بعد مرور أكثر من أربعة وأربعين عاما علي ذكري انتصار الجيش المصري, جيش العزة والكرامة, بوضعه حدا لانتهكات ما سمي بجيش لا يقهر, ومحوه العديد من التعديات السافرة لدولة اسرائيل الغازية أنذاك, وتحطيم خط بارليف الحصين بملحمة بطولية, تعد من أشهر ملاحم التاريخ المعاصر في فنون القتال, ملحمة أشادت وتعلمت منها أكاديميات العالم العسكرية جمعاء, في كيفية وضع الخطط لاستراتيجيات الحروب. ومع مرور الزمن واختلاف الأيديولوجيات وحدوث متغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية وفكرية, للعالم كله, إلا فإن الحروب لم تنته بعد, لكنها تدار الآن بتكنيك واستراتيجيات مغايرة بحروب من الجيل الرابع والخامس والسادس, خاصة مع التقدم العلمي وازدهار ظاهرة العولمة التي استخدمها الغرب لتفتيت الكتلة الصلبة للشعوب ذوات الحضارات العريقة من ثمة فإن ارض السلام وملتقي الأديان مازلت تروي بالدماء الذكية, فالتاريخ يعيد نفسه دائما في استمرارية لقرابين نقدمها دائما بأطهر الرجال وأنبلهم من حقبة إلي أخري, وهو ما يدعونا للتساؤلات الحيري والمثيرة والمبكية في آن واحد؟ متي تجف الدماء في سيناء محراب القداسة؟ متي يعم السلم في أرض السلام؟ وتندثر الأوجة الكريهة للإرهاب والإرهابيين بشتي أشكالهم المزرية التي تتوالد منذ آلاف السنين علي أرضها الطاهرة بدعوي مسميات لا صلة لها باسم الله الذي تجحلي فيها علي جبل الطور فكانت مهبطا للأنبياء والقديسين, نوح, وإبراهيم الخليل, وموسي, وهارون, ويوسف عليه السلام المدخل الشرقي لمحراب الحب, وباب السلام لمصر. مما لا شك فيه ان موقعها الجغرافي المتميز, بالإضافة لقداستها الدينية كونها ملتقي الديانات السماوية جعل منها أرضا للمطامع بدلا من أن تكون تلك الأرض المباركة هي أرض السلام, لكنها ظلت ساحة للقتال والصراعات والحروب المستمرة عبر التاريخ منذ تحتمس الثالث الذي صنع أول امبراطورية عسكرية إلي صلاح الدين الأيوبي, ثم الدولة الحديثة ومحمد علي, وصولا لحروب القرن الواحد والعشرين والعدوان الثلاثي1956 و57, ثم نكسة1967, والتي أعقبتها بفترة وجيزة لحظات الانتصار بحرب اكتوبر المجيدة1973 في العاشر من رمضان عام1393 هجرية. الجدير بالذكر حقا أن شعب سيناء صامد رغم المحن, ورغم تعدد أوان الحروب التي لم تجف علي ارضها, بين نكسة وانكسار, ورفعة وانتصار, إلا أن أبناءها ورجالاتها ونساءها وشيوخها ظلوا عازمين علي الحفاظ علي جزء غال من أرض مصر, التي تربوا وعاشوا في كنفها, ليس لكونها تراثا فيه ملامح أجدادهم فقط, وإنما كونها بعدا استراتيجيا للجهة الشرقية للزمن القومي المصري والذي يبدأ بفلسطين ثم الشام, من هنا أقول: إن هناك فرقا كبيرا بين أن تعيش علي خط النيران مهددا في كل لحظة بالفناء والإبادة, ونقص في الأموال والأنفس, وعدم استقرار في الحياة وأن تعيش في أمن وسلام ومع ذلك تشجب وتندد وأنت جالس علي المقاهي وأمام التلفاز بلا عمل, بل تريد أن تهبط عليك المائدة من السماء لتأكل وتنام. فرق شاسع بينك وبين من هم يعانون الخوف وينتظرون الموت ويتلقون الطعنات فداء لك في كل لحظة والذين يكتفون بمصمصة الشفاه عقب كل شهيد يموت علي أرض سيناء فتحية للذين حافظوا علي هويتهم المصرية رغم الألم مساندين الجيش المصري في الدفاع عن أرض سيناء المقدسة التي رويت بدماء خير أجناد الأرض فداء وإخلاصا للوطن, كي تظل راية مصر مرفوعة بعزة وانتصار لتحيي الذكريات العطرة دائما وانتصار حرب الصائمين في العاشر من رمضان1973 م.