف بالفكر المستنير وأصبحت الهيئة الفترة الأخيرة, بلا رئيس دائم مستقر وتعاقب علي رئاستها خلال عامين أكثر من سبعة رؤساء وآخرهم الحالي قائم بالعمل وسيخرج للمعاش بعد شهور قليلة.. فغابت الرؤي مما أدي إلي إغلاق المكتبات الفرعية بمدينة عزبة البرج وقري كفر الوسطاني وكفر الغاب والمحمدية وكلها مكتبات بها عهد وكتب وأرفف ولا يوجد بها عمالة تتولي فتحها وإدارتها سواء بالتعيين أو الندب.. ويستطرد محمد عبد المنعم فيقول: تأتي الأنشطة الفنية من قبيل سد الخانة وصرف الميزانية المعتمدة في أنشطة وهمية أو ورقية أو في الأغلب الأعم علي أنشطة محدودة الفاعلية ولا مردود ثقافي لها فكثيرا ما أقيمت المحاضرات والندوات للكراسي الفارغة في غيبة الجمهور المعني بها وكثيرا ما تقدم العروض المسرحية التي ينفق عليها الآلاف لمسرح بلا جمهور علي الإطلاق أو في أحسن الأحوال لا يحضرها إلا عدد قليل من العاملين بالقصر نفسه ذلك في الوقت الذي تعاني الهيئة معاناة شديدة من خلل في هيكلها الوظيفي وأيضا في هيكلها المالي فرغم الزيادة الكبيرة في ميزانية الهيئة وتضاعفها عدة مرات إلا أن النسبة الأكبر في الإنفاق تتجه إلي الأجور والمكافآت والحوافز بينما تقلصت ميزانية الأنشطة بنسبة كبيرة.. ويقول الشاعر المعروف عيد صالح- طبيب بشري وعضو نادي الأدب بقصر ثقافة دمياط- أن المشكلة في قصور الثقافة نفسها وفي المثقفين والأدباء الذين يحتاجون فعليا حسب كلامه- إلي مواجهة أفكارهم المتضاربة علي الجانبين.. إن بعضهم مارقون أو متطرفون بالنسبة للكتابة وينفون بعضهم البعض ولا يعترفون بتنوع الإبداع فشاعر القصيدة العمودية يرفض شاعر قصيدة التفعيلة والاثنان يرفضان شاع قصيدة النثر فكيف يتوحدون لمواجهة الفكر المتطرف.. وهما أصلا متطرفون فيما بينهم, ويضيف أن قصور الثقافة للأسف الشديد- قاصرة عن الحشد وعن الوصول للجماهير فالأمسيات والفعاليات حتي المسرحيات لا يحضرها إلا أهالي وأصدقاء المبدعين.. وقال: أصبحت قصور الثقافة أشبه بدائرة عموم مكتظة بالموظفين الذين يثرثرون أو يتصارعون علي الكراسي الإدارية ناهيك عن منظري المبدعين الموظفين بالهيئة وشللهم ومؤتمراتهم الإقليمية والعامة وحصصهم التموينية وتلال البحوث التي تتراكم في المخازن منذ الحرب علي الإرهاب في التسعينات ومنظري التنوير لا يقدمون جديد. أما القاص صلاح مصباح- عضو مجلس الشوري الأسبق وعضو نادي الأدب- فيقول:قصور الثقافة بعيدة كل البعد عن العمل المنظم في مواجهة الإرهاب والتطرف وعلي الجانب الآخر لا تقوم بدورها في فتح المجال أمام جموع الشباب لممارسة واكتشاف الموهوبين منهم.. وأصبح قصر الثقافة عبارة عن أحد دواوين البيروقراطية ويديره مجموعة من الموظفين غير مؤهلين وغير مدركين لرسالة العمل الثقافي وأهميته في نشر الوعي.. وما يحدث في الواقع هو تسديد خانات لأنشطة محدودة التأثير وأصبح التنسيق بين قصر الثقافة وطلاب المدارس شبه معدوم وشكلي.. حتي مكتبة القصر غير جاذبة لمحبي