ببداية, أكد فيها الدكتور عمرو الأتربي عميد كلية التجارة جامعة عين شمس أن القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة أخيرا من تعويم الجنيه المصري, وتخفيض الدعم وما صاحبها من إجراءات تمس كل بيت مصري ولا بد من شرحها, وتوضيح تداعياتها التي تؤثر علي كل المصريين, اتفق كل من الدكتور محمد الأتربي رئيس مجلس إدارة بنك مصر والدكتور حسين عيسي رئيس لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان, خلال ندوة تحليل ومناقشة القرارات الاقتصادية الأخيرة, والتي عقدت أمس بالكلية وغاب فيها الدكتور علي مصيلحي رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان علي أن تلك القرارات كان لا بد منها للإصلاح الاقتصادي الذي تسير فيه مصر حاليا, غير أنهما اختلفا فيما بينهما, حيث أكد رئيس بنك مصر أنه كان من الضروري التمهيد الشعبوي للقرارات لتقبلها مجتمعيا, خاصة أن نتائجها ليست آنية أو مباشرة. شدد الدكتور محمد الأتربي رئيس مجلس إدارة بنك مصر علي أنه كان لا بد من مصارحة الشعب المصري بأهمية القرارات الاقتصادية الأخيرة لما لها من نتائج هائلة علي المستوي البعيد, قال إن قرار البنك المركزي بتعويم الجنيه جاء بعد أن أصبحت البنوك غير قادرة علي تلبية احتياجات العملاء فكان لا بد من التعويم لأنه من غير الممكن أن تتم المضاربات بالأسواق بالأسعار ولذلك أطلق البنك المركزي يد البنوك لتسعير الجنيه المصري حسب العرض والطلب بالبنك, واللذين يختلفان من بنك لآخر, موضحا أن بنك مصر حصل علي أكثر من7 ملايين دولار والإقبال في تزايد لكن قبل القرار لم تكن البنوك تحصل علي أكثر من500 ألف جنيه فقط, مؤكدا أن تذبذب الأسعار أمر طبيعي في البيع والشراء لسعر الدولار لكن الفروق طفيفة ولا تتعدي20 قرشا مما يؤكد أن مصر تسير علي الطريق الصحيح, مشددا علي انه في الوقت الذي للبنوك مطلق الحرية في تحديد السعر, فان البنك المركزي مراقب للممارسات وفي حال حدوث ممارسات غير سليمة فمن حقه أن يتدخل لوقف هذه الممارسات خاصة إذا ما حدثت تقلبات حادة لكن العرض والطلب هو ما يحكم السوق. وأضاف الأتربي أن إلغاء الدعم التدريجي أمر لا بد منه لتصبح مصر جاذبة للاستثمار وتشجيع المستثمرين خاصة بعد تعويم الجنيه, مشيرا الي أن البورصة المصرية ارتفعت بعد القرار وأصبحت استثمارات المؤسسات الأجنبية تدخل في أذون الخزانة, لافتا إلي أنه لأول مرة في تاريخ البورصة المصرية تربح مليوني دولار في يوم واحد كما أن صندوق النقد الدولي قرر أن يدعم مصر اقتصاديا, مشيرا في الوقت نفسه الي أن وزارة المالية ستطلق شهادات استثمار خلال اليومين المقبلين لتشجيع المستثمرين في مصر. من جانبه, أكد الدكتور حسين عيسي رئيس لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان رئيس جامعة عين شمس السابق أن مصر بحاجة الي العديد من الحلول غير التقليدية للإصلاح الاقتصادي وذلك سيتم طبقا لطبيعة الدولة ومتغيراتها, مشيرا إلي أن هناك أراضي مخصصة ستوزع بالمجان لتنمية الصعيد وإعفاءات ضريبية كاملة للأراضي التي تنتج سلعا للتصدير, ودافع عن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي طرح في البرلمان فقال انه كان يحمل العديد من التوصيات التي من شأنها تقليل عجز الموازنة حيث نعاني خللا واضحت خاصة مع زيادة الدعم والأجور والرواتب, مشيرا الي ان البرلمان أقر قانون الضريبة المضافة لتمويل برنامج الاصلاح والذي تم تقديمه لصندوق النقد الدولي وبدوره وافق علي منح مصر من خلال قروض ميسرة. وأضاف عيسي ان تحرير سعر الصرف بالبنوك له العديد من الآثار الايجابية والسلبية حيث انتعشت سوق الاستثمار المصرية والأجنبية خلال أيام ومتوقعا أن تنخفض قيمة الواردات وتعود العديد من المصانع المتوقفة للعمل نظرا لتوفير الدولار في البنوك, مؤكدا أن ما يشهده سعر الدولار من ارتفاع حاليا سيستمر لمدة شهرين تقريبا حتي يحدث توازن حقيقي بين العرض والطلب تزداد حصيلة تحويلات المصريين