امتلأ قلب فتحية بالفرحة عندما علمت من طبيب المستوصف الخيرى أنها حامل. كلما أحست بالجنين يتحرك فى أحشائها توقن أنه نعمة المولى عز وجل عليها، والتى بدأت بزواجها من أحمد الشاب الذى يعيش إلى جوار مسكن والدها وحلم بنات قريتها بنوفر مركز كفر الزيات. هذا الحلم بالزواج منه تحقق واكتملت نعمة المولى بحملها، وها هى فى شهرها الأخير توشك الأيام أن تنقضي ويخرج المولود إلى الدنيا يطلق صرخاته البريئة ويملأ بها أجواء البيت سعادة وفرحة واكتمل الحلم وعمت السعادة البيت بمقدم الصغيرة كريمة وملأت قلبى أبيها وأمها بالفرحة ويخرج الأب فى صباح كل يوم فاتحا ذراعية القويتين للدنيا يشقى بهما ويعرق حتى يعود فى آخر النهار منهكا يتصبب العرق منه، وفى يده ما يسد رمق وجوع أسرته ولا ينسى صغيرته الجميلة كريمة ب“الشخليلة“ التى طلبتها الأم منه كى تهدهدها بها، مرت الأيام سريعة وانطوت ومعها السعادة التى كان عمرها قصيرا فقد كانت الصغيرة على حالها لا تتحرك. فى البداية ظن الأبوان أن أنبتهما طبيعية، وأن أمر حركتها قد يكون متأخرا بعض الشىء أو أنها فى حاجة لمتابعة من أحد اخصائى طب الأطفال، ولم يكذب أحمد خبرا حمل ابنته إلى أحد الأطباء وأجرى لها جميع الفحوص الطبية التى قررها الطبيب، وفى النهاية بدت الحقيقة الصادمة التى أدمت قلب الأب وكأن خنجرا مسموما قد نفذ من صدره إلى قلبه ويكاد يقضى عليه، أطلقت الأم صرخة فزع مدوية انتهكت سكون البيت عندما أخبرها أحمد بأن ابنتهما تعانى من ضمور بالمخ تسبب لها فى إعاقة ذهنية وحركية كاملة، وأنه قد كتب عليها أن تعيش أسيرة الشلل الكامل فى أطرافها الأربعة عاجزة عن الحركة والكلام، ولا تقوى حتى على الاستيعاب الصحيح للأشياء، كتب على كريمة أن تكون روحا تسكن فى جسد ميت طريح الفراش بلا أمل فى الشفاء. لم يكن الأمر هينا على أحمد وزوجته فتحية اللذين خيم عليهما الحزن وأحاط بهما يأس مطبق خانق، ولكن إيمانهما بالله ويقينهما أن ما وقع لابنتهما ليس إلا قدرا وحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى، كل هذا أنزل على قلبيهما شيئا من سكينة وأخذا يفكران كيف يقومان على رعاية الصغيرة العاجزة كريمة، وكيف يسعدانها كلما قامت فتحية بإطعامها ورأت الابتسامة تملأ وجه الصغيرة، كلما أحست بالرضا والطمأنينة لم تكن كريمة تصرخ أو يصدر منها أى صوت مثل باقى الأطفال فى سنها، ولكنه أنين وصفير مبحوح تحاول أن تعبر به عما تريد، ومع الوقت استطاع الأب والأم بقلبيهما المفعمين بالحب والخوف أيضا أن يفهما لغتها ويعرفا ماذا تريد صغيرتهما وشيئا فشيئا اعتاد الأب والأم حياتهما ورضيا بما قسمه الله لهما من حياة وبقدر الرضا واليقين كانت نعمة المولى سبحانه وتعالى الذى عوضهما عما هما فيه بأن رزقهما من بعد كريمة بثلاث بنات أخريات وولد وكانوا جميعهم طبيعيين وعادت الفرحة والسعادة إلى البيت المكلوم وكبرت كريمة وكبر أشقاؤها الذين أحاطوا بها وكانوا يشتركون مع الأب والأم فى إضفاء شىء من السعادة والمرح عليها كريمة الآن فى السادسة عشرة من عمرها، ولكنها