بين الحين والآخر يثار الجدل والحديث عن الطلاق وآثاره وكيفية علاجها, وعن ارتفاع نسبة الطلاق في الأسر المصرية, وهنا نجد الكلام كله تقريبا يدور حول تشريع الطلاق في حد ذاته والبحث عن وسيلة لتضييق وقوعه. فنجد الآراء عندئذ متباينة,, فبعضهم يقول إنه لا يعتد شرعا بوقوع الطلاق إلا إذا كان موثقا, وآخرون يشترطون الإشهاد عليه ليصح احتسابه, وفريق ثالث يشترط وقوعه أمام القاضي, ورأينا فريقا رابعا يقترح تشديد العقوبة علي كل من لم يوثق طلاقه مع التوسع في سبل إثبات وقوعه, إلي غير ذلك من الآراء, والتي لا يسلم كثير منها ومما سبق من أوجه نقد ونقض قوية, واختلطت الأمور, وتناثرت الاتهامات, وأري أن الكثير غفل عن بعض النقاط الأساسية ومنها: إن الحديث المثار نجده يخلط بين قضية إيقاع الطلاق وتوثيقه, وهنا لابد من التحديد هل المشكلة في وقوع الطلاق أم في عدم قيام الرجل بتوثيق طلاقه ليتسني للمرأة ممارسة حياتها بناء علي الوضع الجديد. إن تشريع الطلاق رحمة من الله بعباده, حتي لا يجبر أحدا علي استمرار حياة لا يستطيع التكيف معها, وفي الوقت نفسه فإن هدم الأسرة عن طريق الطلاق لا يتحقق من أول مرة, بل للزوجين فرصة أخري, فاستمرار التهاون بذلك لا يتحمل مسئوليته إلا صاحبه. إن تفكك الأسر بسبب الطلاق ليس هو الخطر الأول الذي يواجه مجتمعنا, فالإدمان, وغياب الوالدين أو انشغالهما, وعدم الوعي بالمسئولية تجاه الأسرة, وغيرها, أعظم خطرا علي الأسرة من خطر الطلاق. إن المشكلة التي قد يتجه الحديث عنها ليست في الطلاق بل في ارتفاع نسبة وقوعه, والملاحظ أنه كما أن تطليق الرجل لزوجته أصبح أكثر شيوعا فإن طلب الزوجة للطلاق أصبح أمرا أكثر حدوثا سواء في خلافاتهما الزوجية العادية أو أمام القضاء للضرر أو علي الإبراء, ومن هنا فالتضييق علي الرجل في إيقاعه للطلاق لا يحل الجانب الآخر وهو مسارعة النساء لطلب الطلاق. إن البحث عن أطر وفتاوي شرعية لتضييق حق الرجل في إيقاع الطلاق مع ما فيه من افتئات واتهام إلا أنه بحث في غير محله, فإن الأسباب التي أدت إلي ارتفاع نسبة الطلاق ليست راجعة إلي تشريع الطلاق نفسه وإنما لأمور أخري أدت إلي مسارعة الناس إليه ومن ذلك. الضغط النفسي الشديد الواقع علي أفراد المجتمع منذ ست سنوات متصلة, والشحن الحاصل من صراخ الإعلام وضجيج الاختلافات وخطابات الكراهية والتشفي كلها أمور تجعل طاقة الإنسان في مواجهة أي ضغوط أخري غير محتملة, ثم إن حالة الهجوم المستمر غير المقيد محدود وضوابط وعدم احترام أقدار الآخرين ومسئولياتهم أدي لنشوء مثل ذلك داخل الأسر مما ساعد في عدم استقرارها وانهيارها. وللحديث بقية