بالخارج ودخل السياحة وغيرها من موارد العملة الصعبة, مشيرا في الوقت نفسه الي أن هناك مبادرة لزيادة رواتب العاملين بالقطاع الخاص وأن تكون السلع الأساسية مدعومة من الدولة بعد زيادة المخصصات التموينية للفرد. وفي هذا الاطار طالب عيسي بضرورة تفعيل قواعد البيانات لمستحقي الدعم والقري الفقيرة والأكثر فقرا والتي تم إعدادها منذ سنوات وقت تولي الدكتور علي مصيلحي وزير التموين السابق المسئولية بالتعاون مع وزارة التنمية الادارية مع تحديثها وتشبيك عدد من الجهات المختصة فيما بينها للوصول الي نظام معلومات متكامل يمكن الاعتماد عليه لوصول الدعم الي مستحقيه الحقيقيين بالفعل. وشدد علي أنه يجب خفض قيمة الواردات واستبدال السلع بأخري محلية وإصدار قانون الاستثمار الجديد الذي يقضي علي الاستغلال والاحتكار, موضحا ان القانون لا يزال لدي الحكومة ومن المتوقع تقديمه للبرلمان أواخر شهر نوفمبر الجاري, ومطالبا بضرورة أن يتضمن تيسيرا للإجراءات واستخدام أمثل لفكرة الشباك الواحد الذي يوفر الوقت والمجهود حيث إن الروتين والبيروقراطية أهم أسباب ضعف الاقتصاد. وطمأن عيسي العاملين بالدولة- قائلا: إنه لا تسريح للعمالة وإنما تنظيم لكي يقوم كل فرد بعمل حقيقي. وأوضح أن الإصلاح الجذري الشامل للجهاز الإداري الحكومي أمر ضروري بداية من الموارد البشرية وحتي القرارات الصادرة, مؤكدا أن الجهاز بحالة الحالية مترهل ويعاني منه المواطن البسيط بسبب البيروقراطية والروتين, مشددا في الوقت نفسه علي أن مصر بحاجة الي ثورة في التعليم والصحة لأن العمالة المصرية ليست لديها مهارات سوق العمل وهذا أمر في منتهي الأهمية ويجب أن يتم وضعه في الحسبان منذ اللحظة الأولي لتولي الحكومة مهامها لأن ذلك من الأمور التي تؤثر علي قيمة الصادرات المصرية وتزيد منها, مؤكدا أن مصر كما هي بحاجة لمشروعات عملاقة تستوعب عددا كبيرا من العمالة فانها بحاجة أيضا الي ما يطلق عليه المدن الصناعية المتخصصة, لتستوعب نوعا اخر من العمالة الكثيفة, ضاربا المثل بالصين التي حققت نموا اقتصاديا كبيرا بالاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة. وفجر مفاجأة مدوية في نهاية الندوة, بتأكيده أن التهرب الضريبي في مصر مشكلة كبيرة جدا وجزء كبير من أسباب انخفاض الحصيلة الضريبية بسبب التهرب نتيجة عدم اقتناع موظفي مصلحة الضرائب بتحصيلها من المواطن وعدم تشجيعه علي دفعها بل ومساعدته في أحيان كثيرة علي التهرب وتيسير سبله أمامه, مشيرا الي أن حل هذه المشكلة وغيرها من المشكلات القائمة ستزيد الحصيلة مما يدعم الاقتصاد الوطني, معلنا أن مصلحة الضرائب ستعقد ورشة عمل الشهر المقبل حول كيفية إدارة المنظومة الضريبية لتكون البداية لإصلاح ضريبي منشود. وحول الصناديق الخاصة وكيفية التعامل معها, أكد عيسي أن وزارة المالية تعد بشأنها دراسة تفصيلية ستعلنها خلال شهر, مؤكدا أن هناك فروقا كبيرة بين الصناديق الخاصة والحسابات الخاصة, حيث إن كل صندوق له كيفية لضمه للموازنة العامة فبعض الصناديق ليست لها لوائح معتمدة وبعضها يدخل جزء منه لخزينة الدولة والكثير منها لا يدخل وكل جهة تختلف في موازنتها سواء بالحصول علي جزء من الصناديق الخاصة بها أو لا وهناك جهات ووزارات مثل الاسكان والداخلية والأوقاف تعتمد بشكل كبير علي الصناديق في مشروعاتها. ولفت الي أن هناك مشكلات مثل تعيين العمالة المؤقتة بأعداد كبيرة علي هذه الصناديق وهو ما يستلزم من الحكومة البحث عن بديل لتمويل هذه الرواتب, وضرب المثل بجامعة عين شمس وحدها التي تم تعيين ما يقرب من750 موظف يأخذون رواتبهم من الصناديق الخاصة بالجامعة وليس من خزانة الدولة, مشيرا الي ان الكثيرين يرددون أن الأرقام الحقيقية غير موجودة لكن وزير المالية أكد أن لديه الأرقام جميعها. واختتم بتأكيده أن الصناديق الخاصة من الموضوعات التي لا يمكن أن يتخذ بشأنها قرار فوقي لذلك كان لا بد من دراسة متأنية شاملة لبحث الحل الأمثل للتعامل معها.