بعدما اختار الأمريكيون دونالد ترامب رئيسا لهم. بعد أن حطم الجدار الأزرق للديمقراطيين, فمن المؤكد أن هذا الاختيار سوف يخلف عواقب عميقة علي العالم بأسره, للأفضل أو الأسوأ. والأمر الأكثر أهمية علي الإطلاق هو أن هذا يعكس واقع استمرار القوة الأمريكية. وهو يعكس أيضا شبه اليقين بأن الرئيس المنتخب سوف يرث هذا العالم الذي يعج بقدر كبير من الاضطرابات. ومن المؤكد أن ما سيختار ترامب القيام به, وكيف يختار القيام به, أمر بالغ الأهمية للناس في كل مكان. ويتركز تساؤلان مفتاحان.. التساؤل الأول: عن مقاصد وأولويات السياسة الخارجية؟ وهنا يقابلنا تقليدان: الأول التقليد الواقعي في العلاقات الدولية الذي يركز علي التأثير علي السياسات الخارجية للدول الأخري والإقلال من التركيز علي شئونها الداخلية. الثاني: التقليد البديل الرئيسي المسار المعاكس, بحجة أن الشئون الداخلية للدول الأخري هي الأكثر أهمية, سواء لأسباب تتعلق بالأخلاق والمبادئ, أو لأنه من المعتقد أن الكيفية التي تتصرف بها أي حكومة في الداخل تؤثر علي الطريقة التي تتصرف بها في الخارج. وهنا نجد أن ترامب كان حاسما في الانحياز للتقليد الأول والبعد عن التدخل في الشئون الداخلية للدول الاخري. والتساؤل الثاني يتعلق بعقيدة ترامب الخارجية, حيث إعلان ترامب صراحة انحيازه لتيار الانعزالية وانه لا يريد ان يكون رئيسا للعالم ويريد التركيز علي البناء من الداخل, وهنا لابد من التأكيد علي تميز المفاهيم النموذجية عن الواقع في السياسات الخارجية الأمريكية أيضا, ومن تلك المفاهيم النموذجية انه يجب أن تقوم السياسات الخارجية الأمريكية علي المبادئ وأن تكون متسقة. ولكن الأمر ليس كذلك, ونادرا ما كان علي هذا النحو, فقد أرسيت المبادئ الامريكية في الماضي, وستفعل مرة أخري في المستقبل, ولكن العالم شديد التعقيد, وهناك حاجة للمرونة, كما أن المصالح الأمريكية شديدة التنوع, لدرجة أنه لا يمكن تصور ارتكازها علي المبادئ, أو أن تكون متسقة في جميع الأوقات. وتعتبر التناقضات والنفاق جزءا من مهام القوي العظمي, وحتي الصغيرة منها. ومن تلك المفاهيم النموذجية استخدام القوة العسكرية فنجد أن إدراكات ترامب انه عندما يتضمن الأمر القوة العسكرية, فهناك علي الأقل ثلاثة أسئلة مركزية أخري يجب مناقشتها قبل أن تلقي امريكا بثقلها خلف أي مساع سياسية كانت أو عسكرية هي: ما هو الهدف من فعلها؟ وهل ينبغي فعلها؟ وما هي تكلفة فعلها؟ والواقع ان خيار ترامب الانعزالي يعود الي عدم ارتياح الأمريكيين للانخراط العالمي وهو أمر مفهوم, حيث يأتي في وقت تسوء البنية التحتية بشكل متسارع ويسود عدم يقين اقتصادي.. لكن هل سيسير ترامب فعلا في طريق العزلة, حيث هناك رؤساء أعلنوا في أيامهم الأولي لدخول البيت الأبيض رغبة في التركيز علي الداخل وعدم الانجرار للمغامرات الخارجية المكلفة, مثل نيكسون, هم من كانوا الأسرع في تغيير مواقفهم. فنيكسون نفسه شن حملة قاسية من القصف الجوي علي فيتنام, وأطلق مبادرة الانفتاح علي الصين, وأرسي مساعي تحقيق الانفراج مع الاتحاد السوفيتي, ومع أنه بدأ رئاسته منكفئا علي الداخل الأمريكي ومنعزلا عن العالم فقد انتهي به الأمر منخرطا في صراعاته. هذا التأرجح المتأصل في الولاياتالمتحدة بين غواية الهيمنة علي العالم والرغبة في الابتعاد عنه, كانت دائما حاضرة لدي الرؤساء الأمريكيين, كما أن الانتقال من وضع إلي آخر أمر دائم الحدوث في السياسة الأمريكية. ومن ثم انعزالية ترامب المفترضة محل شك.