في حوار مع شارد عن ربه, استحوذ عليه الشيطان, واستبد به هواه; فأساء إلي أهله, بل إلي أقرب الناس إليه, وطلبوا نصحا له لعله يعود إلي صوابه; ذهب إليه جمع من الصالحين الذين يحيطون بالعائلة وأدلي كل منهم بدلوه, وقالوا له من كلام الوعظ والحلال والحرام ما شاءوا, غير واحد منهم التزم الصمت, وكان رد الفعل عند الرجل المكابرة والإصرار إلي أن طردهم.. وهم في طريق الباب للخروج قال الرجل الذي جلس صامتا طول الجلسة لصاحب الدار الذي طردهم منها هامسا في أذنه: يا فلان فيك صفة من صفات رسول الله صلي الله عليه وسلم ووقعت الكلمة في قلب الرجل العاصي وعقله ونزل من كبريائه وإصراره وغفلته. دارت رأسه وأخذ يفكر: أي صفة بي من صفات رسول الله صلي الله عليه وسلم؟! معقول وأنا علي هذه الحالة؟!... وسأل عن الرجل الذي قال له هذه الكلمة.. وذهب إليه وسأله: أي صفة بي من صفات رسول الله صلي الله عليه وسلم ؟! فقال له: أنا الآن علي موعد بالمسجد, تعال وبعدها نجلس سويا أوضح لك الأمر. فذهبا إلي المسجد وصليا واستمعا لمجلس علم وقرآن وذكر, وكان لمجلس العلم أثر, ولمجلس القرآن أثر, ولمجلس الذكر أثر, وأصبح الرجل مهيأ لسماع الإجابة وأكثر تشوقا إليها, فقال له: الوصف الذي فيك من صفات الرسول صلي الله عليه وسلم هو الصدق; فأنت رجل لم تخدعنا, ولم ترواغنا بل قلت ما عندك وكنت واضحا صريحا, والصدق من صفات رسول الله صلي الله عليه وسلم. فبكي الرجل وكانت فاتحة خير لصلاحه. إن من دخل إلي الرجل في منطقة عصيانه( المنطقة المظلمة)فشل في الوصول إلي غايته, في حين أن من دخل من المنطقة المشرقة( منطقة الخير) نجح مع الرجل. في حالات كثيرة قد لا يفيد الوعظ المباشر, ويكون الأنفع الدخول إلي الشخصية من بابها الذي تتأثر به, ويكون البحث عن صفة طيبة في الإنسان يزكيها الداعي وينميها يكون لها فعل السحر في إصلاح الحال.. وكما أن الترهيب باب من أبواب الموعظة فالترغيب باب عظيم لها. وكم أتأمل عظمة رسول الله صلي الله عليه وسلم في حواره مع عداس بعد أن طرده أهل الطائف وسلطوا عليه عبيدهم وصبيانهم يرمونه بالحجارة حتي دميت قدماه الشريفتان, وجلس يستظل بحائط بستان لابني ربيعة, فبعثا إليه بعنقود عنب مع أجيرهما عداس, فوضعه عداس بين يديه صلي الله عليه وسلم ودعاه لأن يأكل فمد النبي صلي الله عليه وسلم يده وقال: بسم الله الرحمن الرحيم فقال عداس: هذا كلام غريب لا يعرفه أهل هذه البلاد. فقال النبي صلي الله عليه وسلم ومن أي البلاد أنت؟ فقال عداس: من نينوي. فقال النبي: بلد الرجل الصالح يونس بن متي فقال عداس: أو تعرفه؟ فقال الرسول: نعم إنه أخي فهو نبي وأنا نبي فأقبل عداس علي رسول الله مقبلا رأسه ويديه. انظر رعاك الله كيف أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يشتغل بذم من آذوه وطردوه, بل اشتغل بما يزكي النفوس. وفي حياتنا المعاصرة تشتد الحاجة إلي أسلوب الإعانة بدلا من أسلوب الإدانة, نحتاج إلي تقديم الدعم المعنوي للشباب ترغيبا لهم وإنقاذا لهم, وما يعقلها.......... إلخ. وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم. [email protected]