إن الناظر في أحوال كثير من الناس, بعد شهر رمضان, والصيام يجد انفصاما شديدا بين ما كانوا عليه في شهر الصوم, وما هم عليه الآن بعد انتهاء هذا الشهر الكرين, فبعد الإقبال علي الله وكثرة الطاعات, واستثمار جل الأوقات في التزود من الخيرات, والتحلي بجميل الصفات, والابتعاد عن الرذائل والمحرمات, إذ بهم يهجرون ذلك كله ويعودون إلي ما كانوا عليه من الغفلة والمعاصي وسوء الأخلاق; أسري لشهواتهم وملذاتهم, فهؤلاء ما فقهوا حقيقة الصيام, فمثلهم كمثل طالب دخل المدرسة وتخرج منها ولم يتعلم القراءة والكتابة. فليس المقصود أن ننتصر علي أنفسنا في شهر رمضان ثم ننتكس ونتقهقر بقية العام, فالله سبحانه وتعالي عندما فرض الله علينا صيام رمضان حدد لنا الهدف والحكمة من صيامه فقال تعالي: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون( البقرة:183), فالغاية الأولي والهدف الأسمي من الصيام هو إعداد القلوب للتقوي, ومن علامات تحقق التقوي الاستمرار علي الطاعة بعد رمضان, فمن لم يستقم علي الطاعة بعد شهر الصوم كان كأنه لم يشهد رمضان ولم يستفد من الصيام والقيام, وإذا كان لكل شيء علامة, فإن من أعظم علامات قبول الطاعات والحسنات في شهر رمضان الثبات والاستقامة علي الطاعة بعد شهر رمضان, فالمسلم لا ترتبط العبادة عنده بشهر معين, فالمسلم ليس رمضانيا بل المسلم رباني, وقد قيل لبشر بن الحارث الحافي, رحمه الله: إن أناسا يتعبدون في رمضان ويجتهدون فيه, فإذا انسلخ رمضان تركوا ذلك!, فقال: بئس القوم لا يعرفون لله حقا إلا في رمضان! ثم يضع النقاط علي الحروف فيقول: إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها, وقال بعض السلف: أدركت أقواما لا يزيد دخول رمضان من أعمالهم شيئا, ولا ينقص خروجه من أعمالهم شيئا, فعبودية المؤمن لربه لا تنقضي إلا بانقضاء أجله, يقول الحسن البصري رحمه الله: إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلا دون الموت ثم قرأ قوله عز وجل: واعبد ربك حتي يأتيك اليقين( الحجر:99). فمن استفاد من شهر رمضان استفادة حقيقية فليداوم وليثبت علي ما كان عليه في رمضان, وسئلت السيدة عائشة رضي الله عنها: هل كان النبي, صلي الله عليه وسلم, يخص شيئا من الأيام؟ فقالت: لا, كان عمله ديمة رواه مسلم, أي دائما متصلا, فعلي خطي الحبيب, صلي الله عليه وسلم, سر, وكن علي عمل دائم حتي تلقي الله تعالي.