مازالت كما هى طريحة الفراش عاجزة عن الكلام او والفهم وكأنها رضيعة فى جسد فتاة بمقتبل شبابها وحياتها عندما حضرت إلى فتحية وهى تحمل ابنتها الشابة وكأنها طفلة صغيرة أحسست أن قلبها الذى انفطر عليها خوفا وأملا فى الغد هو الذى يحكى لى حكاية كريمة. قالت الأم لست ناقمة على الدنيا التى وهبتني ابنتي هذه بكل ما يحيط بها من عجز ومعاناة، ولا ينقضي ليلى إلا وأنا أحمد المولى وأشكر فضله على وعليها وعلى أولادى إخوتها الذين يحبونها أكثر مما أحبها أنا، وهذا يطمئنني عليها عندما أموت فأنا سوف أتركها فى رعاية شقيقاتها البنات، وفى كنف أخ يحبها، ولن يتخلى عن مسئوليتها أبدا. ولكن ما يشقيني هو ذلك الحمل الثقيل من المسئولية التى لم أكل بها لا أنا ولا زوجي أحمد أبدا، حتى داهمني مرض الكبد وبت مهددة بالموت الذى يتخطف أيامى الباقية أنا لا اخشي الموت ولا أهابه وأعرف أن لكل إنسان نهاية فى هذه الحياة، ولكنى أريد أن اطمئن على بناتى قبل أن أغادر الدنيا. أحلم بجهازهن وزواجهن واستقرارهن فى بيوتهن وبعدها يهون كل شىء الحياة نفسها لن تكون لها قيمة حتى كريمة يصعب على اننى لم أستطع أن اشترى لها كرسيا متحركا تتحرك به فى البيت والشارع حتى تشعر بشيء من السعادة والمشاركة للناس بدلا من أسوار العجز التى تحيط بها ليل نهار، ولا ألوم زوجي فى شىء فهو فى شقاء ليلا ونهارا من أجل لقمة العيش وتلبية طلبات أولاده. كل ما أتمناه أن أجد واحدا ممن اختصهم الله لقضاء حوائج الناس يعيننى على ما أنا فيه. يا سيدتى ربما كانت قسوة الحياة مؤلمة وربما اشتدت هذه القسوة بأصحابها إلى حد الشقاء الدائم، ولن كما أن للدنيا وجها فى كبد ومعاناة بالتأكيد هنالك وجه آخر لها يرى فيه الإنسان اسباب سعادته، وما يخفف عنه آلام ومعاناة الوجه القاتم للدنيا، وأنت يا سيدتى قد من الله عليك باختبار قاس فى هذه الدنيا نجحت فيه أنت وزوجك نجاحا باهرا وأنعم الله عليكما برضائه ورحمته ووهبكما الابن والبنات. رزقكما بالعوض الصالح لما أنتما فيه من معاناة مع ابنتكما المسكينة كريمة وثقى يا سيدتى ان ما نتراحم به فى الدنيا بعضنا البعض، ويجعل هناك أواصر من الشفقة بيننا ليس إلا قبسا قليلا من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده يوم المشهد الأعظم وتذكرى قول الله تعالى فى محكم آياته من الآية 95 من سورة النساء” لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما” صدق الله العظيم، وهكذا ترين أنك وزوجك فى مصاف المجاهدين فى سبيل الله من وعدهم المولى عز وجل بالأجر العظيم وفضلهم على غيرهم ووعدهم بالحسنى فى الخاتمة، وكانت الجنة هى الفوز العظيم لهم فهنيئا لكما ما ينتظر كما فى رحاب الله جلت قدرته أما هؤلاء من امتلأت قلوبهم رحمة فهم كثيرون وبالتأكيد سوف يكون هناك من يرق لحالك وحال أسرتك ويسعه أن يساعدك على تحمل هذه المسئولية الثقيلة. E.M : Khaled_el [email protected] للمراسلة : القاهرة - شارع الجلاء رقم بريدى 11511 الاهرام المسائى - فاكس 25791761 - تليفون : 0227703100 - 01229320261