تمر اليوم أربعون عاما علي رحيل العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ, الذي شكل وجدان أجيال بأثرها تعتبر حياته مزيجا من الحب والغناء والألم والمرض وشكلت فنانا عشق فنه وامتلك من الذكاء منذ ظهوره ما جعله يتربع علي عرش الغناء العربي إلي الآن.. العندليب الأسمر أعز الناس يري الفنان سمير صبري أن العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ حالة فنية ونسانية لن تتكرر, وبالرغم من مرور40 سنة علي رحيله, ما زالت ذكراه ملهمة لأجيال وأجيال وتأثيره في الوجدان العربي والمصري كبير جدا, فهو الفنان الذي غني أكثر من ألف أغنيه ولا تزال أغانيه تحقق مبيعات لم يصل لها أحد قبله, ولأن رحلته الغنائية والإنسانية مرت بحالات من الإرهاق والألم حتي جعلت أغانيه وأفلامه التي وصلت إلي ستة تعيش في وجداننا حتي الآن, فهوالعاشق لفنه الي أبعد مدي. أقرب الأصدقاء إلي العندليب ويضيف سمير صبري لالأهرام المسائي أنه كان من الدائرة الأقرب في حياة عبد الحليم والتي كانت معروفة لكل الوسط الفني وقتها, وكان لهذه الدائرة حق الدخول منزله بدون موعد مسبق لان عبد الحليم كانت يعتبرهم من أهل البيت, ومنهم علي سبيل المثال الإعلامي وجدي الحكيم وعصام بصيلة وطبيبه الخاص هشام عيسي والمهندس حسن رمضان ومجدي العمروسي بالإضافة الي الموسيقار بليغ حمدي والشاعر محمد حمزة وعبد الرحمن الابنودي, كل هؤلاء كانوا الأقرب إلي حليم. ويستنكر سمير صبري بعض تصريحات من أشخاص كانوا يدعون قربهم من عبد الحليم وعمق علاقتهم به ويؤكد أن ما ذكرهم فقط هم الدائرة الأقرب لحليم وقتها, لأنه صرحوا بأشياء غير صحيحة ومنها تأكيد إشاعة زواجه من الفنانة الراحلة سعاد حسني, وهذا الزواج لم يحدث مطلقا ولا توجد أي وثيقة سواء كانت عرفيا أو شرعيا كما يدعي البعض. حكاية زواج لم يتم ويتابع الفنان سمير صبري قائلا: كانت إذاعة صوت العرب تقيم حفلات في المغرب لجمع تبرعات لضحايا زلزال وقع في مدينة أغادير في وقتها وكعادة الفنان عبد الحليم حافظ كان يغني كل عام في المغرب ولكن هذه المرة كان معه وفد يضم الفنان الكبير يوسف بك وهبي بجانب سعاد حسني, وتمت خطوبة سعاد علي عبد الحليم وقتها في المغرب وبارك هذه الخطوبة الملك الحسن وقتها ويوسف وهبي أيضا. وتم الاتفاق بينهما أن يتم الزفاف عندما يعودا الي القاهرة واتفقا ايضا علي تغيير أثاث الشقة التي يقيم بها عبد الحليم, وحدث أيضا أن أعجبت الفنانة الراحلة بحجرة نوم وقتها في المغرب واتفقت علي شرائها. ولكن حدثت واقعة كنت شاهدا عليها; حيث تلقي الإعلامي وجدي الحكيم اتصالا تليفوينا من عبد الحليم وكان وقتها مازال موجودا في المغرب, يطلب منه أن يلغي النظر في موضوع حجرة النوم التي قد اختارتها سعاد حسني في المغرب وعندما سأله وجدي الحكيم عن السبب قال له إن الخطوبة انتهت وكل شيء قسمة ونصيب. ويؤكد الفنان سمير صبري أن علاقة عبد الحليم لم تتعد الخطوبة والتي لم تعرف وقتها لأنها تمت في المغرب ولم تصل الي مرحلة الزواج سواء رسميا او عرفيا, لأن ما يعرفه عن عبد الحليم بأنه لو فعل ذلك كان أعلن وقتها ولن يضيره شيء. سر الأربعة رجال في حفلاته يذكر الفنان سمير صبري أن الفنان عبد الحليم حافظ كان شديد الدقة في اختياراته وكان دائم النقاش والتساؤل في كل أغنية يقدمها كان ومن المعروف عنه بأن الأغنية التي يؤديها علي المسرح هي نتاج جهد أكثر من24 بروفة عليها وكانت تتم في بيته الذي كان يتحول إلي خلية نحل بمجرد أن يوافق علي عمل أغنيه ما, كان شديد الحس بالكلمة وكان عاشقا للقصائد أيضا. ويضيف قائلا إن الفنان خلال مراحل مرضه الكثيرة كان مهددا دائما بمرض دوالي المريء والتي من المحتمل أن تنفجر في أي لحظة ومع ذلك كان يصر علي الغناء في الحفلات فاتفق معه طبيبه الخاص الدكتور هشام عيسي علي أن يتواجد4 أشخاص من نفس فصيلة دمه بحيث يكونوا متواجدين في حال وقوع أي مشكلة طارئة, كان من المفروض أن يتم نقل دم له في نفس اللحظة ويكون دم فريش وليس في أكياس, ولهذا كان وجود هؤلاء الأشخاص ضمانة له إذا حدثت أي مشكلة صحية وهو يغني. وكان هؤلاء