أوجه خلاف عديدة بين الارهاب وجريمتي الحرابة والبغي المفتي من يفتي.. والحادث حاليا ليس بفتوي بل نقل كلام المجتهد الوسطية.. تطبيق الثوابت دون إهمال المتغيرات والموازنة بين المقاصد والفروع أجسر الناس علي الفتيا أقلهم علما علي المفتي ألا يترك ما أتفق عليه أكثر العلماء ويفتي بخلافه الفتوي هي التبليغ عن الله عز وجل ونسبت إليه سبحانه في كثير من الآيات القرآنية ووضحها ابن القيم بأنها إعلام عن الله سبحانه وتعالي كما أن الله يخلف به نبيه صلي الله عليه وسلم عن رب العالمين( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم)( سورة النحل:44). والإفتاء يعتمد علي تبين الحكم الشرعي مستندا إلي دليل, والمفتي ما كان عالما بجميع الأحكام الشرعية خاصة المجمع عليها منها. ولقد تجرأ الآن بعض غير المتخصصين في الإفتاء علي خوضه مجال الإفتاء دون العلم ودون معرفة الآثار المترتبة علي ذلك فحصلت البلبلة والاضطراب والشقاق والاختلاف بين صفوف المفتين المسلمين وعامتهم. وقد نقل النووي: المفتي موقع عن الله تعالي, وورد عن النبي صلي الله عليه وسلم قوله:, أجرؤكم علي الفتيا أجرؤكم علي النار]. حول الإفتاء والفرق بينه وبين الاجتهاد, ومنزلة الفتوي, والتساهل منها, وشروط المفتي وغيرها من الأسئلة يدور حوارنا مع الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر والعميد سابقا بكلية الدراسات الإسلامية بنات. ما هو تعريفكم للفتيا.. وهل ما يحدث في زماننا نستطيع أن ندرجه تحت مسمي الفتوي؟! الفتوي لغة: اسم مصدر بمعني الإفتاء, والجمع الفتاوي والفتيا تبين المشكل من الأحكام, وتفاتوا إلي فلان: تحاكموا إليه أي ارتفعوا إليه في الفتيا, والتفاني: التخاصم. والاستفتاء لغة: طلب الجواب عن الأمر المشكل, ومنه قوله تعالي( سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا)( الكهف:22). وقد يكون بمعني مجرد سؤال: ومنه قوله تعالي:( فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا)( الصافات:11) قال المفسرون: أي أسألهم. والفتوي في الاصطلاح: تبين الحكم الشرعي عن دليل لمن سأل عنه وهذا يشمل السؤال في الوقائع وغيرها. والمفتي لغة: اسم فاعل أفتي فمن أفتي مرة فهو مفت. ولكنه يحمل في العرف الشرعي معني أخص من ذلك, قال الصيرفي: هذا المعني موضوع لمن قام للناس بأمر دينهم, علم مجمل عموم القرآن ومخصوصه, وناسخه ومنسوخه, وكذلك السنن والاستنباط, ولم يوضع لمن علم مسألة وأدرك حقيقتها, فمن بلغ هذه المرتبة سموه بهذا الاسم ومن استحقه أفتي فيما استفتاي فيه. ومن خلال هذه التعريفات للمفتي نعرف أن ما يكون في زماننا ليس بفتوي بل هو نقل كلام المجتهد ليأخذ به المستفتي. وطريق نقله كذلك عن المجتهد أحد أمرين إما أن يكون له سند فيه إليه. أو يأخذه من كتاب معروف تداولته الأيدي نحو كتاب محمد ابن الحسن وغيره من التصانيف المشهورة للمجتهدين لأنه بمنزلة الخبر المتواتر عنهم والمشهور. وما الفرق بين الإفتاء والاجتهاد والقضاء؟! القضاء: هو فصل القاضي بين الخصوم, ويقال له أيضا: الحكم, والحاكم: القاضي والقضاء شبيه بالفتوي إلا أن بينهما فروقا منها: أن الفتوي إخبار عن الحكم الشرعي, والقضاء إنشاء للحكم بين المتخاصمين, ومنها إن الفتوي لا إلزام فيها للمستفتي أو لغيره, بل له أن يأخذ بها إن رآها صوابا, وله أن يتركها ويأخذ بفتوي مفت آخر, أما الحكم القضائي فهو ملزم ويبني عليه أحد الخصمين إذا دعا الآخر إلي فتاوي الفقهاء لم نجبره, وإن دعاء إلي قاض وجب عليه الإجابة, وأجبر علي ذلك, لأن القاضي منصب لقطع الخصومات وإنهائها, ومنها ما قاله ابن القيم: إن حكم القاضي جزئي خاص لا يتعدي إلي غير المحكوم عليه وله. وفتوي المفتي شرعية عامة تتعلق بالمستفتي وغيره. فالقاضي يقضي قضاء معينا علي شخص معين, والمفتي يفتي حكما عاما كليا أن من فعل كذا ترتب عليه كذا ومن قال كذا لزمه كذا. ومنها أن القضاء لا يكون إلاب لفظ منطوق, وتكون الفتيا بالكتابة والفعل والإشارة. والاجتهاد: بذل الفقيه وسعه في تحصيل الحكم الشرعي الظني. والفرق بينه وبين الإفتاء أن