بالاستقراء في ممارسات وتصرفات ذات صلة بالعمل الإفتائي الشرعي في أيامنا هذه, فإن ظواهر جعلت الفتوي الشرعية في أزمة وتترتب علي ذلك تداعيات تعود سلبيا علي سمعة الدين الحق ومكانته وتأثيره ومن المقرر شرعات أن الإفتاء بغير علم حرام, لأنه يتضمن الكذب علي الله عز وجل ورسوله سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم, ويتضمن إضلال الناس, وهو من الكبائر لقوله سبحانه وتعالي :( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا علي الله ما لا تعلمون)(33 الأعراف), وجه الدلالة: قرن تبارك وتعالي جريمة الفتوي بغير علم بالفواحش والبغي والشرك ولقول سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور العلماء, ولكن يقبض العلماء, حتي إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا, فسئلوا, فأفتوا بغير علم, فضلوا وأضلوا ومن أفتي بغير علم كان إثمه علي من أفتاه. الجرأة علي الفتوي: روي عن سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم قال أجرؤكم علي الفتيا أجرؤكم علي النار. ومن الآثار: قال عبدالرحمن بن أبي ليلي رحمة الله تعالي: أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ورضي الله عنهم يسأل أحدهم عن المسألة, فيردها هذا إلي هذا, وهذا إلي هذا, حتي ترجع إلي الأول وورد: ما منهم يحدث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه إياه, ولا يستفتي عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا, ونقل عن سفيان وسحنون: أجسر الناس علي الفتيا علما, فالذي ينبغي علي العالم أن يكون متهيئا للإفتاء, لا يتجرأ عليه إلا حيث يكون الحكم جليا في الكتاب أو السمة أو يكون مجمعا عليه, أما فيما عدا ذلك مما تعارضت فيه الأقوال والوجوه وخفي حكمه, فعليه أن يثبت ويتريث حتي يتضح له وجه الجواب, فإن لم يتضح له توقف. ونقل عن الإمام مالك رحمة الله تعالي أنه كان يسأل عن خمسين مسألة فلا يجيب في واحدة منها, وكان يقول: من أجاب فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه علي الجنة والنار وكيف خلاصه, ثم يجيب. وذهب عامة العلماء إلي أنه ليس للمفتي تتبع رخص المذاهب, بأن يبحث عن الأسهل من القولين أو الوجهين ويفتي به, قد خطأ العلماء من يفعل ذلك, وقرروا فسق من يفعل ذلك, لأن الراجح في نظر المفتي هو في ظنه في حكم الله تعالي, فتركه والأخذ بغيره لمجرد اليسر والسهولة استهانة بالدين, شبيه بالانسلاخ منه, وإن أفتي كل أحد بما يستهوي ضاع قانون السياسية الشرعية, الذي يقوم علي العدالة والتسوية, وهذا يؤدي إلي الفوضي وتضيع الحقوق بين الناس. ومن المقرر شرعا: أن المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحل الناس علي الوسط المعهود فيما يليق بالجهور, فلا يذهب بهم الشدة, ولا يميل بهم إلي طرف الانحلال, وهذا هو الصراط المستقيم الذي جاءت به الشريعة, فلا إفراط ولا تفريط, وما خرج عن الوسط فهو مذموم عند العلماء الراسخين. ومن تداعيات غياب المنهجية العلمية في صحيح الفتوي الشرعية, وما سبق من ظواهر مسيئة ومعيبة, اختلف الأجوبة, مما يوقع الناس في حيرة وظن وشك.