«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشعراء.. وكوكب الشرق

شعراء تغنوا ب أم كلثوم أكثر ممن غنت لهم في مصر وجميع البلدان العربية, بدر شاكر السياب يشرب صوتها وأحمد رامي يحدث دموعه وعبدالعزيز ينشغل بتفردها, ماذا قال الرصافي عند زيارتها للعراق
؟ والزهاوي يطلب منها الغناء بكلمات ساحرةعند عودتها من رحلة العلاج بأمريكا صاح العقاد: هلل الشرق بالدعاء.. كوكب الشرق في السماء.
وأشرب صوتها فيغوص من روحي الي القاع
ويشعل بين أضلاعي
غناء من لسان النار يهتف سوف أنساها
وأنسي نكبتي بجفائها وتذوب أوجاعي
وأشرب صوتها فكأن ماء بويب يسقيني
وأسمع من وراء كرومه ورباه ها ها هو
ترددها الصبايا السمر من حين الي حين
وأشرب صوتها فكأن زورق زفة وأنين مزمار
تجاوبه الدرابك يعبران الروح في شفق من النار
يلوح عليه ظل وفيقة الفرعاء أسود يزفر الآها
سحائب من عطور من لحون دون أوتار
وأشرب صوتها فيظل يرسم في خيالي صف أشجار.
هذه الأبيات من قصيدة بعنوان أم كلثوم والذكري للشاعر العراقي بدر شاكر السياب, كتبها وهو علي فراش المرض في لندن في مارس1963, يعبر فيها عن حبه لصوت أم كلثوم الذي يسري كالماء الي قاع روحه كما يسري الماء في الاسفنج, فينسيه نكبته ويزيل أوجاعه, ويرويه, وكأنه أيضا سحائب من عطور من ألحان دون أوتار, ويشربه فيثري خياله, ويرسم فيه حدائق أشجار. هذا ما يتذكره الشاعر الكبير عن تفاعل روحه وقلبه مع صوت كوكب الشرق أم كلثوم.
لقد فتنت أم كلثوم العديد من شعراء العرب, بداية من أحمد رامي والذي يعتبر غالبية شعره عن أم كلثوم واحساسه نحوها والذي سبق السياب في تحليله لفعل صوت غناء أم كلثوم وتأثيره, فيصف فعل صوتها في كل منظومته في أول قصيدة عن شخصها بعنوان الي سومه, فيقول:
صوتك هاج الشجو في مسمعي
وأرسل المكنون من أدمعي
سمعته فانساب في خاطري
للشعر عين ثرة المنبع
ودب في نفسي دبيب المني
والبرء في اليأس والموجع
كأنما لفظك في شدوه
منحدر من دمعي الطيع
كل من رامي والسياب, يصف لنا التفاعل الكيميائي الذي يحدثه صوت أم كلثوم في الروح والقلب والخاطر وكأنهما مفسران. يضيف رامي في قصيدة أخري بعنوان الي أم كلثوم:
تبعث الشجو في النفوس وتلقي
سحرها في القلوب والآذان
رنة العود شدوها وصداها
حنة الناي أو أنين الكمان
خلقت آهة فكانت عزاء
من هموم الحياه والأحزان
وجرت دمعة فكانت شفاء
للمني ورحمة للعاني
اذا صوتها له فعل السحر في القلوب والآذان وهو أيضا شفاء من الهموم والأحزان ورحمة للذي يعاني.
لم يكن شعر رامي ومن بعده السياب مجرد مديح, ولكن كان تفسيرا يشبه تفسيرات التفاعل الكيميائي عندمل يسافر صوتها في أرواح وقلوب مستمعيها وتشربه فيشفيها.
كتب عديد من الشعراء غيرهما عنها, ورصد إبراهيم عبد العزيز الكثير ممن تغنوا بأشعارهم عن أم كلثوم, والذين بلغوا ثمانين شاعرا في كتابه: أم كلثوم في الشعر العربي, الهيئة العامة لقصور الثقافة. البعض يرصد أن عدد الشعراء الذين كتبوا عنها يبلغ أكثر من ذلك بكثير, لأنه لم يشمل علي سبيل المثال أشعارا عنها من أعماق الجزيرة العربية لشعراء بدو كما سنري, رصدها باحث سعودي. كان هذا طبيعيا من أمة تحب الشعر, عن مطربة معجزة تغني الشعر وتعشقه فتجعل أبياته قصورا وجنات.
