لم تكن وردة تحلم بالثراء والعريس الميسور الذي ينتشلها من براثن الفقر المدقع الذي أوجدتها فيه الأقدار ولكن حلمها البسيط لم يتعد الستر بين أربعة جدران مع رجل تحبه وتستشعر معه الأمان, تبيت وتصحو دون أن يشغلها هم لقمة العيش في الغد, تحلم بأطفال هم الأمل والرجاء يمرحون حولها بشقاوات البراءة وتستند إليهم عند انحناء ظهرها في خريف العمر.....! تحقق الحلم مع شاب من أبناء المنطقة لم يكن مميزا بين أقرانه غير أنه فتي يشتعل الشباب فيه قوة وإقداما, تقدم لها وحمل مسئوليتها علي ذراعه يعمل ليل نهار كي يسعدها.. بيت الزوجية السعيد جمعهما في حياة جديدة رحبة وكأنه عالم يعيشان فيه بمفردهما, حجرة واحدة ملحق بها حمام أعلي سطح أحد العقارات كأنها القصر المنيف.. اكتمل لديها ما أرادت من ستر العيش وانتظرت اكتمال الحلم بمقدم وليدها الأول الذي عندما تحرك في أحشائها تحركت معه الدنيا نحو السعادة والفرح, ولكنها الأقدار أرادت لها اختبارا قاسيا عليها أن تتجرع مرارته في كل يوم ألف مرة فقد جاء الأمل طفلا وجهه كالبدر يوم اكتماله يبتسم للدنيا ابتسامة ساحرة ولكنه يصرخ بصوت مكتوم مختنق, ساقاه ملتصقتان, تلتفان حول بعضهما البعض, زائغ العينين أحواله غير مستقرة.. قدر طاقتها وزوجها ذهبا للحكيم الذي مزق قلبيهما بما قال.. أتي الصغير مهند إلي الدنيا غير مكتمل النمو العقلي تسبب له في ضمور كامل في أطرافه الأربعة.......! أورثهما الحكيم اليأس عندما قال إن وليدهما مهند كتب عليه أن يعيش وكأنه ميت جثة بلا حراك مدي الحياة.. وعادت الأم تحمله بقلب يرتجف تقطر عيناها دما, تساورها قلة الحيلة بأسوار من الفقر والمرض فتجلس القرفصاء تبكي لا تدري متي تنقشع عنها تلك الظلمة القاتمة...........! اعتادت وردة واقعها الجديد وعرفت كيف تجعل من ابنها فاقد كل أسباب الحياة إلا من روح وقلب ينبض طفلا شبه طبيعي فقد كانت له قدمان يسير بهما, فذراعاه يأكل ويلوح بهما للدنيا, ينظر إليها بابتسامته العاجزة فتفهم من توها ماذا يريد وما هي إلا لحظات خاطفة وتلبي له طلبه, تدخل معه الحمام, تغير له ملابسه, تحمله إلي الشارع فوق كتفها, تسعي به بين الأطفال يشعر أنه مثلهم ويلهو بينهم, تمضي الشهور والأيام وجسد مهند ينمو ويكبر شيئا فشيئا ولكن عقله متجمد لا يتحرك, متوقف عند مرحلة الطفولة المبكرة لا يبرحها........! أحست وردة أن الله يكافئها علي صبرها وعذابها فرزقها بعد ست سنوات من الشقاء بطفلة جددت لها الأمل في الحياة, أسمتها رحمة تيمنا برحمة ربها ونعمته عليها, ولكن نعم الله لم تتوقف معها فقد رزقت بطفلتها الثالثة ملك بعدها بثلاث سنوات وبعدها بست سنوات جاءتها عزة.. ثلاث بنات هن الحياة والسعادة تستند إليهن في رعاية أخيهن الأكبر مهند الذي مازال حبيس فراشه.. تسعة عشر عاما مضت به وهو علي حاله والأم لم تكل أو تتعب, تخرج للعمل في الصباح في عون زوجها لتدبير أود العيش واحتياجات البنات وعلاج مهند الذي يبلغ وحده أكثر من أربعمائة جنيه وهي لا تملك من حطام الدنيا غير عافيتها وزوجها وكوم لحم تجري عليهم والزوج شقيان ليل نهار إلا أنه سقط فجأة في براثن المرض لا يقوي علي العمل يخرج يوما ويلزم فراشه عشرة.. وتحملت وردة ثقل المسئولية في البيت وخارجه بمفردها لا تكل ولا تمل حتي خارت قواها هي الأخري, لم تعد تقدر علي حمل مهند والبنات, خانتها صحتها ومرض رجلها, مازالت الدنيا تقسو عليها بلا هوادة, أسوار اليأس تحاوطها من جديد.. لم يتبق لها غير بصيص أمل يشرق في قلوب أهل الخير فقررت أن تأتي إلينا في الأهرام المسائي تطرق أبواب الرحمة لعلها تنفتح أمامها بالفرج وتنقشع ظلمة اليأس. تقول وردة سيد محمد: عمري يقارب الأربعين ولكني عشت دهرا بكامله أعجزتني الهموم وأيام الشقاء, عشت مع زوجي جمال اسماعيل محمد اثنين وعشرين سنة هي المعاناة بعينها حاول هو أن يسعدني ويجنبني الدنيا وشقاءها لكن ضربات القدر كانت أقوي منه ومني, عشت أنا وهو من أجل أولادنا.. مهند الكبير19 سنة ورحمة12 سنة وملك9 سنوات وعزة3 سنوات نقيم في منطقة الكيت كات شارع محمد عبد العال في حجرة علي السطح ولكني أشعر أنها مملكتي الخاصة يكفي أنها تسترني وتستر بناتي.. ولكن المشكلة الحقيقية أن ابني الكبير مهند مريض بضمور كلي بأطرافه مولود به يعيش بعلاج شهري للمخ والأعصاب يقارب ال400 جنيه ولا أقوي علي شرائه كاملا ولا أستطيع أن أصف لك كيف أن قلبي يتمزق ألما عليه وأنا أراه يتعذب من دون العلاج.. الأطباء قالوا إنه يحتاج لإجراء جراحة لفصل ساقيه عن بعضهما لأنهما ملتفتان حول بعضهما.. يعيش دائما في الفراش عاجزا حتي عن التحرك من مكانه........ ضاق الحال بيا وتعبت معدتش قادرة ع الشغل والحمل تقيل أنا مش طالبة مساعدة كل اللي بتمناه أن يتسع صدر اللواء كمال الدالي محافظ الجيزة لحالنا ويمنحنا رخصة كشك نستعين به علي مصروفات علاج ابننا العاجز خاصة وأن زوجي عامل باليومية ظروفه ضيقة و معدش قادر علي الشغل وأنا مش عارفه أعمل ايه سنين طويلة بشيل ابني علي ايدي لغاية ما الدم بقي مبيوصلش لكفة ايديا ومحتاجه عملية تسليك أوردة ولا املك من حطام الدنيا حاجة. لعل أهل الخير يمدون لنا يد الرحمة بفرصة عمل تناسب ظروفنا ولعل الدكتور أحمد عماد الدين وزير الصحة يرق لحال مهند ويصدر توجيهاته بإجراء جراحة فصل ساقي ابني مهند من بعضهما علي نفقة الدولة. بهذه الكلمات تقطر ألما وشقاء حكت وردة حكايتها ورحلتها مع العزاب ولعلها تنتهي بمعونة أهل الخير وتجاوب محافظ الجيزة ووزير الصحة.