خلال الأيام القليلة الماضية استضافت مدينة الغردقة أعمال المؤتمر السنوي للريادة التكنولوجية الذي شارك في فعالياته حوالي500 خبير مصري وأجنبي. المؤتمر رغم أهمية ما تناوله من رؤي وأبحاث حول التنمية المستدامة في الطاقة والمياه حفل بمجموعة من النماذج المصرية المشرفة التي اكتسبت خبرات عديدة وتولت مناصب رفيعة في كبريات الشركات العالمية. اللافت للنظر أن ممثلي الشركات العالمية من غير المصريين أكدوا امتلاكنا ثروة بشرية يمكن أن تمثل قاعدة الانطلاق نحو احتلال مصر مكانة متميزة بين الدول الكبري شريطة إيمان المسئولين في الدولة بأهمية الاستفادة من هذه النماذج الناجحة. من ساهر هاشم الذي يتولي حاليا رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لإحدي شركات تسويق زيوت السيارات بمصر وينافس حاليا ضمن أفضل خمس مناطق للشركة علي مستوي العالم ووائل الفخراني الذي عمل في جوجل لسنوات عديدة وعاد ليتولي منصبا رفيعا بإحدي الشركات التي تعمل في نقل الركاب بمصر إلي شباب من الجامعات الحكومية المصرية احتل المركز الثامن علي مستوي العالم في ابتكار سيارة صديقة للبيئة تستخدم اقل كمية من الوقود.. وسط هؤلاء جميعا أكد المشاركون بالمؤتمر أن أمام مصر فرصة ذهبية للتطور والنمو اعتمادا علي عقول أبنائها. عندما أرادت كوريا الجنوبية أن تحقق نهضة صناعية واختارت مجال صناعة السيارات قامت بالتواصل مع أبنائها في دول العالم المختلفة الذين يعملون في هذه الصناعة.. أرسلت إليهم وعرضت عليهم خطتها لإقامة صناعة سيارات متطورة قادرة علي المنافسة العالمية.. طلبت عودتهم إلي الوطن مقابل حصولهم علي دخل مادي ومزايا صحية وتعليمية مثل ما يحصلون عليه في الخارج مع التزام الحكومة الكورية بتوفير بيئة العمل المناسبة لهم. ما فعلته كوريا الجنوبية أعطي ثماره أسرع مما كان مخططا لتصبح فعلا رقما مهما في معادلة صناعة السيارات عالميا. نفس النموذج فعلته ماليزيا وغيرها من دول النمور الآسيوية. مصر تمتلك عشرات الآلاف من العقول النابهة التي تتولي مناصب ومسئوليات كبيرة بالعديد من الشركات العالمية الكبري. هؤلاء المصريون لن يتأخروا عن تلبية نداء الوطن إذا صدر بشكل علمي ومدروس بعيدا عن العاطفة. وأتخيل أن الحكومة إذا نجحت في اختيار مجال محدد نمتلك فيه ميزة نسبية وآمنت بقدرتنا علي التميز به وأرسلت إلي أبنائها بالخارج تطلب استثمار خبراتهم وأفكارهم في هذا المجال سوف يتحقق للاقتصاد المصري نقلة نوعية تختصر عشرات السنين من مشوار الأمل في ازدهار اقتصادي واجتماعي. تبني مثل هذا التوجه ليس إنفاقا أو تكلفة ضائعة بل هو استثمار حقيقي سيدر عوائد مرتفعة سواء بالمقاييس الاقتصادية أو الاجتماعية. فقط علينا أن نبدأ الخطوة الأولي وأن يكون لدينا الإيمان بقدرتنا علي النجاح خاصة وان الرئيس السيسي استعان بمجموعة من العقول المصرية المتميزة والذين شكلوا مجالس استشارية في عدد من المجالات. النجاح في تحقيق الطفرة المأمولة اقتصاديا واجتماعيا يمكن أن يتحقق إذا أقمنا ما يشبه حاضنات لعقول أبناء مصر في الخارج ليس مقصودا العلماء فقط ولكن المتميزين في المجالات المختلفة وتوفير بيئة العمل المناسبة بعيدا عن الإطار التقليدي الذي يحكم عمل العديد من المؤسسات المصرية والذي كان سببا جوهريا في هجرة العقول المتميزة إلي خارج حدود الوطن. مثل هذه الحاضنات تمثل الترجمة العملية لما نطالب به ونؤكد عليه بأن بناء مصرنا لن يتحقق إلا بسواعد أبنائها أما قصر العلاقة بين الوطن وأبنائه بالخارج في دائرة زيادة تحويلاتهم المالية إلي الداخل فإنها مثل الذي يفرط في اقتناء الذهب اكتفاء بالنظر إلي بريقه.