المسجد الأقصي معهد الأنبياء عليهم السلام ومتعهد الأولياء رضي الله عنهم وثاني البيت الحرام في البناء, وأولي القبلتين حال الابتداء, له في الإسلام شرف عظيم, ومقام كريم, فهو نهاية رحلة الإسراء, وبداية رحلة المعراج( سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) الآية1 من سورة الإسراء. فقد دنا رسول الله صلي الله عليه وسلم من ربه عز وجل مقاما لم يبلغه الخليل ولا الكليم, ولا وصل إليه ملك مقرب, ولا نبي مكرم, وقد أم في ذلك المسجد النبيين عليهم السلام في ليلة مباركة, صعد فيها منه إلي أعلي عليين, وقد توافرت النصوص وتعاضدت الأخبار والآثار علي فضله فمن ذلك: أ) من القرآن الكريم: قول الله سبحانه وتعالي :( سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله) فلو لم يكن للمسجدالأقصي من الفضيلة غير هذه الآية لكانت كافية, وبجميع البركات وافية, لأنه إذا بورك حوله, فالبركة فيه مضاعفة. وقوله جل وعلا لبني إسرائيل( ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين)(158 البقرة). فلم يخص الله تعالي مسجدا سواه, بأن وعدهم أن يغفر خطاياهم بسجدة فيه دون غيره إلا بفضل خصه به. وقوله تبارك اسمه إخبارا عن ابراهيم ولوط عليهما السلام( ونجيناه ولوطا إلي الأرض التي باركنا فيها للعالمين)(71 الأنبياء) وقوله تقدست صفاته( وآويناهما إلي ربوة ذات قرار ومعين)(50 المؤمنون) وقوله تعالي( ادخلوا الأرض المقدسة)(21 المائدة). ب) من السنة النبوية: أخبار صحيحة منها قوله صلي الله عليه وسلم ( لا تشد الرحال إلا إلي ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصي ومسجدي هذا). وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولا قال المسجد الحرام, قلت: ثم؟ قال المسجد الأقصي.., ج) وردت آثار في فضله: عن جمهرة من السلف الصالح رضي الله عنهم منهم عبد الله بن عمر وأنس بن مالك وعبد الله ابن عباس ومعاذ ابن جبل وعطاء رضي الله عنهم. وقد صنف العلماء القدامي مصنفات وافية في شرفه وفضله فمن ذلك: الجامع المستقصي في فضايل المسجد الأقصي لابن عساكر, إتحاف الإخصا بفضائل المسجد الأقصي للسيوطي, فضائل بيت المقدس للخطيب القدسي. فضائل بيت المقدس وفضل الصلاة فيه جمع محمد الكينجي, الفضائل لبيت المقدس لأبي بكر الواسطي ولأبي إسحاق المكناسي, بعض قضايا ذات علاقة: 1 بيت المقدس اسم لمكان معروف في أرض فلسطين, وأصل التقديس التطهير, وهذا الاسم يطلق الآن علي المدينة التي فيها المسجد الأقصي ولا يطلق علي مكان العبادة الخصوصي عند علماء اللغة, أما عند أهل الفقه والتاريخ فالاسم دائر بين المعنيين, وتسمي المدينة الآن( القدس) ووجدت هذه التسمية أيضا في كلام العرب, قال الشاعر: لا نوم تهبطي أرض القدس وتشربي من خير ماء بقدس 2 حكم زيارة المسجد الأقصي: أجمع الفقهاء علي فضل المسجد الأقصي وعلي استحباب زيارته والصلاة فيه. 2 تعارف المسلمون مؤخرا علي الاحتفال بمناسبتين: أولاهما في أواخر شهر رجب مناسبة معجزة الإسراء والمعراج, وهما ترتبطان بالمسجد الأقصي بصريح النص القرآني, وثانيتهما في منتصف شهر شعبان, مناسبة تحويل القبلة من المسجد الأقصي إلي المسجد الحرام. سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم)(142 البقرة). ويا كل مرابط بالنفس والنفيس وبالقلم الطاهر واللسان الصادق, ويا كل غيور علي أولي القبلتين وثاني الحرمين: ( اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)( الآية الأخيرة آل عمران) وليكن المسجد الأقصي في نفوسكم ونفوس الأجيال معلما من معالم الإسلام لا يزول ولا يحول, والله غالب علي أمره. أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر