قوة الكوابيس فيلم تسجيلي إخراج الانجليزي آدم كيرتس يقدم في ثلاث ساعات تحليلا كاملا لنمو ظاهرة الإرهاب في العالم والاسباب التي أدت لتطوره ومن خلال لقطات ارشيفية نادرة وحوارات خاصة جدا ومعلومات تذاع لأول مرة. أكد الفيلم أن فكر سيد قطب وفكر ليفي شتراوس الفيلسوف والأب الروحي لجماعة المحافظين الجدد في أمريكا هما معا السبب في هذا الكابوس الذي يحتل العالم الآن. وتأمل الفيلم جيدا وتحليله هو السبيل الوحيد لمعرفة صحة نظريته. يقول الفيلم إن رجال السياسة اكتشفوا بعد الحرب العالمية الثانية أن الشعوب لم تعد تؤمن بعد بالأيديولوجيات التي تعد بأحلام كبري وبمستقبل أفضل لذا وجد هؤلاء السياسيون أن أفضل طريقة للسيطرة علي الجماهير هي إثارة الخوف والكوابيس بداخلهم من اعداء مجهولين ومن أفكار غير مفهومة لهم. يبدأ الفيلم عام1949 بسيد قطب والذي كان آنذاك مدرسا بالتربية والتعليم بمصر حيث يسافر إلي ولاية كولورادو الأمريكية في منحة دراسية ويتوصل إلي نتيجة أن وراء الأزدهار الأمريكي الظاهر انغماسا في الغرائز والطموحات المادية مما يقضي علي أي قيمة اخلاقية للإنسان هناك. ويعود إلي مصر مبلورا منهجه الذي يعتمد علي الاستعلاء علي الواقع وضرورة ألا تصبح مصر صورة من أمريكا والسبيل إلي ذلك هو الدولة الإسلامية شكلا وموضوعا ويصطدم في ذلك مع عبدالناصر الذي أراد لمصر أن تكون دولة علمانية وعلي علاقة بالغرب كما يقول الفيلم الذي ادعي أن عبدالناصر مد الاواصر مع أمريكا ووافق علي أن يأتي ضباط من المخابرات الأمريكية للمساهمة في إنشاء المخابرات المصرية. ويصطدم عبدالناصر مع سيد قطب والاخوان ويضعهم في المعتقل ويعذبهم ويعرض الفيلم لقطات من فيلم الكرنك كصور من ذلك التعذيب ويبدأ سيد قطب في التنظير لمفهوم الجاهلية ويظهر فؤاد علام رئيس جهاز أمن الدولة الاسبق ليقول إن قطب كانت لديه أفكار هدامة مثل نسف القناطر الخيرية لاغراق دلتا مصر لان كلها كفرة وبالطبع يتم إعدام سيد قطب وتظهر لقطات نادرة للمحاكمة التي عقدت له. ثم يذهب الفيلم إلي أمريكا حيث يرصد ظهور أفكار الاستاذ بجامعة شيكاجو الفليسوف ليفي شتراوس الذي رأي أن ازدياد الاتجاه الليبرالي يهدم كل القيم الاخلاقية تحت مسمي الحرية وانتشرت كتاباته التي تدعو إلي ضرورة إنقاذ روح الأمريكيين من الفساد وكان من تلامذته بول وولفويتز مهندس الحرب علي العراق, وفرانسيس فوكوياما مؤلف كتاب نهاية التاريخ الشهير واللذان أسسا معا جماعة المحافظين الجدد التي انضم لها لاحقا ديك تشيني ودونالد رامسفيلد, ويعود الفيلم إلي مصر لكي يقدم ايمن الظواهري الذي تبني افكار سيد قطب وبدأ يطورها لانشاء جماعة مغايرة عن الاخوان المسلمين وفي عصر السادات يظهر الفيلم لقطات من عصر الانفتاح واعلانات تليفزيون من السبعينيات تقدم نمط الحياة الجديدة في زيارة السادات للقدس وتحسين علاقته مع أمريكا ثم محاربته للتيارات الإسلامية, ويظهره الفيلم في لقطات لم تعرض من قبل واصفا الثورة في إيران بانها جريمة في حق الإسلام ان تقوم ثورة وتقول انها اسلامية خاصة وبعدها طبع الخوميني افكار سيد قطب وصوره علي كتيبات الثورة. في امريكا يعود الفيلم للمحافظين الجدد الذين استطاعوا اختراق إدارة الرئيس رونالد ريجان وبدأوا في تنفيذ مخططهم في السيطرة علي اتجاهات وافكار تلك الإدارة, وفي البداية بدأوا يزرعون الخوف في النفوس من تأثير الاسلحة السوفيتية واظهروا ضباطا من الاتحاد السوفيتي يصبون الدم الاحمر علي الكرة الارضية بسعادة او اختلاق قصص عن وجود اسلحة سرية سوفيتية تحت الارض وعملاء لهم في كل مكان, واستخدموا السينما والتليفزيون لنشر تلك الافكار, ونجحت مساعيهم في نشر الاتجاه اليميني المحافظ في أمريكا وتمتلئ الكنائس بمؤتمرات الاعتراض ضد الليبراليين والشيوعيين ويسطر الخوف من السوفييت علي الجميع, اما في مصر فيعود الفيلم لايمن الظواهري ويقدم للمحاكمة وكيف وقف امام وكالات الانباء ليقول من نحن وماذا نريد: نحن مسلمون نريد تطبيق الإسلام في بلادنا ايديولوجية وممارسة ثم يخرج من السجن بعد ثلاث سنوات ويسافر بعد ذلك بقليل إلي افغانستان للجهاد ضد السوفييت ويأتي ذلك علي هوي امريكا التي يظهر احد ضباط