القراءة وأيضا فقيرة من أي إصدارات ثقافية أو إبداعية أو فكرية جديدة وأكد مصباح أنه يوجد قصور شديد من قبل الثقافة الجماهيرية في التصدي لظاهرة الإرهاب ومواجهة الفكر المتطرف.. بدعاوي واهية أبرزها حرية الفكر والتعبير.. الثقافة الجماهيرية أصبحت حاليا تعتمد علي الكم أكثر من المضمون كما أن فرق الثقافة بل وقادة هذه الفرق في إدارات الثقافة الجماهيرية يقف معظمهم موقفا سلبيا تجاه قضايا الدولة الملحة وأهمها إعادة بناء الشخصية المصرية ومواجهة الفكر المتطرف.. يجب إعادة النظر مرة أخري لفرق الثقافة الجماهيرية وما يسمي نوادي المسرح بها.. يجب تنقية البيت من الداخل أولا والاهتمام بنوعية العروض لا بعددها.. يجب إعادة هيكلة هذه الفرق والإدارات المسؤولة عنها.. هل تعلم أن معظم فرق الثقافة لا تحد مسارح تقدم عليها عروضها بسبب مخالفة دور العرض لشروط الأمن والسلامة من جهة وسوء التجهيزات والتقنيات المتاحة بهذه الدور بل وعدم الاهتمام حتي بنظافتها.. يجب وضع إستراتيجية ومنهج واضح ومحدد يلتزم به الجميع عند إنتاج الأعمال الفنية ولا يترك الأمر هكذا.. هذه أموال الدولة ويجب أن تصرف في ما هي مخصصة له وإلا فان هذا يعتبر هدرا للمال العام.. لا أنكر انه وسط هذه السلبيات هناك بعض التجارب الناجحة والتي تسير نحو الاتجاه الصحيح ولكنها محدودة للغاية.. وعلي الجانب الآخر يقول رأفت سرحان وكيل وزارة الاستثمار بدمياط السابق والمخرج المسرحي بهيئة قصور الثقافة يوجد قصور شديد من قبل الثقافة الجماهيرية في التصدي لظاهرة الإرهاب ومواجهة الفكر المتطرف بدعاوي واهية أبرزها حرية الفكر والتعبير.. فالثقافة الجماهيرية أصبحت حاليا تعتمد علي الكم أكثر من المضمون كما أن فرق الثقافة بل وقادة هذه الفرق في إدارات الثقافة الجماهيرية يقف معظمهم موقفا سلبيا تجاه قضايا الدولة الملحة وأهمها إعادة بناء الشخصية المصرية ومواجهة الفكر المتطرف.. ويجب إعادة النظر مرة أخري لفرق الثقافة الجماهيرية وما يسمي نوادي المسرح بها.. يجب تنقية البيت من الداخل أولا والاهتمام بنوعية العروض لا بعددها. أما سمير الفيل- الكاتب والروائي والحائز علي جائزة الدولة التشجيعية في القصة القصيرة لهذا العام- فيري أن البرامج التي توضع لمكافحة التطرف والإرهاب شكلية, ومن الضروري أن يتم التنسيق مع المدارس الثانوية ومراكز الشباب وغيرها. أتذكر تجربتين ناجحتين شاركت فيهما: الأولي حين احتفلنا بحرب أكتوبر في مقهي شعبي بميت الخولي عبدالله, والثانية حين قدمنا تجارب طليعية في مسرح الشارع بفارسكور. وقال: المسألة هي أن كل تجربة فنية تحتاج إلي سند جماهيري ودعم رسمي من مديري الثقافة أيضا من المحليات كي يمكن التصدي لخطاب التطرف والنكوص والتشدد الديني الذي يعمل بقوة خارج إطار الزمن. إنه خطاب يقتنص الشاردين ويداعب أحلام المترددين, فيدخلهم خيمته, ويمدهم بسلاح الفكر المتشدد والمقولات التراثية الخادعة لإزاحة المختلف وربما خنقه بالمعني المادي للكلمة.