جرت العادة في العالم كله وفي أمريكا علي وجه الخصوص, أن يخرج الرئيس الفائز علي أمته ويقول في أول خطاب لمواطنيه أنه سيكون في خدمة الذين أعطوه أصواتهم والذين صوتوا ضده, وأنه سيكون رئيسا للجميع..يبدو أن هذا العرف لم يراع في فوز الرئيس الأمريكي ترامب هذه المرة..لم يقلها في خطاب تسلمه الحكم رسميا, ولم يشر إليها من قريب أو بعيد بعد ذلك..بالعكس استن أمرا جديدا في السياسة الأمريكية, فأصبح يذهب للولايات التي أعطته أصواتها والتي لا يهمها بقية الناخبين من قريب أو بعيد. عبر ثلاثة أيام لم تشهد لها الولاياتالمتحدة مثيلا من قبل, وربما من بعد..بدأت الخميس16 فبراير بموتمر صحفي مزلزل, وتبعه في يوم الجمعة17 فبراير,لقاء له مع عمال وموظفين وعمال ومهندسين وصناع في فرع لشركة بوينج في ولاية كارولينا الجنوبية, وصف الرئيس الأمريكي الإعلام الأمريكي في حديثه إليهم بأنه عدو الشعب الأمريكي, وعلق بعدها مغردا كعادته:وسائل الإعلام المزيفة التي تختلق قصصا ومصادر كاذبة, هي أكثر فاعلية من الحزب الديمقراطي المهزوم. لم يتوقف الأمر عند ذلك التشخيص الجديد للإعلام الأمريكي, ولكن الرئيس أتبع ذلك في تغريدة له السبت18 فبراير حيث كتب:أخبار زائفة..نيويورك تايمز, أيه.بي.سي, سي.بي.إس, إن.بي.سي, سي.إن.إن, ليسوا أعدائي ولكنهم أعداء الشعب الأمريكي. هو يقصد في هذه التغريدة صحيفة نيويورك تايمز وشبكات التليفزيون العملاقة الأربع دلالة علي أنهم يمثلون وسائل الإعلام الأمريكية..هذه التغريدة تثير جدلا واسعا لأن كلمة عدو الشعب التي استخدمها, مأخوذة من مقال ل لينن عام1917, ذكر فيه أعداء الشعب الروسي وهم رجال الدين والمثقفون وطبقة الملوك والأمراء والفلاحون الأغنياء كأعداء للثورة السوفيتية حينها, ليصبح بعدها أولئك الموشومون ضحايا يقبض عليهم ويوردون ظلمات السجون, كما هو موثق ومعلوم. منذ تلك التغريدة ولا حديث للإعلام الأمريكي يعلو فوق آثارها..ربما يكون السيناتور الجمهوري جون ماكين هو الأبرز والأعنف في معارضته,في مقابلة الأحد19 فبراير, قال مفسرا وناقدا ما قاله الرئيس ترامب:عندما نقرأ التاريخ نجد أن أول شيء يفعله الدكتاتور هو إسكات الصحافة ووسائل الإعلام..هكذا يبدأ الحاكم الديكتاتوري. هذه ليست المرة الأولي التي يقف فيها السيناتور ماكين الجمهوري في مواجهة الرئيس الجمهوري,فقد نقده بعنف قبل انتخابات الرئاسة عندما قال ترامب أنه لا يمانع التعذيب في سجن جوانتانمو. في نفس اليوم سافر الرئيس ترامب الي ولاية فلوريدا والتي ربحها بجدارة في الانتخابات الرئاسية, حيث كان في انتظاره أكثر من9000 من الذين اتبعوه..ظل يتحدث إليهم أكثر من45 دقيقة وهم يستمعون في سعادة ونشوة لكل كلمة يتفوه بها..كرر في خطابه هجومه الضاري علي وسائل الإعلام,وكرر مرارا وتكرارا أنه يعمل فقط ويأتمر فقط بالأجندة التي وعدهم بها قبل الانتخاب, وهي:استرداد أمريكا لهم..وأنه ورث تركة فاسدة من الرئيس السابق له..وأن وسائل الإعلام هي العدو لكم قبل أن تكون لي..وأننا سنحقق تغيرات جذرية لنا وللمستقبل لم تحدث من قبل.. وأنه يوم مشرق جديد يطلع علي أمريكا. حقيقة الأمر أن طريقة الرئيس الأمريكي تشبه الصدمة والترويع, وأنها هي التي جعلته ينجح في استقطاب الشريحة الكبيرة من الناخبين والذين ذهبوا عن بكرة أبيهم للإدلاء بأصواتهم لمصلحته, في الوقت الذي تقاعس فيه الديمقراطيون عن المشاركة في الانتخاب. ما يقوله ويرسخه ترامب:أنني أنا الفائز بالرئاسة, ولن يعوقني أحد عن تنفيذ ما وعدت به أتباعي, ولن نعير وسائل الإعلام الفاسدة, أي أهمية أو التفات..إنه يفعل وهو رئيس نفس الطريقة التي اتبعها في حملته الانتخابية. مؤيدوه يقولون: دعوا ترامب أن يكون ترامب.