ما أن أصدرت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي قرارها برفع سعر الفائدة علي الإيداع والإقراض بمقدار200 نقطة أساس18.75% و19.97% علي التوالي في محاولة لإصلاح الاقتصاد المتعثر والتصدي للتضخم الجامح حتي كثر المشككون ومرددو الشائعات حول التاثير السلبي لهذه السياسة النقدية, متهمين الحكومة بالسير عكس الإتجاه وانتهاج سياسات خاطئة في برنامج الإصلاح الاقتصادي تضر بالمواطنين ومصالحهم وتزيد الدين العام وترفع عجز الموازنة العامة للدولة وتؤثر سلبا علي الاستثمارات الأجنبية في أذون الخزانة, كما تسبب خروج المستثمرين الأجانب من السوق المصرية لتخوفهم من ارتفاع تكلفة الإقراض. وما من شك في أن تحديد سعر الفائدة يؤثر علي المواطنين في حياتهم اليومية والمالية, ولكنه إجراء مطلوب لمواجهة الأزمات الاقتصادية, كما أن الحكومة لابد وأنها اتخذت إجراءات احترازية. ويعرف الاقتصاديون والمصرفيون سعر الفائدة بأنه أداة رئيسية للبنوك المركزية لضبط السياسة النقدية, وهي تعني تحديد سعر الأموال, حيث أن الفائدة هي تأمين لعدم رد الأموال إذا اقترضها شخص أو شركة ويتحدد هذا التأمين بنسبة الفائدة.. وهنا يطرح السؤال نفسه: لماذا يرفع البنك المركزي سعر الفائدة ؟ يأتي هذا القرار عندما ترتفع نسبة التضخم في الاقتصاد, أي تزيد أسعار السلع والخدمات, وهو هنا يجعل سعر الأموال عاليا فيتراجع الإقتراض للأشخاص والأعمال ويقل الإنفاق والطلب علي الاستهلاك فينخفض التضخم, وبمثال توضيحي رفع سعر الفائدة يجعل الإقتراض مكلفا, فتخفض الأعمال استثماراتها ويقلل الأفراد من انفاقهم الاستهلاكي, فلو قرر مواطن الإقتراض لشراء سيارة أو شقة يجد تكلفة الأقساط عالية, كما يصبح تمويل المشروعات أعلي تكلفة فتقلل الأجور والوظائف, وهذا لا يعني أن تلك المؤشرات هي الوحيدة التي تأخذها الحكومات في الاعتبار عند تحديد سعر الفائدة, وإنما هناك مؤشرات أخري, إلا أن أهمها علي الإطلاق التضخم أو الركود. وأقول للذين سارعوا إلي العويل والصراخ والشكوي من خطورة قرار البنك المركزي وتأثيره علي زيادة الأسعار إنه لا يظهر تأثير التغيير في سعر الفائدة بشكل سريع, بل يستغرق نحو عام لكي يظهر أثره علي الاقتصاد والأفراد.. ومن التأثيرات غير المباشرة أن رفع الفائدة يؤدي إلي ارتفاع سعر صرف العملة المعنية, مما يؤثر علي اتجاه المستثمرين بعيدا عن أسواق الأسهم والسلع إلي أسواق العملات. ومنذ الساعات الأولي لصدور القرار, وهناك حالة من الجدل علي الصعيد الاقتصادي, حول نتائجه وتداعياته, ولكن البنك المركزي أخضع قراره لدراسات مصرفية عميقة, ويري أن قراره يساهم في تقليل السيولة النقدية التي يتداولها المواطنون لتقليل الإنفاق الاستهلاكي وبالتالي تقليل الطلب, مما يقلل أسعار السلع والخدمات, ويساعد في السيطرة علي معدل التضخم الشهري, وحماية الطبقات المتوسطة والفقيرة من خلال زياردة العائد علي ودائعهم في البنوك, وكذلك تقليل المعروض النقدي من خلال توجيه المواطن نحو الإدخار للاستفادة من ارتفاع معدل العائد علي الإدخار, بدلا من توجيه الإنفاق الاستهلاكي أو الاستثماري, كما يقضي علي ما يعرف باسم ظاهرة الدولرة, والتي تتمثل في حيازة الدولار كمخزن للقيمة بسبب انخفاض القوة الشرائية للجنيه, وهو أيضا يساهم في اجتذاب شريحة جديدة من المواطنين الذين لا يتعاملون مع البنوك, وتشجيع ثقافة الإدخار في إطار زيادة قاعدة المتعاملين مع البنوك, كما يؤدي إلي تقليل الإقتراض للاستيراد, وبالتالي منح فرصة للمنتج المحلي, بتقليل الإعتماد علي السلع المستوردة, ومن هنا تقل نسبة التضخم.