ماريا هي شابة رومانية تمتلك وجها جميلا تكتسي ملامحه ببراءة الذئب من دم ابن يعقوب. وتعيش ذات السادسة عشر ربيعا, مع شريكاتها الثلاث اللاتي لم تتجاوز أعمارهن السابعة عشرة, في إحدي ضواحي باريس فوق صفيح ساخن يطلق عليه كرافان الغجر الرحل. ومع إشراقة كل صباح, اعتادت أذن ماريا سماع جملة واحدة بجميع لغات العالم: سيدتي, تنبهي, هؤلاء الفتيات يحاولن سرقتك. وبالرغم من أن شرطة باريس تعرب يوميا عن قلقها من تزايد عدد المراهقات من الغجر اللاتي قدمن من بلغاريا ورومانيا وصربيا وسلوفاكيا والمجر ليقمن بالتعدي بالسرقة والنشل والاحتيال علي جميع الجنسيات, إلا أن ماريا وصديقاتها لا يبالين بالمخاطر التي يمكن أن يتعرضن لها. فالنشل مهنة مربحة وسهلة لا تستغرق أكثر من عدة ثوان تباغت فيها فتيات أوروبا الشرقية الضحية المستهدفة من بين السائحين, أو حتي الفرنسيين, للانقضاض علي الحقيبة أو حافظة النقود. ثم تأتي مرحلة دفع ركاب المترو والفرار السريع قبل أن تنتشر الصيحات المدوية أوقفوا اللصوص, استدعوا الشرطة. وتزداد أعداد ضحايا قاصرات الغجر اللاتي يرتكبن جرائم السرقة والاحتيال تحت أعين المارة وتحت حماية القانون الفرنسي الذي لا يجيز الملاحقة القانونية لمن هم دون الثامنة عشر عاما. وبينما تسجل كاميرات المراقبة المنتشرة في كل مكان في فرنسا تفاصيل أحداث السرقة, تمتليء جيوب ماريا وأعضاء التشكيل العصابي بمختلف العملات بدءا من الين الياباني وانتهاء بالدولار الأمريكي. وتصبح ماريا وشركاؤها وجوها مألوفة لدي شرطة باريس. ومن المضحك أيضا, أن وجوه ضباط الشرطة تصبح بدورها علامات مميزة في ذاكرة لصوص الغجر الساخرة من رجال الأمن الذين يفرجون, بحكم القانون, عن الجناة المتلبسين بالسرقة, والمتهكمة من أعضاء البرلمان الذين يخشون من ترحيل الغجر وإغلاق معسكراتهم خوفا علي فقد أصوات الناخبين. ويزداد نفور الشعب الفرنسي الذي لم يعد يأبه باللحن الرتيب لسيمفونية حقوق الإنسان التي جعلت منه فريسة سائغة للصوص المنازل من مهاجري الغجر. فالاستطلاعات الأخيرة تشير إلي أن الفرنسيين متسامحون مع اليهود بنسبة5,79 في المائة, ومع الأفارقة بنسبة6,73 في المائة, والمنتمين إلي دول المغرب العربي بنسبة16,62 في المائة, والمسلمين بنسبة53 في المائة, ليحتل الغجر أو ما يطلق عليهم الروما أسفل القائمة بنسبة لا تتجاوز ال28 في المائة. وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قد وعد خلال حملته الانتخابية لرئاسة الجمهورية بعدم ترحيل الغجر أو تفكيك مخيماتهم أو حتي إعادتهم إلي الحدود. كما رفض تماما أن ينتهج سياسة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي أعاد, في جرأة شديدة, إلي حدود بلاده نحو عشرة آلاف من غجر الروما من ذوي الأصول الرومانية والبلغارية. وقد أعلنت الحكومة الفرنسية آنذاك أن ترحيل الغجر إلي موطنهم الأصلي يتفق تماما مع القانون الأوروبي الذي يقضي بحق أي دولة في إنهاء إقامة أي شخص ليس له وظيفة ويشكل عبئا اجتماعيا علي أرضها. عزيزتي فرنسا... أما آن الأوان هذا العام لكي يرحل, كابوس الغجر الذي يؤرق السائحين والفرنسيين علي حد سواء قبل أن تقوم ماريا بسرقة حافظة نقود وزير الداخلية مثلما فعلت مع زوجي أمام عيني؟!. [email protected]