هناك من ينصب نفسه حكما ورقيبا علي أفعال الآخرين, واضعا نفسه في مرتبة السالم الخالي من النقائص والعيوب, فيجهد نفسه ويضيع وقته في تتبع عورات وعيوب الآخرين , فإن لم يجد أخطاء تخيلها بسوء ظنه وشكه, ولو انشغل بنفسه وأصلحها لكان خيرا له, فالعاقل كما قال الإمام المناوي من شغله عيبه عن عيوب الناس فتدبر في نفسه, فإن وجد بها عيبا اشتغل بإصلاحه واستحيي أن يترك نفسه ويذم غيره, فالمسلم مطالب بإصلاح نفسه أولا, وسيسأل عنها قبل غيرها, يقول الله تعالي: كل نفس بما كسبت رهينة( المدثر:38), فمن عرف حقيقة نفسه وما طبعت عليه, كما قال ابن القيم, علم أنها منبع كل شر, ومأوي كل سوء فاشتغل بإصلاحها عن عيوب الناس. وقد قيل للربيع بن خيثم: ما نراك تغتاب أحدا فقال: لست عن حالي راضيا حتي أتفرغ لذم الناس. وعن محمد بن سيرين رحمه الله قال: كنا نحدث أن أكثر الناس خطايا أفرغهم لذكر خطايا الناس, وقال بكر بن عبد الله: إذا رأيتم الرجل موكلا بعيوب الناس, ناسيا لعيوبه, فاعلموا أنه قد مكر به, بل قد يكون من غواية الشيطان وتلبيسه علي المرء أن يشغله بعيوب غيره مع خفائها صارفا له عن إصلاح عيوب نفسه مع ظهورها ظهورا فاشيا لا خفاء فيه, فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله,: يبصر أحدكم القذي في عين أخيه, وينسي الجذع في عينه. رواه ابن حبان في صحيحه. واعلم أيها المسلم أن من فتش وسعي لكشف عيوب إخوانه المسلمين عاقبه الله, جل وعلا, بإظهار عيوبه وكشف عوراته, ومن ستر علي إخوانه ستره الله في الدنيا والآخرة فالجزاء من جنس العمل ولا يظلم ربك أحدا فعن عبد الله بن عمر, رضي الله عنهما, قال: صعد رسول الله, المنبر فنادي بصوت رفيع, فقال: يا معشر من قد أسلم بلسانه, ولم يفض الإيمان إلي قلبه, لا تؤذوا المسلمين, ولا تعيروهم, ولا تتبعوا عوراتهم, فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته, ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله. رواه الترمذي, ويقول الإمام مالك بن أنس, رحمه الله: أدركت بهذه البلدة, يعني المدينة, أقواما لم تكن لهم عيوب, فعابوا الناس; فصارت لهم عيوب, وأدركت بها أقواما لهم عيوب, فسكتوا عن عيوب الناس; فنسيت عيوبهم. فيا أيها المسلم لا تتبع عثرات الناس ولا تكشف سترهم وانشغل بنفسك عنهم فما فرغنا من عيوب أنفسنا حتي نشتغل بعيوب غيرنا! من علماء وزارة الأوقاف