وصف رامي صوتها بأنه يأتي من قلبها وليس من حنجرتها. كانت تعشق الشعر فعشقها الشعراء. انه قانون الفعل ورد الفعل. كتب عنها جبران خليل جبران رغم أنه لم يقابلها أبدأ:
قد انفردت فلا سابق
في المقام ولا مدان
نغمات شدوك في المسامع
من أغاريد الجنان
فاروق أولاك السوام
وفي تفضله معان
فيلم التغني لا يراعي
كالخطابة والبيان
والشمس يقبس من سناها
كل مرموق المكان
عاش المليك وللعلوم
وللفنون به التهاني
عندما زارت أم كلثوم العراق في نوفمبر1932, تم استقبالها بحفاوة بالغة لم تشهدها العراق من قبل, ونشرت الصحف زيارتها بأنها بشري عظمي نزفها الي العراق أجمع..الآنسة أم كلثوم في بغداد, وستبدأ أولي حفلاتها في أوتيل الهلال بالميدان, وقد اتخذت ادارة الأوتيل جميع التدابير اللازمة من النظام والترتيب, وخصصت محلات منفردة للسيدات استعدادا لهذا اليوم الميمون.
وعندما غنت يومها في ذلك الحفل, لم يتمالك الشاعر معروف الرصافي نفسه, وارتجل قصيدة في مدحها جعلت القاعة تضج بالتصفيق:
كلثوم في فنون الاغاني
أمة وحدها في هذا الزمان
هي في الشرق وحدها ربة ال
فن فما كان للفن رب ثان
ذاع من صوتها إلي اليوم حي
ث عم كل الامصار والبلدان
ما تغنت الا وقد سحرتنا
بافتتان لها وأي افتتان
في الأغاني تمثل الحب تمثيلا
صريحا بصوتها الفنان
يتجلي في لحنها مشهد الحب
ولون الوصال والهجران
وكتب جميل صدقي الزهاوي في نفس المناسبة قصيدة أخري بعنوان أم كلثوم منها:
يا أم كلثوم, غني, فالهوي
نغم تلذه الشيب والشبان كلهم
غني وغني علي الأوتار صادحة
فانما بالأغاني تنهض الأمم
من أجل صوت رخيم منك يسمعه
يا أم كلثوم, جاء الجمع يزدحم
غني لنا ثم غني ان ليلتنا
فيها العواطف بالألباب تصطدم
الحسن تسمعه كالحسن تبصره
ما عنهما من غني يأتي به السأم
ونظم أيضا الشاعر العراقي الكبير جواد الشبيبي قصيدة طويلة عن أم كلثوم بمناسبة تلك الزيارة منها:
سيري مع الجحفل الجرار خافقة
وسابقي فوقه سرب القشاعيم
وناوحي الامة الثكلي فقد رزئت
بلادها بالمطاعين المطاعيم
.....
قمرية الدوح اضحت ارضه يبسا
ومزهر الغصن اضحي غير مرهوم
قد كان يمتص ضرع الغيث مندفقا
فعاد يعطب في برجاء مفطوم
تبصري الارض هل قامت مناكبها
علي اساس قديم غير مهدوم
كانت أم كلثوم وكأنها طوفان الهام للشعب العراقي كله ولشعرائه خاصة في تلك الزيارة, فكتب الشاعر محمد باقر الشبيبي متأثرا من عظمة صوتها:
هنيئا لك بغداد فهذي ام كلثوم
من الغيد الاعاريب أتتنا لا من الروم
لقد احيت لياليك بتغريد وترنيم
فعذرا فرحة النفس اذا قصر تكريمي
فهيا ايها الغادة وغنيني علي العادة
اعيدي السجع والصدح
وغنينا الي الفجر
فهذي الانجم الزهرمطلات مع البدر
فغني اروع الشعروصوغيه من السحر
فمن نحرك للثغر ومن ثغرك للنحر
فهيا ايها الغادة وغنيني علي العادة
اطلي بنت فرعون علي المسرح والملعب
ورفقا ربة الصوت بأحشائي ان تنهب
فانت الكاعب الرود
فما الظبي وما الربرب؟
خذي روحي الي مصر
فمصر الوطن الاقرب
فهيا ايها الغادة وغنيني علي العادة
زارت أم كلثوم العراق مرة أخري عام1946 أي بعد مضي أربع عشرة سنة علي زيارتها الأولي بناء علي دعوة رسمية لتشارك العراقيين عيد ميلاد ملكهم فيصل الثاني, وتم ارسال طائرة خاصة لتنقلها من القاهرة الي بغداد, حيث كانت في انتظارها والدة الملك والأسرة المالكة, وقدمها الوصي علي العرش بنفسه الي الحاضرين, وكانت الحفلة مذاعة علي الهواء من الاذاعة العراقية وقال بعد انتهاء الحفل:
لو أني وزعت علي كل عراقي هدية ذهبية, لما استطعت أن أدخل السرور علي قلبه كما فعلت الليلة أم كلثوم.
