سيأتي العام الجديد بعد أيام ليسجل مرور مائة عام علي الثورات الروسية في8 فبراير( أو مارس حسب التقويم الجريجوري) حينما أضرب العمال للمطالبة بالطعام في سان بيترسبورج, إلي أن اضطر القيصر الي التنازل عن العرش, وتم تشكيل حكومة مؤقتة. ولكن بالرغم من نجاحها في إقالة القيصر, إلا ان قرارها بالاستمرار في الحرب العالمية الأولي أدي الي اندلاع الغضب مرة أخري. وفي يوليو من نفس العام سمح لفلاديمير لينين العودة من المنفي, ليتزعم الثورة الثانية; وفي أكتوبر( نوفمبر حسب التقويم الجريجوري) عام1917 سيطر البلاشفة بقيادة لينين علي الثورة وأقام النظام الشيوعي بعد أربع سنوات من حروب أهلية دموية ضد مؤيدي النظام القيصري. وفي عام1922 أعلن رسميا عن إرساء اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية. فأين نحن الآن من الثورة البولشفية والفكر الشيوعي؟ علي مدي مائة عام صعد الاتحاد السوفيتي الي آفاق عالية ثم سقط سقوطا مروعا في عام1991 حينما أعلن آخر رئيس للاتحاد السوفيتي ميخائيل جورباتشوف استقالته من منصبه, وأعلن مجلس السوفييت الأعلي استقلال الجمهوريات السوفيتية السابقة وانشاء رابطة الدول المستقلة. وتفكك الاتحاد السوفيتي بعد74 من سيطرة النظام الشيوعي. خلال تلك السنوات ال74 شهدت البلاد سنوات قاسية لانتشالها من الانهيار التام الذي كانت عليه بعد خروجها من الحرب العالمية الأولي, وإقامة المصانع وزيادة الإنتاج الزراعي لإطعام الشعب, الذي دفع أيضا ثمنا غاليا من حياته. وجاءت الحرب العالمية الثانية ليشهد فيها مقتل20 مليون شخص; ولكن كان فتح الجبهة الروسية أمام الألمان السبب الأساسي في انتصار الحلفاء في الحرب, وليس كما تردد الدعاية الغربية أن النصر جاء بسبب قرار دخول الولاياتالمتحدة الحرب ضد ألمانيا النازية. ولقد أضطر التحالف خاصة بريطانياوالولاياتالمتحدة إلي الجلوس مع ستالين الزعيم السوفيتي في ذلك الحين لتقسيم الغنائم. كان من نتائج الحرب العالمية الثانية أفول امبراطوريتين بريطانيا وفرنسا, وصعود قوتين عظميين, الاتحاد السوفيتي والولاياتالمتحدة. وبدأت الحرب الباردة بين القوتين وانقسم العالم بينهما. الي أن سقطت الكتلة الشرقية وتفكك الاتحاد السوفيتي وأصبحت الولاياتالمتحدة القوة العظمي الوحيدة في الكون. ولكن ليس لوقت طويل. قد يكون الاتحاد السوفيتي سقط ولم يعد له وجود. ولكن فكرة القوة العظمي الثانية عادت مرة أخري بزعامة فلاديمير بوتين منذ انتخابه عام2000, لفترتين حتي2008 ثم مرة ثانية في عام2012 وحتي اليوم. فقد تمكن بوتين من تمكين روسيا لاستعادة مكانتها بعد سنوات شهدت فيها ضعفا سياسيا وعسكريا برئاسة يلتسين. وعادت البلاد تبني نفسها مرة أخري ليكون لها قول في السياسات الخارجية في مواجهة القوة الأحادية الأمريكية. ولكنها اليوم لم تعد أحادية, بل وقد بدأت ظواهر الحرب الباردة تعود مرة أخري. أولي تلك الظواهر تجلت في الحرب السورية والحرب العراقية; فإن كانت القوات العراقية تحارب داعش بمساندة الولاياتالمتحدة, فإن الجيوش السورية تحاربها بمساندة روسيا الاتحادية; بل وتحارب القوات التي تدعي الجيش الحر والذي تساندها الولاياتالمتحدةالأمريكية. وتجلت الحرب الباردة في حرب إعلامية شرسة من الإعلام الغربي الذي يصور تحرير حلب بأنه سقوط حلب في يد قوات النظام السوري, بينما يصور الحرب في الموصل في العراق علي انها تحرير المدينة من داعش. إن الحرب في سوريا هي الفاصل الذي سيقرر أي كف ستكون أكثر قوة في المستقبل. لقد مرت مائة عام علي ثورة أكتوبر البولشفية وبالرغم من انتهائها رسميا منذ عام1991 إلا أن فكرة القوة العظمي الثانية تعود مرة أخري علي الساحة العالمية.