مخابراتها المسئول عن دعم المجاهدين العرب في افغانستان ويقول ان امريكا دعمتهم هناك بمليار دولار فضلا عن صواريخ حديثة. ويقدم الفيلم وصول عبدالله عزام إلي بيشاور في باكستان وكيف اصبح اكثر الشخصيات شعبية لكونه مسئولا عن مكتب تجنيد المجاهدين العرب القادمين للحرب في افغانستان, وان ذلك لم يكن علي هوي ايمن الظواهري الذي اسس هناك مجموعة مواليه له, حتي وصول بن لادن لاحقا لكابول بكميات ضخمة من الاموال انعشت المجاهدين بعد توقف التمويل الأمريكي. ويستعرض الفيلم كيف تم الاتفاق بين الظواهري وبن لادن علي تنصيب الأخير كأمير للجماعة مقابل ان يقوم بالتمويل بل ويتهم الفيلم تحالفهما بقتل عبدالله عزام بسيارة مفخخة في باكستان لكي ينفردا بالزعامة في الساحة, ثم يظهر مؤتمر صحفي نادر لبن لادن والظواهري يعلنان فيه عن بدء الجهاد الجديد وهو ضدأمريكا واليهود والمسيحيين معا, وهو ما استغله المحافظون الجدد باعتباره الخطر الجديد علي أمريكا, حيث كان الاتحاد السوفييتي قد سقط ولابد من ايجاد عدو جديد لم يتجاوب الرئيس كلينتون مع افكار المحافظين الجدد فدبروا له فضيجة وايت ووتر الذي اتهموه فيها بقتل احد اعوانه وبالاتجار في المخدرات, ويقدم الفيلم صحفيا من وسكنسون يعترف بأنه كان من عملاء المحافظين الجدد وانه هو الذي دبر الفضيحة لكلينتون واختلق وثائق وشهودا, ثم تمت المبالغة في فضيحة مونيكا لوينسكي لتكون الضربة الأخيرة لخروج كلينتون من السلطة, كان بن لادن والظواهري قد بدءا تنفيذ مخططهما بضرب السفارة الأمريكية في تنزانيا وكينيا لكي يعطوا فرصة العمر للمحافظين الجدد في تأكيد شكوكهم لكن ضربة الحظ الكبيرة هي احداث11 سبتمبر التي يؤكد المخرج انها من تخطيط وتنفيذ خالد شيخ وان دور بن لادن يقتصر علي الدعم ومن هذه اللحظة خلق المحافظون الجدد للعالم ولامريكا كابوسا جديدا اسمه تنظيم القاعدة ادعي بوش ورامسفيلد انه موجود في اكثر من60 دولة وأكد الفيلم من خلال شهادات الأمريكيين وزملاء لبن لادن انه تنظيم ضعيف غير موجود إلا بافغانستان ويظهر المخرج كيف ان بن لادن لم يكن مختبئا في قصر محصن بالاسلحة النووية تحت الارض كما ادعي رامسفليد واظهر رسما مجسما لهذا القصر, يستمر الفيلم في سرد الحقائق ويقول ان بن لادن والظواهري حاولا قبل11 سبتمبر ان يقوما باعمال عسكرية في مصر والجزائر لتغيير نظام الحكم وكيف انهم فازوا بالانتخابات في الجزائر ثم ألغاها الجيش وكيف فازوا في مصر بانتخابات نقابات كثيرة ومقاعد ملحوظة في البرلمان, لكن الفيلم يؤكد ايضا ان الشعوب في مصر والجزائر لفظتهم لاتباعهم اسلوب العنف. ويعرض الفيلم نماذج لافكار جبهة الانقاذ الإسلامي بالجزائر التي قالت انها ليست لديها مانع من اعدام كل الجزائرييين لانهم اصبحوا كفارا ومن مصر لقطات للحوادث الإرهابية ومنها مذبحة الاقصر1997 التي قرر بعدها قادة الجماعات الإسلامية وقف العنف وتوجيه الصراع الدموي نحو الغرب وتحديدا أمريكا. مع التحالف الكبير بين بوش الابن والمحافظين الجدد يقول الفيلم ان الكوابيس وأوهام الخوف هي التي اصبحت تحكم السياسة الأمريكية الآن داخليا وخارجيا ويقدم الفيلم اساتذة أمريكيون وفلاسفة ومسئولون سابقون يحللون كذب تلك الأوهام ويفندون بالمعلومات كيف خلق المحافظون الجدد اسطورة تنظيم القاعدة والمبالغة الكبيرة في قوته بل ويقدم الفيلم شهادات لارهابيين سابقين تؤكد ذلك, اما المضحك فهو ظهور افراد من المحافظين الجدد كريتشارد بيرل مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق الذي يؤكد انه كان لابد ان يظهروا امام العالم أن امريكا تخوض صراعا بين الخير والشر وكان هذا الشر في الماضي البعيد الليبرالية الأمريكية المنحلة وفي الماضي القريب الاتحاد السوفييتي وفي الحاضر الإرهاب الإسلامي. المدهش ان هذا الفيلم بكل موضوعيته انتاج قناة بي.بي.سي الانجليزية الحكومية في وقت تعتبر انجلترا فيه أكبر حليف لامريكا, لكن يبدو اننا نتأكد كل يوم انه رغم تأثر بعض وسائل الإعلام الغربية بسياسات حكوماتها لكن الفنانين الاصلاء والمثقفين كمخرج الفيلم ادم كيرتس, لايستطيع احد ان يمنعهم من ممارسة حريتهم في التعبير والرأي وايا كان هذا الرأي.