الأشخاص موجودين في كل حفلاته في الصف الثاني بالقرب من خشبة المسرح الذي يغني عليه. وهذا يدل علي حبه وعشقه لفنه لدرجة تضره صحيا ولكنه كان يهتم بفنه أكثر من صحته. عصبية العندليب ويشير إلي أن الفنان الراحل كان يشعر بالضيق بشكل كبير عندما يتهم بأنه يتمارض أو يستغل مرضه في عمل دعاية لأغنيه جديدة أو لكسب عطف الجمهور, وكان مرضه سببا كبيرا في حالته العصبية التي كانت تظهر عليه احيانا كثيرة في آواخر أيامه, وظهر ذلك في الحفلة التي قدم فيها أغنيته الجديدة آنذاك قارئة الفنجان عندما تعصب علي الجمهور- علي غير عادته- بسبب قيام البعض بالصفير; حيث كان للدواء الذي يتناوله تأثير سلبي عليه وكان يشعره بالتوتر والعصبية ومع ذلك كان يحب أن يغني. الحب في حياته يؤكد سمير صبري في تصريحاته لالأهرام المسائي أن أهم ما كان يميز عبد الحليم حافظ عن غيره هو أنه عاشق من رأسه حتي قدميه, كان يحب الحب, كان دائما في حالة حب, ويترجمه في أعماله الغنائية والسينمائية. وكان يشاع دائما عنه أنه يعيش حالات حب في أفلامه, فإحدي الشائعات ربطت بينه وبين إحدي الفتيات والتي قيل وقتها بأنه غني لها اغنية الشهيرة في يوم في شهر في سنة ومنهن أيضا الفنانة زبيدة ثروت والتي ربطت الشائعات بينهما بعد فيلم يوم من عمري, ودائما ما تطارده شائعات الحب والتي كان لا ينفيها أو يعيرها انتباها, ولكنه دائما يحب أن يعيش حالات الحب سواء في أغانيه أو أفلامه لأنه كان شديد الرومانسية. شقة الزقازيق كان من المعروف أن الفنان الراحل يسكن في الزمالك وله شقتان يفصل بينهما ممر صغير, يسكن هو في واحدة وعائلته كانت تسكن في الأخري وكنا نطلق عليها شقة زقايق الزمالك نظرا لأن عائلته من الزقازيق, وكان لها خصوصية كبيرة وكعادة أهل الريف كان لا يدخل علينا نحن أصدقائه فرد من أسرته إلا شحاتة وربما شقيقه الأكبر إسماعيل شبانة أحيانا والذي كان يذكره بكل خير بأن له الفضل الأكبر عليه, وكنا لانري عليه اخته الكبري والتي كانت سنده في أولي خطواته الفنية, وكنا نحترم خصوصياته بشكل كبير جدا. ذكاء عبد الحليم كان من المعروف عن الفنان عبد الحليم حافظ ذكاؤه الغنائي بشكل كبير وعندما ظهرت الأغنية الشعبية علي يد المطرب محمد رشدي بدأ هو أيضا بغناء هذا اللون, وعندما ظهر الشاعر نزار قباني مع نجاة بدأ عبد الحليم يغني من أشعاره. ومن أكثر الأشياء ذكاء يرويها الفنان سمير صبري ويقول بأنه كان يقوم ببرنامج تليفزيوني يسمي النادي الدولي وكان دائم الظهور فيه العندليب الأسمر ويضيف بأن عبد الحليم كان يتواجد في حلقات كثيرة نظرا للصداقة القوية بينا ولثقته في شخصي, ومن المفارقات التي لا أنساها منه في البرنامج في إحدي الحلقات التي سجلتها معه كانت معنا الفنانة نيللي ضيفة في البرنامج, وطلب مني حليم فنجان قهوة واستغربت وقتها لأني أعرف أنه لا يحب القهوة, وأثناء الحوار عندما سألته عن الأغنية الجديدة التي سيقدمها طلب من نيللي أن تمسك الفنجان وأمسك هو بورقة مكتوب فيها قصيدة قارئة الفنجان للشاعر نزار قباني والتي سوف يغنيها في حفلته المقبلة, فكانت دعاية للأغنية وخصوصا أن البرنامج كانت له نسبة مشاهدة عالية جدا وقتها, وكانت أيضا حركة ذكية لكي يعيش المشاهد في أجواء القصيدة قبل أن يسمعها. الربيع يودع العندليب بالزهور علي طول الطريق من جامع عمر مكرم حتي جامع شركس امتلاءت النوافذ والشرفات بالناظرين الي الجثمان أمواج من البشر كانت تسد الطريق وتحاول الالتحام بالموكب الرهيب رحل حليم في بداية الربيع وزينت جنازته أيضا زهور الربيع وكأنها تودعه وقد كست السيارة التي تحمل جثمانه ..وفي حضرة السيدة زينب يحكي عبد الحليم حافظ في مذكراته أنه عندما كان صغيرا ذهب إلي ضريح السيدة زينب مع أخيه إسماعيل; حيث يقول:( عندما دخلت الي المقام وجدت كل الأعين مسلطة علي مقام أم هاشم في خشوع وتضرع وسمعت همهمات من حولي من زوار الست تنطق بكلمات بركاتك يا أم هاشم ثم صليت ركعتين مع أخي الذي لم يتوقف أبدا عن الدعاء وعندما خرجت إلي الميدان الكبير كنت أشعر براحة نفسية غريبة وأحسست بالأمل يملأ قلبي سبحان الله)