انتهيا في مقال سابق حول قضية علماء مصر في الخارج إلي ان العديد منهم مع واقع مصر ومستقبلها تفاعلوا, وقدموا خبراتهم وعلمهم من اجل تعامل مصر مع مشكلاتها ونحو نهضتها. من هذه الشخصيات ثلاثة عملوا في مؤسسات عالمية, لها دور في القضايا الاقتصادية والاجتماعية والتنموية لدول العالم, وخاصة الناشئة منها, وأعني بهذه المؤسسات, البنك الدولي للإنشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي, هذه الشخصيات:د.إبراهيم شحاتة, د.سعيد النجار ود.إسماعيل سراج الدين,ونستطيع ان نضم اليهم في الجانب الاقتصادي د.محمد العريان الذي بلغ ارفع المناصب في مؤسسات اقتصادية ومالية. هؤلاء الأربعة يجسدون عمليا هذه المقولة,فإبراهيم شحاتة بلور خبراته وعلمه في العمل الضخم الذي قدمه قبل رحيله وصيتي لبلادي في هذا العمل رصد كل قضايا مصر الأساسية ومعضلاتها,وقدم نصيحته حولها,وسوف يظل هذا العمل رغم انه كتب في التسعينيات,مرشدا في التعامل مع هذه القضايا والمشكلات. اما سعيد النجار,فقد عبر عن ارتباطه بمصر وواقعها ومستقبلها عندما عاد في الثمانينيات لكي يستقر فيها ولكي ينشئ ما اسماه جمعية الفكر الجديد وكانت رسالتها التبشير بفكر جديد تحتاجه مصر في قضاياها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية, وقد اختار إسماعيل سراج الدين ان يكون العمل الثقافي هو مجال عمله بعد عودته من منصبه كنائب أول للبنك الدولي, ولكي يواصل ويدير علي مدي15 عاما ما اصبح منارة ثقافية في مصر ونافذة مصر علي العالم ونافذة العالم علي مصر وهي مكتبة الإسكندرية. وفي العمل العلمي يبرز اسم د.أحمد زويل, الذي لم تشغله بحوثه العلمية في ابرز الجامعات الأمريكية والتي توجت بجائزة نوبل في العلوم, والمكانة التي حصل عليها في الولاياتالمتحدة وجامعات العالم, لم تشغله عن مصر ومشكلاتها ورؤيته لمستقبلها,والتي بلورها في مجالين حاسمين لتعليم وبناء قاعدة علمية تضع مصر علي خريطة العالم العلمية, وهي الرؤية التي حققها عمليا في تأسيس جامعة زويل للعلوم والتكنولوجيا..كما يبرز اسم كل من د.مجدي يعقوب الذي يعلم الجميع المكانة العلمية في مجال الطب التي حققها في انجلترا والعالم,ولكن قلبه وعقله كان مع مصر حيث أسس في جنوب مصر مؤسسة مجدي يعقوب لجراحة وأبحاث القلب والتي أصبحت منارة طبية وعلمية في هذا المجال..والثاني هو د.فاروق الباز الذي شغل موقعا قياديا في اكبر مؤسسة للفضاء في الولاياتالمتحدة وهو يستخدم علمه وخبراته في استكشاف الفضاء لكي يقدم لمصر منذ عقود مشروع ممر التنمية ومشروع المثلث الذهبي. النماذج السابقة ليست الأخيرة, فهناك المئات من الشخصيات المصرية الذين يشرفون مصر في المناصب العلمية التي يشغلونها في مواقعهم في الخارج وأثق انهم علي استعداد للمشاركة في عملية النهوض والتنمية التي تجري في مصر, ومن بين هذه الشخصيات شخصية مصرية لم تغب عنها منذ ان غادرها للدراسة عام1949 وشغل مناصب متميزة في الأممالمتحدة ثم في جامعات نيويورك وهو د.ياسين العيوطي, وخلال هذه العقود وهو يكتب ويحاضر عن القضايا والتطورات المصرية وقد تبلور هذا في كتابين عن ثورتي25 يناير و30 يونيو. نأمل ان يكون مؤتمر علماء مصر الذي عقد مؤخرا في الغردقة واستجاب له27 عالما مصريا في الخارج, بداية للتواصل المنتظم معهم لا حدثا موسميا, وقد كان من المشجع أن خرج عن المؤتمر آليات لضمان استمرارية التواصل بين هؤلاء العلماء وبين المؤسسات العلمية وغيرها من المؤسسات المعنية وإشعارهم ان ما طرحوه خلال المؤتمر من افكار ومشروعات هي موضع الاهتمام الجاد من هذه المؤسسات وهذه مسئولية وزارات الهجرة والمصريين في الخارج والخارجية, والبحث العلمي ومؤسساتها, وهو ما يتطلب التنسيق الدائم والمنتظم والتكامل فيما بينهم.