الإفتاء: يكون فيما علم قطعا أو ظنا. أما الاجتهاد فلا يكون في القطعي, وأن الاجتهاد يتم بمجرد تحصيل الفقيه الحكم في نفسه, ولا يتم الإفتاء إلا بتبليغ الحكم للسائل. وما هي منزلة الفتوي في الشريعة؟! تتبين منزلة الفتوي في الشريعة من عدة أوجه. فمنها: أن الله تعالي أفتي عباده, وقال:( ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن)( النساء:127), وقال:( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة)( النساء:176). وأن النبي صلي الله عليه وسلم كان يتولي هذا المنصب في حياته, وكان ذلك من مقتضي رسالته, وقد كلفه الله تعالي بذلك حيث قال:( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون)( النحل:44). فالمفتي خليفة النبي صلي الله عليه وسلم في أداء وظيفة البيان. وقد تولي هذه الخلافة بعد النبي صلي الله عليه وسلم أصحابه الكرام ثم أهل العلم بعدهم. أن موضوع الفتوي هو بيان أحكام الله تعالي, وتطبيقها علي أفعال الناس فهي قول علي الله تعالي أنه يقول للمستفتي: حق عليك أن تفعل, أو حرم عليك أن تفعل. ولذا شبه القرآن المفتي بالترجمان عن مراد الله تعالي, وجعله ابن القيم بمنزلة الوزير الموقع عن الملك. قال: إذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله, ولا يجهل قدره, وهو من أعلي المراتب السنيات فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات. ونقل النووي: المفتي موقع عن الله تعالي. ونقل عن ابن المنكدر أنه قال: العالم بين الله وبين خلقه, فلينظر كيف يدخل بينهم. تجرأ كثيرون في الفترة الأخيرة علي الفتيا, وأكثرهم لم يحصل العلم الشرعي الذي يؤهله لذلك.. فما حكم هؤلاء.. وما تعليقكم؟! ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم قوله:, أجرؤكم علي الفتيا أجرؤكم علي النار]. ونقل عن سفيان وسحنون: أجسر الناس علي الفتيا أقلهم علماء فالذي ينبغي للعالم أن يكون متهيبا للإفتاء, لا يتجرأ عليه إلا حين يكون الحكم جليا في الكتاب والسنة, أو يكون مجمعا عليه. أما فيما عدا ذلك مما تعارضت فيه الأقوال والوجوه وخفي حكمه فعليه أن يتثبت ويتريث حتي يتضح له وجه الجواب, فإن لم يتضح له توقف. وفيما نقل عن الإمام مالك إنه ربما كان يسأل عن خمسين مسألة فلا يجب في واحدة منها, وكان يقول: من يجيب فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه علي الجنة والنار, وكيف خلاصة ثم يجيب, وعن الأثرم قال: سمعت أحمد بن حنبل يكثر أن يقول: لا أدري. وبناء علي ذلك فإن الإفتاء بغير علم حرام, لأنه يتضمن الكذب علي الله تعالي ورسوله ويتضمن إضلالا للناس, وهو من الكبائر لقوله تعال:( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام)( النحل:116) وقوله تعالي:( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)( الإسراء:36). ولقد حسم الله سبحانه بيان الحلال والحرام في قوله:( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطنا وأن تقولوا علي الله ما لا تفعلون)( الأعراف:33) فقرته بالفواحش والبغي والشرك. ولقوله صلي الله عليه وسلم:, الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات] ولقوله صلي الله عليه وسلم:, إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور العلماء ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتي إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسألوا فأفتوا بغير علم فضلوا, وأضلوا]. من أجل ذلك كثر النقل عن السلف إذا سئل أحدهم عما لا يعلم أن يقول للسائل لا أدري. نقل ذلك عن ابنعمر رضي الله عنهما, والقاسم بن محمد والشعبي ومالك وغيرهم. وينبغي للمفتي أن يستعمل ذلك في موضعه ويعود نفسه عليه. ثم إن فعل المستفتي بناء علي الفتوي أمرا محرما أو العبادة المفروضة علي وجه فاسد حمل المفتي بغير علم إثمه إن لم يكن المستفتي قد قصر في البحث عمي من هو أهل للفتيا, وإلا فالإثم عليهما لقول النبي صلي الله عليه وسلم:, من أفتي بغير علم كان إثمه علي من أفتا]. بحثا عن الأضواء والشهرة وبناء قاعدة جماهيرية له ربما يتساهل بعض المفتين في فتواهم علي مبدأ الأخذ بالرخص.. فما توجيهكم؟ يحرم التساهل في الفتوي, ومن عرف به حرم سؤاله. قال الإمام النووي رحمه الله:(( ومن التساهل أن تحمله الأغراض الفاسدة علي تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة والتمسك بالشبه طلبا للترخيص لمن يروم نفعه, أو التغليظ علي من يريد ضره)). ويحرم التحايل لتحليل الحرام أو لتحريم الحلال بلا ضرورة, لأنه مكر وخديعة, وهما محرمان لقوله تعالي:( ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين)( آل عمران:54) وقوله سبحانه وتعالي:( استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله]( فاطر:43). وقوله صلي الله عليه وسلم:( ملعون من ضار مؤمنا أو مكر به). فلا يفتي بالشاذ, وإنما يفتي بالذي يؤيده الدليل, وإذا كانت المسألة خلافية احتاط للشرع واحتاط للمستفتي أيضا. فمثلا لو سأله رجل يريد الزواج من امرأة قد رضعت من أمه رضعة واحدة فإنه يفتيه بمذهب أبي حنيفة ومالك اللذين يعتبران قليل الرضاع محرما ولو كان مص مصتين. وإن كان السائل قد وقع في البلوي وتزوج امرأة كانت بينهما رضاعة, ولم تصل إلي خمس رضعات, ولم يعلم تلك الواقعة إلا بعد أن أنجب منها أولادا فإن الاحتياط للأولاد يسوغ له الإفتاء بالحل عملا بمذهب الشافعي رضي الله عنه. فالواجب علي المفتي أن يجتهد ما أمكن في الفتوي فلا يترك ما اتفق عليه أكثر العلماء ويفتي بخلافه, فلو سأل عن تولي المرأة عقد زواجها بنفسها فإنه يفتي برأي الجمهور الذي يمنع ذلك, ولا يفتي بقول الحنفية المجيزين لأنها مسألة دقيقة في الحلال والحرام فالواجب فيها الاحتياط. يجنح بعض الباحثن المسلمين في تعريفهم للارهاب بأنه لا يخرج عن جريمتي البغي والحرابة.. نريد أن تدلوا بدلوكم في هذا الأمر المشكل؟! وعلي الرغم من اتساع ظاهرة التعصب والتطرف والعنف في السنوات الماضية فإن العالم لم يحدد تعريفا دقيقا لهذه الظاهرة وذلك راجع لأسباب سياسية لا علاقة لها بحقيقة هذه الظاهرة. ثم ان تعريف الإرهاب لدي الباحثين المسلمين لم يخل من ذات الأشكال, إذ إن معظم محاولات تعريف العنف والإرهاب لا تخرج عن تصنيفه باعتباره جريمة حرابة أو جريمة بغي, وعلي الرغم من بعض أوجه الشبه بين الإرهاب والجريمتين فإن هناك اختلافات كثيرة بينهم, فالحرابة( أو قطع الطريق) كما يعرفها الفقهاء هي الخروج علي المارة لأخذ المال علي سبيل المغالبة علي وجه يمنع المارة من المرور ويقطع الطريق سواء كان من جماعة أو من واحد له قوة القطع بسلاح وغيره مباشرة من الكل أو التسبب من البعض بالإعانة والأخذ واستدلوا علي تحريم الحرابة بقوله عز وجل إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم. والواقع اننا لا نستطيع أن نصنف الإرهاب باعتباره جريمة حرابة لأن جرائم الحرابة قد تم توصيفها باعتبارها فعلا جنائيا جماعيا يقصد منه القتل والترويع وسلب المال وهي صورة لعدد من الجرائم الجنائية مجتمعة معا في حين أن الإرهاب أوسع من الحرابة, إذ يرتبط بأهداف سياسية في الغالب وليست مصلحية أي أن جرائم الحرابة لا تمتد آثارها خارج نطاق الإقليم الذي نعمل فيه بينما تستند آثار الإرهاب إلي أقاليم أخري لا تكون أحيانا طرفا مباشرا في المشكلة التي تقع بين من يقوم به ومن تقع عليه آثاره. كما أن جريمة الحرابة غالبا ما توجه نحو الأفراد أو مجموعات منهم دون أن تمتد آثارها إلي الدولة أو للنظام السياسي مباشرة وذلك للتأثير عليهم أو لدفعهم حتي يؤثروا في قرارات ومواقف النظام السياسي الذي يخضعون له. أما توصيف التعصب والعنف والإرهاب بأنه جريمة بغي فذلك لا يتناسب مع طبيعة هذه الجريمة, إذ البغي هو خروج طائفة من المسلمين علي الحاكم المسلم بحمل السلاح, ومثل هذا الإجراء لا يعد وصفا مناسبا للإرهاب الذي يكون في الغالب أوسع من ذلك.. إذ إن جريمة البغي موجهة إلي النظام السياسي في الدولة الإسلامية, بينما الجريمة الإرهابية توجه إلي النظام السياسي في الدولة الإسلامية وغيرها من الدول والأنظمة, كما أنها قد تمتد إلي أفراد المجتمع ومؤسساته, مما يعني أنها أوسع تأثيرا من البغي.