يومها غنت أم كلثوم يا ليلة العيد وكل الأحبة اتنين اتنين وغنيلي شوية شوي وسلو كؤوس الطلا هل لامست فاها.
بعدها قال لها رئيس الوزراء العراقي, ومعبرا عن سعادته وسعادة كل الشعب العراقي: يا آنسة من حقنا أن نقبض عليك الليلة بتهمة سرقة قلوبنا.
عقب الحفل أيضا تم منحها وسام الرافدين المدني, وهو الذي لا يمنح عادة الا للرجال طبقا للقانون العراقي حينها, غير أن القانون عدل لتتقلده أم كلثوم, ولتكون أول امرأة في تاريخ العراق تحصل علي هذا الوسام.
وعقب عودتها من رحلة العلاج في أمريكا,في نوفمبر1949, كتب عباس محمود العقاد قصيدة ترحيب بعودتها:
هلل الشرق بالدعاء
كوكب الشرق في السماء
عاد في حلة الضياء
وفي هالة البهاء
لم يغب هاجرا ولكن
كما غربت ذكاء
لا تخافوا علي مطالعه
سطوة المساء
واهب النور لا يداريه
عن نوره غشاء
كوكب الشرق في أمان
من الليل لا مراء
أيها الكوكب الذي
أسعد الأرض باللقاء
ردد الطرف في القضاء
وما أرحب الفضاء
وأسأليه سؤال من
يسأل الطير في الهواء
هل سري فيه مثل صوتك
في الحسن والنقاء
في قديم الزمان أعني
وفي حاضر سواء
وصفها الشاعر الدكتور ابراهيم ناجي قائلا: أم كلثوم تملك جوهرة يسجد لها عرش الدولار المعظم, ولا تقدر بمال في خزائن الأرض. وليست ثروة أم كلثوم بما تملك من مال فحسب, ولكن ثروتها الكبري هي ما تملك من ملايين القلوب التي تعبد عظمة الله في صوتها الحنون. وهي بهؤلاء العباد أغني من قارون:
قارون ما شافش من الغني
ربع اللي ثومة شافته
ولا عرفش من الغنا
شيء م اللي هيا عرفته
ولا حد حبه حبنا
آدي الغنا في روعته
لو كان سمعها زينا
كان باع هدومه وثروته.
وكتب الشاعر عزيز أباظة واصفا ومادحا لها:
تشدو فتسكب في الأرواح صافية
من سلسل من رحيق الخلد مختوم
تعطيك من دمها لحن الخلود فما
داود أحري وان أوفي بتقديم
هزت ربي الشوق هزا فاستدار لها
وقال من تلك؟ في فخر وتعظيم
تلك التي ازدانت بها فغدت
غنية باسمها عن كل تقديم
لم يقتصر تأثير صوت أم كلثوم علي الشعراء المحدثين والكلاسيكيين في مصر والسودان وبلاد الشام والعراق والمهجر, ولكنه تجاوزهم الي الشعراء الشعبيين القاطنين أعماق جزيرة العرب مثلما أورد الناقد والباحث السعودي قاسم الرويس الذي كتب في دراسة له: قد يظن بعضهم أن تأثير سيدة الغناء العربي وحضورها اقتصر علي أوساط النخبة والمثقفين العرب, ولكن شواهد الشعر الشعبي تؤكد وصول صوتها وشهرتها الي أعماق الصحراء العربية ولعل ذلك بقدر ما يعكس شعبية أم كلثوم, فانه يعكس دور الشعر الشعبي في توثيق الحياة الثقافية والاجتماعية في البلاد العربية عموما وفي بلادنا خصوصا. ثم يسرد الباحث عدة قصائد شعبية لشعراء شعبيين من المملكة منهم الشاعر عبد المعين بن ثعلي وغيره ممن يسمون شعراء الكسرة, وقول بعضهم:
يا أم كلثوم زورينا
بالمملكة لو ثلاث ليال
طلي علينا وشوفينا
أنت تري غاية الآمال
بل أن أحد شعراء الكسرة قام برثائها بعد وفاتها:
يا كوكب الشرق ودعناك
بخمسة وتسعين هجرية
كل الأطباء مشوا لرضاك
تسعين اشاعة وكشفية
ربما يكون ما كتبه أحد النقاد المصريين من كلمات مشخصة لاجماع الأمة العربية علي حب أم كلثوم, أوردها سامي رمضان في كتابه: أم كلثوم- صوت في تاريخ أمة, تونس, هو الأكثر تشخيصا لذلك العشق: ان أم كلثوم في الوطن العربي أقوي من ألف خط طيران يربط الأرض العربية, وأقوي من ألف خط تليفوني, وأقوي من ألف خط سكة حديد تمتد من بغداد والكويت وقطر شرقا الي الدار البيضاء في أقصي المغرب.
