اعتدنا..نائب رئيس مجلس الدولة ورجل القانون والناقد السينمائي مصطفي درويش والكاتب الصحفي الأستاذ رشدي أبوالحسن والصديق نبيل عبدالفتاح والمثقف الكبير مصطفي الحسيني والأستاذ لويس جريس رئيس تحرير صباح الخير السابق والعبد لله أن نلتقي بين الحين والآخر في احد المطاعم الساعة12 ظهرا بوسط البلد.. أو في حديقة منزل المخرج النيوزيلندي جون فيني الذي تركه في عهدة صديقه مصطفي درويش وفيني هو صاحب فيلم ينابيع الشمس عن نهر النيل وهو من تصوير حسن التلمساني والذي ترك مصر بعد أن عاش فيها40 عاماورحل عن عالمنا في6 ديسمبر2006, وأحيانا يدعونا سيادة المستشار كما اعتدت أن أناديه إلي منزله في وسط البلد لمشاهدة فيلم جديد. كان مثقفا بالمعني الموسوعي..يحكي بشغف عن فيلم جديد لم يعرض بعد في مصر..يحكي عن أخر رحلاته إلي الخارج حيث يدعوه ابن أخته المقيم في المانيا, يعود سعيدا وفي جعبته أهم أفلام خرجت من صناعة السينما العالمية. لم يكن يحب من أكبر منه في العمر, لا أدري ما السبب, وكان يردد دائما أنه سيعيش ابدا..لم يكن يخاف من فكرة الزمن..لديه عقل حاد..عقلاني الي أبعد الحدود, يؤمن بالعلم إلي أخر مدي, يمكن القول انه كان عدميا. كان قامة سينمائية بمفرده, لم يكن فردا في شلة النقد السينمائي, كان ينتقد الجميع بأريحية, لم يجامل شخصية سينمائية في يوم من الأيام..الكل خضع لنقده بشراسة أحيانا, لذا لم يرحب به نقاد السينما قادما من الحقل القضائي إلي الحقل السينمائي, يحكي في كتابه الذي أهداني نسخة منه مصطفي درويش..أربعون سنة سينما كيف انتدب من مجلس الدولة إلي وزارة المصنفات الفنية وفي أثناء ذلك أتيح له أن يمضي ساعات في مشاهدة الأفلام وساعات أخري في كتابة نقد لها جري نشره في أكثر من دورية مصرية, فتولي منصب مدير الرقابة, هناك واجه صعوبات عديدة, كان يعتقد أن كراهيته للفاشية والنازية وانتصاره لحرية التعبير كفيلة بأن ينتصر لحرية السينمائيين في التعبير عن ارائهم..هناك واجه السياسة بعنف..وواجه المكائد التي تحاك له, كان مقدرا لضمير القاضي ألا يحتمل هذه الصراعات, أما أن يسعي هو إلي إنهاء انتدابه أو يبادر المجلس الخاص لمجلس الدولة بانهاء انتدابه حفاظا علي وقار القضاة وتجنيبا لهم من الدخول في صراعات السياسة. فوجئ مصطفي درويش بزحف السياسة اليه في مجلس الدولة حين سعي هو الي انهاء انتدابه, ورمت الاقدار به في أحضان التنظيم الطليعي بل وما يثير السخرية أن القاضي المثقف مصطفي درويش أصبح مسئول التنظيم الطليعي في مجلس الدولة, وما يدهش ايضا أن المستشار طارق البشري كان عضوا في التنظيم وكان رئيسه المستشار مصطفي درويش, وكان فرع التنظيم في مجلس الدولة يتبع أحمد حمروش. عاد مصطفي درويش مرة أخري مديرا للرقابة علي المصنفات فمنح التصريح بعرض أفلام ما كان يجرؤ غيره علي التصريح بها, كانت مرحلة ثورة الشباب في فرنسا1968 التي سرت مسري النار في الهشيم إلي دول أخري واجتاحت العالم موجة الحرية وظاهرة الهييبز, سمح بعرض فيلم انفجار لصاحبه مايكل أنجلو أنطونيوني والفائز بسعفة مهرجان كان عام1967 الذي أحدث ضجة وقتها, أجري حوارا علي مستوي راق مع مخرجين كبار وكتاب سيناريو علي رأسهم شادي عبدالسلام والذي أجاز انتاج فيلمه رغم معارضة واسعة من د.عبدالرازق حسن رئيس مؤسسة السينما وقتها. ثم حين ترك مهنة الرقابة خرج يغرد كالعصفور منتقدا. هذا هو مصطفي درويش أحد الرجال الذين فتحوا نوافذ الحرية والعقل أمام المصريين.. سوف نتذكرك دائما.