سنوات طويلة من البحث المضني في مجال غير مألوف اختاره بمحض إرادته, ودراسة صعبة يفرضها تخصص علمي يبدو غريبا بالنسبة للعامة, ولقب صعب المنال يحظي به بعد عذاب. علميون.. هذا هو اللقب الرفيع الذي يسعي إليه بعد رحلة تعليم اجتازها بصعوبة, ولكن هل يحظي هو نفسه بنفس أهمية اللقب الذي يحمله ؟ سؤال يجيب عنه مجموعة من العلميين الذين حلموا بمستقبل مشرق واهتمام غير مسبوق بهم وبالأبحاث والدراسات التي قاموا بإعدادها في مجالات مختلفة, ورغم الواقع المر الذي لاقاه البعض بسبب تجاهل تخصصه بل وتهميش دوره لكن لا يزال الحلم فارضا نفسه متمنين صلاح أحوالهم وأحوال العلم في بلد تسعي للتنمية وتتمني تخطي العثرات والأزمات ولكن دون الاستفادة بالرصيد العلمي الذي تمتلكه من كوادر بشرية ومواد وأبحاث علمية لا تزال تعاني من التهميش وسوء الإدارة وقلة الإنفاق وعدم السعي للتطبيق وإهمال نتائجها في كافة المجالات. في البداية يقول أحمد ناصر- حاصل علي دبلومة كيمياء حشرات أن أساس أي نهضة هو العلم, وأعلي فئة مؤهلة في مصر من مختلف الكليات هم خريجو كليات العلوم علي حد وصفه مؤكدا أنه إذا أردنا أن نستفيد منهم علي الوجه الأمثل فلابد أن نضع كل إنسان في عمله المنوط القيام به فهم علي سبيل المثال الذين يحمون جسم السد العالي من الانهيار ويعملون بمصلحة سك العملة ومصلحة الأدلة الجنائية والتزييف والتزوير بجهاز الشرطة والبترول والتعدين وكل قطاعات الصناعة. ويضيف قائلا: نعاني في قطاع التحاليل الطبية من تعنت وزارة الصحة في تطبيق القانون والذي يتيح لخريجي كليات العلوم الحاصلين علي دراسات عليا الحصول علي ترخيص من وزارة الصحة بقيده داخل سجلات الوزارة, مما يجعلنا نلجأ إلي القضاء من أجل تنفيذ القانون, مشيرا إلي أنهم لا يطالبون بما هو ليس من حقهم ولكنهم يسعون لتطبيق القانون. وباستياء شديد تحدثت لميس مصطفي- أخصائي تحاليل طبية- عن الوضع الحالي قائلة إحنا بنعاني جدا ومتبهدلين في كل مكان ومفيش مسمي وظيفي والمرتبات ضعيفة وأعلي مرتب1500 جنيه, مشيرة إلي أن العمل بالمعامل الطبية مرهق للغاية ولا يوجد بها تعقيم أو كحول أو بدل عدوي ولا يزيد الأجر بها علي600 جنيه شهريا. وتطالب لميس نقابة العلميين بإتخاذ خطوات إيجابية علي أرض الواقع لأن نقابة الأطباء وكذلك الصيادلة أخذوا مكانهم في أحقية فتح المعامل علي حد قولها, لتنهي حديثها بنبرة غاضبة قائلة لازم يكون لينا مسمي وظيفي واضح ومحدد مش مرة يقولوا لنا دكتورة وأحيانا بشمهندسة وممكن أبلة! نفسي اعرف احنا مين!. أما نهي أبو النصر خريجة كلية العلوم دفعة2016 امتياز مع مرتبة الشرف تري عدم وجود استفادة حقيقية من المحتوي العلمي الذي يتم دراسته بكليات العلوم بسبب عدم وجود تطبيق عملي أو تدريب للطلاب علاوة علي أن كليات العلوم من أصعب الكليات وتعتبر كلية قمة وبالرغم من ذلك فهي ليست في المكانة التي تستحقها بينما يتم الإهتمام بها في الدول الأجنبية لأنهم يعلمون قدر أهميتها. وتطالب نهي بإنشاء مراكز تدريب للخريجين أو أن تقوم الكلية بتكليف الطلاب بالتدريب في الشركات ومراكز البحوث والمستشفيات لمدة عام وأن يتم توفير فرص عمل لأوائل الجامعات والحاصلين علي تقديرات مرتفعة. وتشير شيماء رفعت- أخصائي تحاليل طبية إلي سوء المعاملة التي تواجهها كغيرها من خريجي العلوم في مجال العمل من قبل بعض الأطباء, وأضافت إحنا مظلومين في البلد, مفيش وظايف واللي بيشتغل لازم يكون معاه واسطة. بينما تقول إسراء جمال كيميائية- أن العلميين حقهم مهدر من الناحية العلمية والعملية