ومن القامشلي وحلب في أقصي الشمال الي عدن والخرطوم في الجنوب, فإنك تستطيع أن تسمع في يوم الخميس من أول كل شهرصوت أم كلثوم وهو ينساب من نوافذ البيوت في الموصل أوعمان, وفي نفس الوقت يملأ صوتها ليل بنغازي وبيروت وتونس ودمشق. وفي نفس الوقت يشد صوتها الناس حول أجهزة الراديو في جدة والخرطوم وصنعاء وكل مكان فيه عرب.
فلو أنك خرجت بسيارة ليلة حفل أم كلثوم لتتجول في الوطن العربي, فانك تستطيع أن تحدد معالم هذا الوطن وحدوده. ان كل أرض لا يتردد فيها صوت أم كلثوم ليلة حفلتها, معناها أنك خرجت بسيارتك من حدود الوطن العربي.. فصوتها أشبه بحرف الضاد الذي تتعامل به أمة العرب فقط. وأغاني أم كلثوم أشبه بهذا الحرف الذي يتردد في فم كل عربي
ولأنه لا يسلم الشرف الرفيع من الأذي, فكذلك لم تسلم أم كلثوم منه, فكتب الشاعر يوسف العظم ناقدا وناقما وشاتما ومتهما لها بأنها تخدر العرب, وتثنيهم عن الكفاح والجهاد وتحرير البلاد:
كوكب الشرق لا تذوبي
غراما ودلالا وحرقة وهياما
لا ولا تنفثي الضياع قصيدا
عبقريا أو ترسلي الأنغاما
فدماء الأحباء في كل بيت
تتنزي وتبعث الألاما
وجراح الأقصي جراح الثكالي
ودموع الأقصي دموع اليتامي
أيها الشعب خدرته الليالي
متقلات تفجرت أثاما
فعن الحق تارة يتلهي
وعن النور تارة يتعامي
يتهاوي علي ذراع طروب
أو لعوب في حضنها يترامي
واذا الشعر بالكئوس تغني
والنواسي عانق الخياما
وأنين الكمان صار أذانا
في حمي البيت والنديم اماما
واذا ليلتي وحلم حياتي
لم تحطم في فجرها الأصناما
فالام الجهاد يا كوكب الشرق
وما بالنا نهز الحساما
لا تغني الخيام يا كوكب الشرق
وتسقي من راحتيه المداما
ففلسطين لا تحب السكاري
وربي القدس لا تريد النيام
ماتت أم كلثوم منذ اثنين وأربعين عاما في الثالث من فبراير1975 ليثبت الزمان كذب نظرية يوسف العظم وغيره من طائفة القاء اللوم والتعدي والتخدير للأمة العربية الذي كانت تتهم به سيدة الغناء وكوكب الشرق أم كلثوم. لم تكن أم كلثوم هكذا, بل كانت نقيضه, كانت فنانة عظيمة الموهبة من المولي سبحانه, تؤدي دورها في الحياه كما ينبغي, وكانت ملهمة لكل جماهير الأمة, وعقب1967 استطاعت بموهبتها وفنها أن تساهم في انتشال الأمة من الحفرة التي هوت فيها, واستطاعت بموهبتها وحب الأمة لها أن تساهم في المجهود الحربي بآدائها في العديد من العواصم العربية وفرنسا, بأن جمعت مبالغ طائلة, ساعدت في شراء السلاح الذي استخدم في حرب.1973
بعد وفاتها كتب الشاعر الغنائي عبد الوهاب محمد:
باحسد عليك الملايكة اللي حتسمع لك
وباحسد عليك اللي حيسبقني ويطلع لك
يا بنت مصر العظيمة اللي ما لها مثيل
يا سلسبيل كان راوينا زي نهر النيل
نشرب منين بعد منك مغني أو مواويل
النبع جف انما البركة في الموجود
ولو أن أصل الأصول ما يعرفش تسجيل.
وكتب أيضا أحمد رامي آخر قصيدة شعر له عندما ماتت رثاها فيها وكأنما انتهت حياته:
ما جال في خاطري أني سأرثيها
بعد الذي صغت من أشجي أغانيها
قد كنت أسمعها تشدو فتطربني
واليوم أسمعني أبكي وأبكيها
وبي من الشجو..من تغريد ملهمتي
ما قد نسيت به الدنيا وما فيها
وما ظننت وأحلامي تسامرني
أني سأسهر في ذكري لياليها
يا درة الفن.. يا أبهي لآلئه
سبحان ربي بديع الكون باريها
مهما أراد بياني أن يصورها
لا يستطيع لها وصفا وتشبيها
عليها رحمة الله في ذكري رحيلها الثانية والأربعين التي تحل علينا في الثالث من فبراير بعد أيام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.