لن تكون مصر يوما مرتعا للبلطجية والخارجين علي القانون الذين استغلوا ما تمر به البلاد من ظروف طارئة لاشاعة الفوضي, بل وبلغت بهم الوقاحة حد الاعتداء علي الهيئة القضائية رفضا لأحكامها علي المجرمين. فقد تعهد اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية أمس بتوفير الحماية الأمنية الكافية للمحاكم من خلال الاستعانة ب50 ألف جندي من القوات المسلحة وذلك في إطار خطة تأمين المحاكم التي كشف عنها لمجلس إدارة نادي القضاة. وكان نادي قضاة مصر قد عقد الجمعة الماضية جمعيته العمومية غير العادية لمناقشة الأزمة واستقر الأمر علي امهال الحكومة اسبوعا ينتهي غدا الجمعة لوضع خطة لتأمين المحاكم للحفاظ علي هيبة القضاء أولا وتأمين سير نظر القضايا والقضاة أنفسهم. وبهذا تمت معالجة الأمر بما يحافظ علي هيبة القضاء التي هي جزء لا يتجزأ أمن هيبة الدولة ذاتها؟ يقول المستشار حسن حسن منصور نائب رئيس محكمة النقض إنه زادت في الآونة الأخيرة حالات الاعتداء علي أبنية ومقار المحاكم بل والنيابة العامة من بعض البلطجية والخارجين علي القانون الذين يترددون علي قاعات المحاكم بحكم قرابتهم للمتهمين خاصة عند نظر القضايا ذات الصفة الجنائية أو التي أثير بشأنها الرأي العام وهؤلاء الأشخاص هدفهم التربص بقرارات المحاكم والنيابة التي لا تتفق مع ما كانوا يريدونه أو يتمنونه ولا ينتظرون الفصل النهائي في تلك القضايا, مشيرا الي أن هذا الوضع هو نتيجة للفوضي والغياب الأمني الذي تعاني منه البلاد بعد أحداث الثورة. ويطالب منصور بتأمين المحاكم من خلال حراسة مشددة علي أقفاص الاتهام أثناء نظر القضايا وخاصة في جلسات النطق بالأحكام وهذه الحراسة من الممكن أن تكون من الشرطة أو من الجيش لمواجهة تلك الأوضاع الصعبة التي يضطر معها القاضي وهيئة المحكمة في العديد من القضايا الي الخروج من الباب الخلفي لقاعة المحكمة خوفا من التعرض لأذي بعد النطق بالحكم, الي جانب وجود شرطة قضائية لحماية أعضاء السلطة القضائية وحماية وتأمين أبنية المحاكم من ناحية, وتشديد العقوبة علي من يفر من قاعة المحكمة خاصة وأن العقوبة القانونية لذلك تتراوح بين24 ساعة وثلاث سنوات لكن في الواقع تطبق عقوبة مدتها من شهر الي شهرين وتدرج تحت مسمي جنحة هروب مع اعتبار هذا الفرار جريمة مخلة بالشرف فضلا عن تشديد عقوبة الاعتداء علي هيئة المحكمة وأعضائها واعتبارها اعتداء علي موظف أثناء تأدية عمله خاصة في الظرف الراهن الذي تمر به البلاد وذلك تحقيقا لهيبة العدالة واستقرار المجتمع. وفي إشارته للجمعية العمومية غير القضائية التي عقدها نادي القضاة الجمعة الماضية يحذر منصور من أن الجمعية العمومية ملتزمة بالقرارات التي اتخذتها وأنه في حال عدم توفير التأمين الكافي للمحاكم سنضطر لتعليق العمل بالمحاكم والنيابة والكلام علي لسان منصور لصون العدالة والقائمين عليها. ويعتبر المستشار ياسر نصر نائب رئيس محكمة النقض أن الاعتداء علي القضاة ومحراب العدالة يبعث علي عدم الطمأنينة في النفوس سواء القضاة أو المواطنين مما قد ينتج عنه التوقف عن إقامة العدالة بين المواطنين وتعليق نظر القضايا ومن ثم ستسود المجتمع شريعة الغاب. ويطالب نصر وزير العدل بإصدار مرسوم بقانون لانشاء قطاع أمن خاص بالمحاكم ضاربا المثال بقطاع الأمن الخاص بقطاع الطيران والذي له رتبه وهيكله التنظيمي وفي الوقت نفسه منفصل عن وزارة الداخلية مناشدا وزير العدل النظر في هذا المطلب خاصة وأن هذا القطاع سيتولي تأمين القضاة أنفسهم وتأمين سير نظر القضايا علي أن يتلقوا تدريبا مدته ثلاثة أشهر بأكاديمية الشرطة. كما يناشد نصر شباب الثورة قائلا: أناشد من قلب قاض آلاف الأفاضل الذي وقفوا في ميدان التحرير وحرروا مصر أن يكملوا المسيرة وعدم ترك البلاد عرضة لما تمر به من