ولا توجد فرص عمل لهم إلا في معامل التحاليل والتي تتسم بتدني الأجور ومعظم الوظائف حاليا تطلب الذكور فقط, وفي حالة التعيين في المصانع أو الشركات لابد من وجود واسطة وأغلب المصانع حاليا أوقفت التعيين بسبب الظروف الإقتصادية التي تمر بها مصر. تدني المرتبات وعدم وجود لقب وظيفي والمعاملة السيئة من أصحاب المناجم والمحاجر غير العلميين الذين يهدرون الثروة التعدينية في مصر هذه هي أهم المشاكل التي ذكرها محمد رفعت جيولوجي- والذي طالب نقابة العلميين بضرورة وجود ملتقي توظيفي للخريجين وتدعيمهم من خلال دورات تدريبية تؤهلهم لسوق العمل. وعلي صعيد آخر تشير الدكتورة مها سالم- عضو مجلس شعبة العلوم الطبية بنقابة المهن العلمية إلي أن مشاكل العلميين الطبيين تتفرع إلي عدة محاور علي رأسها مخالفات وزارة الصحة في إعطاء تصاريح مزاولة مهنة التحاليل الطبية للعلميين تحت إشراف طبيب بشري بما يخالف نص قانون مزاولة مهنة الكيمياء الطبية مما يضطر العلميين لرفع قضايا ضد وزارة الصحة للحصول علي تصريح مزاولة المهنة دون إشراف طبيب بشري, بالإضافة إلي رفض لجنة تراخيص مزاولة المهنة بعض الدراسات العليا وقبول البعض الآخر طبقا لآراء اللجنة ورفضها أحيانا منح التراخيص للعلميين لمدة قد تصل إلي ثلاثة أعوام. وتوضح مها أن صدور قانون14 لعام2014 نتجت عنه عدة مشكلات منها التمييز علي أساس عدد سنوات الدراسة وهو ما لا يوجد في أي قطاع من قطاعات الدولة وأيضا لم يتطرق إلي كل التخصصات العاملة بالقطاع الطبي من خريجي كليات العلوم واقتصر علي الكيميائي والفيزيائي فقط في حين وجود علوم آخري مرتبطة بالمجال الطبي مثل البيولوجي( علم الأجنة وعلم الدم وعلم المناعة وعلم الطفيليات وعلم الأنسجة) والإحصاء الطبي, وتجاهل هذا القانون منحهم بدل العدوي وبدل المناطق النائية وبدل الطوارئ للعاملين بالوحدات المرتبطة بالطوارئ مثل بنوك الدم, وكذلك حرمانهم من كادر المهن الطبية رغم أن الكيميائي الطبي هو عضو اتحاد المهن الطبية. فيما يؤكد نقيب العلميين الدكتور السيد عبد الستار المليجي أن مشاكل العلميين تكمن في عدم صدور قانون مزاولة المهنة الذي نسعي لإصداره منذ30 عاما وسوف تذهب به النقابة لمجلس الشعب في أكتوبر الجاري لدراسته وإقراره والذي يحدد المسمي الوظيفي لكل خريج وحقوقه وواجباته في مؤسسات الدولة أو في العمل الحر, وهذا القانون سيمنع إتجار العامة في المواد الكيميائية التي تباع الآن في المحلات والشوارع مما يتيح لغير المتخصصين صناعة المتفجرات من المواد الكيميائية التي يستغلها الإرهابيون, وكذلك انتشار مصانع بير السلم التي تقوم بصناعة مواد المنظفات المغشوشة وكل المنتجات الكيميائية والغذائية بدون تراخيص, لذلك فبموجب هذا القانون يحظر علي غير الكيميائيين التعامل أو الإتجار في المواد الكيميائية. ويضيف أن الدعم المادي من الدولة للنقابة ثابت منذ أكثر من20 عاما ولا يتعدي66 ألف جنيه وكذلك لا تحصل النقابة علي الدمغات الإنتاجية من الشركات التي يعمل بها العلميون أسوة بالنقابات الآخري, مما أدي إلي ضعف موارد النقابة وضعف صندوق المعاشات مما جعل معاش أكبر عالم في مصر لا يتعدي80 جنيها وهو أقل معاش علي مستوي النقابات المهنية في مصر. وينهي حديثه قائلا إلي جانب كل هذه المشكلات نجد مجلس النواب الحالي خاليا من أي عالم علمي سواء بالإنتخاب أو التعيين ولا من بين الوزراء ولا المحافظين, الأمر الذي يؤكد تهميش العلميين رغم أنهم وحدهم يستطيعون تطبيق العلم وتحويله إلي تكنولوجيا تساعد علي نهضة وتنمية الدولة.