رحل يوم الثلاثاء الماضي أحد أبناء جريدة الجمهورية العظماء. الناقد السينمائي الكبير "سمير فريد". لكنها لم تفقده. فقد ترك لنا إرثاً نقدياً رائعاً تزخر به صفحات كل الاصدارات الفنية في مصر والوطن العربي. مرجعاً يمكن التعامل معه بأكاديمية وحرفية. وبتلقائية. فلم يكن سمير فريد ناقداً تقليدياً حافظاً لبعض مصطلحات الأدوات المستخدمة في العمل السينمائي فحسب. ولم يكن باحثاً عن صنع اسم بالصدام مع السينما وصناعها من خلال رؤاه النقدية. وإنما كان دائماً يبحث عن الموضوعية في الفكر والنقد لكل عمل يتعرض له بالنقد. وكان قلمه نظيفاً ومهذباً لا يستخدم ألفاظاً تسيء إلي من ينتقده أو للعمل الذي يعرضه. مدرسة "سمير فريد" تخرج منها أغلب النقاد المتواجدين الآن علي الساحة برغم ندرة النقاد السينمائيين بالأساس. كان يرفض الاستاذية بمعناها التقليدي. وكان كل من يقترب منه يعرف كم تواضعه وبساطته وعطائه. فلم يبخل يوماً علي أحد بالمساعدة والمساندة في أي معلومة يريدها أو أي توجيه يفيده. سمير فريد تسلل لمجال النقد السينمائي برفق حيث سبق دخوله هذا المجال اهتمامه بكل أنواع الثقافة والمعرفة. وكان لهذه الثقافة تأثير واضح علي أسلوب كتابته وأفكاره. وكان دائماً ما يحب الكاتب الفرنسي والفيلسوف "جان بول سارتر" مما جعله مؤمناً بشدة بالحرية. والاستقلال بالرأي. والالتزام بما يراه صحيحاً. والوقوف إلي جانب الإبداعات الجديدة. وكانت كتاباته سواء مقالاته أو كتبه علي قدر بساطتها علي قدر ما تحمل من عمق ووعي في آن واحد. فاستطاع بذلك أن يكسب قارئاً عادياً وقارئاً نخبوياً. وربما لذلك حقق الناقد الكبير الراحل سمير فريد المعادلة الصعبة في جذب قراء غير متخصصين لقراءة مقالات متخصصة. بدأ "سمير فريد" العمل في مجال الكتابة الصحفية بجريدة الجمهورية في الستينيات وتخصص بالنقد السينمائي عام 1965. وكان دائماً ما يشغله تاريخ الأفلام وتاريخ السينما نفسها. وعدم وجود أي كتب أو قواميس دالة تؤرخ لصناعة السينما في مصر. فقام بإصدار كتابه الأول "سينما 65" في محاولة وخرج الكتاب علي شكل دليل سنوي عن السينما في مصر. وهكذا بدأ فريد مشوار التآريخ للسينما في مصر بتأليف عدة كتب. تلت "سينما 65". بهدف "فرض معاملة النقد السينمائي كمقالات في النقد الأدبي. ومقالات النقد المسرحي علي الواقع الثقافي المصري". كما يقول في كتابه "دليل الأفلام المصرية". وبرغم معايشة "فريد" لكل الأحداث السياسية والوطنية الكبري منذ الستينيات وحتي اليوم حرص علي ألا يربط كتاباته النقدية بتلك الأحداث وكان لا يري ضرورة لأن يربط الناقد كتاباته بالسياسة ليصنع ضجة ما حول عمله وفي نفس الوقت كان يعرف جيداً بعيداً عن النقد أهمية وتأثير السينما علي الواقع السياسي والعكس. كانت القضية الكبري التي تشغله وتعد أزمة حقيقية تقف أمام حرية الابداع من وجهة نظر شيخ النقاد السينمائيين سمير فريد هي "الرقابة" فكان يري أن الرقابة تمثل مشكلة للإبداع لأن الفنان يضطر إلي أن علي الرقيب ليظهر مدي موهبته. مما يؤثر أحياناً علي العمل الفني. وكان حريصاً بشدة عن الدفاع عن حرية الابداع والتعبير. الواقعية الجديدة وفي كتابه "الواقعية الجديدة في السينما المصرية" الذي أصدرته له الهيئة العامة للكتاب وهو واحد من أهم الكتب التأسيسية التي أعلنت ظهور تيار سينمائي جديد تبلور في بدايات الثمانينيات من القرن الماضي من خلال مجموعة من الكتاب والمخرجين مثل: خيري بشارة وبشير الديك وداود عبدالسيد ومحمد خان وسعيد الشيمي وغيرهم من كتاب ومخرجين. ضم الكتاب مجموعة من المقالات التي نشرها "سمير فريد" عن ذلك التيار السينمائي الجديد. فمن أهم المقالات التي احتواها الكتاب هي مقالات عن أفلام مثل: "الحريف" و"الطوق والأسورة" و"أحلام". ولكن كان من أهم كتبه ثلاثة كتب هي "أدباء العالم والسينما" و"شكسبير كاتب السينما" و"نجيب محفوظ والسينما". والعديد من الكتب الأخري التي تعد علامات في تاريخ النقد السينمائي والفني ليصبح اسم "سمير فريد" محفوراً من نور في تاريخ النقد الفني المصري الحديث. تكريمات وجوائز والجميل في الأمر أنه علي الرغم من أنه حصل علي تقديراً يناسبه تماماً سواء محلياً أو ودولياً. رغم تأخر هذه التكريمات قليلاً عليه. ويكون آخر تكريم له تكريمه في الدورة الأخيرة في "مهرجان برلين السينمائي" بمنح سمير فريد "كاميرا البرلينالي" التقديرية في حفل خاص في فبراير الماضي. كما حصل علي جائزة الدولة للتفوق في الفنون من المجلس الأعلي للثقافة سنة .2002 وحصل أيضاً علي ميدالية مهرجان كان الذهبية بمناسبة الدورة الأخيرة في القرن العشرين سنة 2000 وتم تكريمه في مهرجانات: نيودلهي ودبي. وشارك في اصدار ثلاث مجلات سينمائية من .1969 صدر له أكثر من 60 كتاباً. رحلة عطاء طويلة قضاها الكاتب والناقد الفني الكبير سمير فريد منذ بداية عمله في المجال الصحفي في الستينيات وحتي آخر نفس في حياته. وكان دينامو لا يهدأ في مهرجانات السينما سواء المحلية أو العالمية. وخاصة مهرجان القاهرة السينمائي ومهرجان الإسكندرية. وكان يصل به الأمر أحياناً أن يسافر المهرجانات الدولية علي حسابه الشخصي حرصاً منه علي متابعة كل ما هو جديد وهام في عالم السينما العالمية وكأنه حريص علي أن يستمر تلميذاً في مدرسة الحياة السينمائية لا يكف عن تعلم أسس الصناعة وكيفية إدارتها حتي يستطيع الكتابة عن تفاصيلها دون جهل بما يحدث من قفزات هائلة في هذا العالم الساحر. ولد في القاهرة أول ديسمبر 1943 ودرس بالمعهد العالي للفنون المسرحية ثم تخرج من قسم النقد في المعهد عام .1965 عمل صحفياً وناقداً سينمائياً في جريدة الجمهورية عام .1964 لقب بعميد النقاد السينمائيين العرب. وكان له مقال يومي في المصري اليوم تحت عنوان "صوت وصورة".