توقفت كثيرا أمام آيات سورة الماعون التي تحمل إجلالا للخلق الرحيم قبل أن تنذر بعقوبة تارك العبادة للخالق. امنحني بعضا من وقتك واقرأها معي بتركيز. بسم الله الرحمن الرحيمأرأيت الذي يكذب بالدين. فذلك الذي يدع اليتيم, ولا يحض علي طعام المسكين.فويل للمصلين, الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون. أنظر معي في تعريف الله للمكذب بالدين. بدأه بأنه من لا يحسن معاملة اليتيم ولا يعطف عليه. ثم أكمل الوصف بأنه الذي لا يسارع باطعام المساكين ولا تقديم يد العون لهم وهي تمتد في اعتقادي لما هو أكثر من إطعام. ثم أتبعها بالحديث عمن يسهو عن صلاته. دعونا ننظر لكلمات الله البليغة فهي تعني ببساطة أهل مصر-الذين آتاهم الله الحكمة فلخصوها في امثال شعبية راقية منذ زمن- جبر الخواطر علي الله. بمعني أن تطييب نفوس الناس و الأخد بخواطرهم وجبرها و عدم كسفها, لها معاني كبيرة للغاية اجرها عند الله فقط. نعم لخصت تلك العبارة مفهوم عظيم في علاقة الانسان بغيره من البشر وبخالقه. لتتوائم مع معني آيات الله التي جعلت جبر الخواطر مقدما علي عبادته وبركن من أركان الاسلام الخمس وهي الصلاة. أي روعة في دين الله الذي جعل الخلق بالتراحم و تطييب النفوس مقدما علي عبادته؟ أي خالق هذا الذي يقدم المخلوق الضعيف- سواء كان يتيما أو مسكينا فقيرا- علي عبادته هو مالك الملك؟ أي انسانية في دين الله التي جعلت التكذيب به مبدوءا بالقسوة علي اليتيم و عدم اطعام المسكين؟ توقفت يا سادة عند الخالق الذي منحنا هذا الفهم الراقي لدينه و تساءلت أين نحن من دين الله هذا؟ وهل ما نؤمن به وندعي الاتيان به من عبادات قد انعكس علي سلوكنا لنتحاشي التكذيب بالدين؟ وتساءلت في ظل عالم باتت القسوة ملمحا له كم يعيش بيننا من مكذب بالدين وفقا لتلك الرؤية الالهية؟ وأدركت ان الكثيرين منا بهذا المنطق مكذبين بالدين بين ممارس لقسوة علي يتيم أو آكل لحقه في ميراث أو ميتم له بالفعل. وأدركت كم تعالينا علي مساكين ولم نرحم بعضنا بعضا وليس فقط المساكين منا, فكم منا مكذب بالدين يا سادة في زمن تاهت فيه ملامح البشر و استوطنتهم قسوة المادة و طغيانها لتنهش الرحمة بداخلهم. وتساءلت أين مشايخنا وعلماء الدين فينا ليتحدثوا ليل نهار عن تلك الاية ليدرك الناس كم فاتهم من التصديق بدين الله. نعم قال الله إن المكذب بالدين هو من يكسر بخاطر الناس ولا يجبر بها ولا يرحمهم. نعم قال الله إن جبر الخواطر سلوك المصدقين بدينه فهل أنتم مصدقين بدينه؟ ان كنتم فلا تجرحوا يتيما ولا تأكلوا حقه و لا تهينوه ولا تشعروه بيتمه و لا تقللوا من شأنه. إن كنتم فلا تتجاوزوا المسكين دون صدقة بابتسامة أو طعام أو حاجة تقضونها له. إن كنتم فقدموا حقوق العباد علي حقوقكم لتدركوا رضا الله و تستشعروا قيمة السجود له. إن كنتم مصدقين بالدين فاعلموا أن جبر الخواطر علي الله وجبرها يكون بالطبطبة و الإبتسامة في وجوه عبيد الله ومد يد العون لهم في كل لحظة لا لتكون مصدقا فقط بدين الله ولكن ليفتح لك أبواب رحمته فلن تكون أبدا أكرم من الخالق, ولا يعقل أن تجبر خواطر الناس فيكسر هو بخاطرك. اجبروا خواطر البشر يجبر بخواطركم خالق البشر. فجبرها لا يحتاج لمال أو امكانيات أو نفوذ. ولكنه يحتاج لضمير حي, ونفس لوامة وحاضرة ومدركة حقيقتها وحقيقة الإيمان و التدين, وقلب عامر بالفهم والبصيرة بقيمة الأخلاق السابقة للعبادة. وتبقي كلمة... لا يهم ان تكتمل عباداتك بينما اخلاقك ناقصة...اجبر بخواطر الناس و ارحم ضعيفهم ومسكينهم ولا تتجبر علي احد منهم تكن من المصدقين بالدين. وللحديث بقية...