ظروف فالثورة لابد وأن تبدأ الآن بأن يقف هؤلاء الشباب مع الحكومة يدا واحدة لمعالجة الانفلات الأمني الي أن يستتب الأمن وتجري الانتخابات التشريعية والرئاسية ويحكم البلاد رئيس جمهورية منتخب. فيما يصف المستشار معتز كامل مرسي أمين عام مجلس الدولة ما تتعرض له الهيئة القضائية بأنه أمر غير جائز فالقاضي يؤدي رسالة إلهية بتحقيقه العدل علي الأرض ولا يمكن قبول الاعتداء عليه ومن يفعل ذلك هم أشخاص يستغلون الظروف وما تمر به البلاد لتشويه الصورة. ويؤكد أن الحل يكمن في الشرطة القضائية علي أن تكون تابعة لوزارة العدل تبعية مباشرة ولابد من توعية المواطنين من خلال وسائل الاعلام وجميع الوسائل الممكنة فالحكم عنوان الحقيقة ولا يمكن الاعتراض عليه مثل هذا الاسلوب, مؤكدا أنه مهما مرت من ظروف قاسية علي القضاء المصري فلا يمكن إلا أن يكون متماسكا وواقفا علي قدميه داعيا الي ضرورة احتواء ما يحدث قبل أن يتحول الي ظاهرة. إلا أن رجائي عطية المحامي وعضو مجلس الشوري سابقا يقول إن الاعتداء علي القضاة هو فرع من فروع حالة الفوضي الشاملة والانفلات الذي تعاني منه البلاد في مجالات متعددة وهو أمر لم يطل القضاء وحده بل طال النساء والأطفال والممتلكات العامة والخاصة ودور العبادة فهناك حالة من الانفلات الأمني والبلطجة والاجتراء علي محارم القانون. ويري عطيه أن الاشارة الي أسباب هذه الحالة أدعي من وضع اجراءات للتغلب عليها حيث إن القضاء علي هذه المسببات سوف يعالج الوضع تلقائيا, فيقول إن هناك أسبابا أدت إلي ذلك فلا يزال أكثر من9 آلاف سجين ممن هربوا من السجون في الأيام الأولي للثورة هاربين ولا جدال في أن هؤلاء يتصرفون في المجتمع بالاجرام الذي اعتادوه, كما أن الأمر لم يقتصر علي هؤلاء المجرمين بل إن الحكومة أسرفت في استصدار قرارات الافراج بعد قضاء نصف المدة وهي قرارات يري عطية أنها لم تأخذ حظها من التأني والدراسة الكافية كما أن قرارات الافراج شملت المعتقلين كذلك ومنهم الجنائيون ومنهم المسجلون خطر والافراج عنهم جاء متزامنا مع استمرار هروب المجرمين من السجون مما شكل إضافة للأعباء الأمنية الحالية. ويضيف عطيه قائلا: واضح أن الإدارة المصرية ليس لها منظور متكامل تستطيع من خلاله التعامل مع الأوضاع الراهنة فضلا عن المشكلات الطائفية التي لم يتم التعامل معها بحزم حتي الآن فضلا عن تسرع الدولة في اختيار المحافظين مما أوقعها في مأزق محافظ قنا واضطرت الحكومة للتراجع بتجميد محافظ قنا الذي اختارته3 أشهر. وحذر من أن مصر في مرحلة تحتاج لاستعادة هيبة الدولة واحترام القانون والثورة لن تعد ثورة اذا تحولت الي هوجة. ويؤكد ناصر أمين مدير مركز استقلال القضاء والمحاماة أنه لا بديل عن انشاء هيئة الشرطة القضائية مشيرا الي أن هذا المطلب تتم المناداه به منذ15 عاما ولم يجد من يستجب له وأنه آن الآوان في ظل ما تتعرض له المحاكم والهيئة القضائية لتنفيذه وهي الفكرة التي وضع لها مركز استقلال القضاء عددا من الاجراءات وهي أن تكون هذه الهيئة تابعة لوزارة العدل ومنفصلة تماما عن وزارة الداخلية ومهمتها تأمين قاعات المحاكم وجلسات نظر القضايا وحماية القضاة أنفسهم وتعمل علي تيسير تنفيذ أحكام القضاء, فإنشاء تلك الهيئة هو المخرج الحقيقي من الأزمة الحالية كما أن تلك الهيئة موجودة لها مثيلات في العديد من دول العالم. ولحين انشاء تلك الهيئة يؤكد أمين ضرورة أن تقوم وزارة الداخلية بدورها في حماية وتأمين المحاكم وتأمين القضاة أثناء تأدية عملهم ووضع مبدأ الأمن والعدالة علي أجندة أولويات المرحلة الراهنة, مشيرا الي أن ما يحدث الآن هو نتاج طبيعي لضعف الوجود الأمني كما أن ما تعرض له جهاز الشرطة أثر بالسلب علي تحقيق الأمن والحماية للمحاكم نظرا لأن ذلك هو مهمة من مهمات الداخلية في الأساس.