إذا كان يوجد شىء يمكن أن يتفق عليه البشر جميعا، فإن هذا الشىء هو السعادة، باعتبارها الهدف النهائى للإنسان. وغرض الدين، والفلسفة، والعلم، والحكمة هو تحقيق السعادة القصوى، والكمال الأخير الذى يمكن أن يبلغه الإنسان، كما يقول الفيلسوف الفاربى فى كتابه «تحصيل السعادة». ولكن كيف يمكن لنا أن نصل إلى تحقيق السعادة؟ هنا اختلف البشر اختلافا شاسعا، فثمة من ظنوا أن السعادة فى كثرة المال والولد، أو السعادة فى السلطة والجاه، أو السعادة فى قضاء الأوطار ونيل الشهوات، أو غير ذلك من الظنون والخيالات. فهذه الأنواع المادية من السعادة المتخيلة ما هى فى الحقيقة سوى أوهام وضلالات تبعد الإنسان عن سواء السبيل. ولذلك يقول أبو حامد الغزالى فى كتابه الموسوعة «إحياء علوم الدين» «الإنسان إذا ما تشعبت به الهموم فى أودية الدنيا، فلا يبالى الله فى أى واد أهلكه». وإذا كانت نعم المولى عز وجل لا تحصى، فإنها جميعا قد لا تؤدى بالإنسان إلى السعادة، فالأمر ليس مجموعة من الشروط أو الرغبات، التى إذا ما توفرت للإنسان وصل إلى السعادة، لأنه لا شىء خارجنا يمكن أن يجعلنا سعداء. أما السعادة الحقيقية فمصدرها واحد فقط، وهو الحق سبحانه وتعالى، ومن ذاق هذه السعادة لا يحتاج إلى أى شىء آخر، فقد استغنى بالله عمن سواه. وفى كتاب «الإشارات والتنبيهات» للفيلسوف ابن سينا، يقول: «ولا يقعن عندك أن السعادة فى الآخرة نوع واحد»، فقد قال تعالى: «لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد» (ق: 35). ولا مطمح إلى سعادة الآخرة إلا بالتقوى، وكف النفس عن الهوى، والإقبال بكنه الهمة على الرحمن الرحيم، فمن كان لله كان الله له. وقد شرع الحق سبحانه للبشر قانون وجودهم على الأرض، فى قوله تعالى: «قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى» (طه: 123، 124). فلا ضلال ولا شقاء لمن يتبع الهدى الإلهى. أما من يعرض عن سبيل مولاه، فمصيره الشقاء والهلاك فى الدنيا والآخرة. وسعادة البشر ترتبط بقيمهم الأخلاقية، فقد قال سبحانه: «إن الأبرار لفى نعيم. وإن الفجار لفى جحيم» (الانفطار: 13، 14). وهذا لا يكون فى الآخرة فحسب، بل وفى الحياة الدنيا أيضا. فالأبرار لا يحملون هما، كما يقول ابن عطاء الله السكندرى: «حق العبد أن لا يعول هما مع سيده»، والسالك إلى الله تعالى يرى الجنة وهو فى الدنيا، والفردوس الأعلى معه فى قلبه إن أمكنه الوصول إليه. فطريق السعادة إذن هو العلم والعمل، ولذلك قال المسيح عليه السلام: «وأما من عمل وعلم، فهذا يدعى عظيما فى ملكوت السماوات» (إنجيل متى: الإصحاح الخامس 19). فالسعادة ثمرة المعرفة بالله.