ترددت كثيرا قبل أن أطرق الباب لأري إطلالة وجه جارتي العزيزة كما هي عاداتنا في آخر يوم من كل سنة. فعام2016 كان يخفي الكثير من الشر داخل أحشاء تفوح برائحة الغدر وصلف الوقاحة. عام ثقيل لم يستح أن يخرج مخالب الذئاب البشرية التي تخفت تحت عباءة الوقار أو الوجاهة الاجتماعية أو التدين المصطنع أو حتي الحب المفتعل للمزيد والمزيد من المكاسب الدنيوية. تري هل ستخرج الكلمات من شفاه صادقة وقلب مفعم بالود ويد ممدودة بالسلام لعزيزتي ماريان مثل كل عام؟ ماذا عسي أن أقول لصديقتي وجارتي منذ طفولتي؟ هل أقول لها عام سعيد علي رفات من تبقي من ضحايا الكنيسة من الأهل والأصدقاء؟ أم عام جديد عسي أن تتناثر لآليء المحبة فوق حبات رماله ويفيح شذي التسامح في أرجاء أكوانه؟. وبينما أنا غارقة في أفكاري أتحسس كلماتي قبل أن أتفوه بها, فإذا بوجه ماريان الهاديء الملامح يطل من خلف الباب. وجه حزين ولكنه يذكرني بطفولتي السعيدة مع أسرتها الصغيرة. فوالدها د. موريس كان عاملا أساسيا في تفوقنا في مادة الرياضيات بالمدرسة, ووالدتها الطاهية الماهرة لم تكن لتنس إعداد طاجن الأرز المعمر الذي نلتفت حوله علي مادة الإفطار في رمضان لمدة عشرين عاما كاملة. - ماريان وحشتيني, كل سنة وانتي وتانت مانويلا وأنكل موريس بخير. - تعالي يا حنان أدخلي عايزة أتكلم معاكي. وكأن الماضي البعيد السعيد يناديني فلم أجد نفسي إلا وأنا أجلس فوق مقعدي المفضل منذ طفولتي. لم تجهش بالبكاء ولم تتشح بالسواد ولكن رائحة الموت كانت في أرجاء المكان. ما تبقي من والدها ووالدتها لا شيء يذكر إلا صورة علي جدار الحائط تذكرنا بملامح وجوه طمست وأعضاء تناثرت إثر الانفجار بالبطرسية. يالوقاحتي! أي عام جديد سعيد أتحدث عنه أمام هذا القلب الكسير! أهل الشر والقبح والبغض كسوا أعتاب العام الجديد بدماء الأبرياء! نيران الكراهية تشتعل في الديار الآمنة لتحرق أجساد الأطفال الصغار والسيدات المصليات المسالمات. وكأن حصاد العام الماضي في أنحاء العالم كان تطرف الفكر العقائدي الذي علا صوته فوق صوت قهقهة الشيطان. ناهيك عن الفساد الذي أغرق النفوس لتفوح منها رائحة الضمائر العفنة! وأخيرا تسابقت أبواق خيانة الوطن كفحيح الأفعي لتسابق أجراس الكنائس قبل أن تدق ابتهالا بميلاد السيد المسيح الذي كرمه القرآن الكريم في آياته البينات. ماذا يمكن أن يقال لتلك السيدة المسكينة التي تيتمت بلا ذنب اقترفته أو جريرة ارتكبتها سوي أنها مصرية مسيحية تريد أن تحيا في سلام وأمان علي أرض الوطن. استغرقت في صمتي لأعد جملا بليغة من قبيل هذا الإرهاب الأسود لا يمت للإسلام بصلة, أو نحن المسلمين نشجب وندين ونستنكر الاعتداءات علي العزل الأبرياء, أو أرجو أن تتأكدي أن الوحدة الوطنية لن تهتز مهما حاول المغرضون والمندسون, أو... ولكن صديقتي المكلومة قطعت حبل أفكاري الإنشائي الأجوف الذي لا يغني ولا يسمن من جوع لتقول بصوت يكاد يرتفع إلي السماء: تكفيني محبتك وإخلاصك لي ولعائلتي سنين عمري اللي فات واللي جاي يا حنان. ويكفينا كمان ان القرآن ونبيكم محمد لم يسيئوا بكلمة واحدة لمريم أو يسوع علي العكس بس نقول لهم إن إحنا بنحبهم ومسامحينهم علشان هما مش فاهمين إزاي؟. وهنا أسقط في يدي فلم أتفوه ببنت شفة, ومع ذلك فلا أتذكر عدد الساعات التي مرت علي وأنا أبكي جمود فكري وقسوة مشاعري أمام هذا القلب المتسامح محبة في الله!.