قرض صندوق النقد الدولي هو الحل..الجملة تكررت كثيرا في الفترة القصيرة الماضية في أحاديث المجتمع المصري وكتبت كثيرا كعناوين كبيرة في الصحف, وعلي مواقع التواصل الاجتماعي ووصل بها الأمر عند حارس العمارة التي اسكن بها.. سألني عم محمد البواب يا أستاذة ممكن افهم من حضرتك أيه قرض الصندوق اللي بيقولوا عليه دا؟ وصحيح حيخلينا أغنيا؟. بالرغم من بساطة فكر عم محمد لكن سؤاله استوقفني فأنا أري أن هناك سؤالا آخر مرتبطا به وربما لا يقل أهمية وخطورة عنه ألا وهو:هل يستطيع مجتمع فقير أن يتطور دون أن يضطر إلي الأخذ بنظم قاسية أو غير عادلة؟..دعونا نلقي نظرة سريعة علي هذا القرض البالغ12 مليار دولار سيمنحها الصندوق لمصر علي3 سنوات بفترة سداد10 سنوات..وهذا الرقم(12 مليار) يقترب من الحد الأقصي المسموح به للاقتراض بالنسبة لحصة مصر مما يدل علي أن الاقتصاد المصري لم يحقق أي تحسن في السنوات الأخيرة ولم يتأثر بالأحداث الاقتصادية التي زعمت الحكومة جدواها بكل آسف!, ولكنه في الوقت نفسه مؤشر دولي للاستقرار السياسي في مصر. وقد لجأت مصر للاقتراض من الصندوق بالأساس لسد الفجوة التمويلية حيث نحتاج لحوالي21 مليار دولار بحسب ما أعلنته الحكومة لتمويل برنامجها الاقتصادي المقترح, بالإضافة لمحاولة احتواء أزمة الدولار المتفاقمة, وقد تضمن الاتفاق بعض الالتزامات من الجانب المصري لضمان الوفاء بالسداد مثل: تطبيق ضريبة القيمة المضافة..وخفض دعم المواد النفطية. ومن المفترض بتطبيق( البرنامج الإصلاحي المقترح) أن ينخفض العجز الحكومي من حوالي79% إلي48% من إجمالي الناتج المحلي. باختصار وظيفة قرض الصندوق في هذه الحالة تتمثل في دعم الموارد المالية لمصر..فالغرض من هذا القرض هو تحقيق هامش من الحماية المالية لا أكثر.. وفي الوقت نفسه يجب- أن تعمل السلطات علي تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي( حقيقي ملموس النتائج) يهدف إلي أمرين أساسيين وهما:استعادة الاستقرار المالي لمصر, وتحقيق نمو اقتصادي وتنمية حقيقة. ولتحقيق ذلك يعلم جميعنا أن الحكومة ستلجأ لاتخاذ عدد من الإجراءات القاسية..وهنا يجب أن نتوقف لحماية محدودي الدخل والعمل تحت مظلة مراعاة الظروف الاقتصادية والمعيشية للغالبية العظمي من الشعب المصري والذي يعيش أكثر من37% منه تحت خط الفقر. وأري أنه من واجبي أن أقولها بصراحة ووضوح, ودون تجميل فإن لم تمثل الحماية الاجتماعية لمحدودي ومعدومي الدخل مثل عم محمد البواب وغيره في هذا البرنامج الإصلاحي والتعهد بمراعاة الحقوق الأساسية للشعب لن يتم أي إصلاح ولن نخطو خطوة واحدة نحو ما يهدف اليه البرنامج الحكومي وسيصبح القرض مجرد إضافة للدين القائم وسببا جديدا آخر في تفاقم المشكلة. وهناك نقطة مهمة أود الإشارة إليها وهي أن الصندوق ليست له أي شروط سياسية أو اقتصادية معينة يفرضها كما هو متداول ولكنه يرحب بالبرامج الإصلاحية التي تضعها الحكومات نفسها بما يلبي احتياجاتها, بمعني أن دوره في هذا السياق هو مجرد المساعدة في إعداد السياسات والإشراف علي تنفيذ البرنامج الإصلاحي لضمان أو التأكد من قدرة الدولة علي السداد..ومعني ذلك أن تتحمل الحكومة المسئولية كاملة أمام الشعب عن النجاح أو الفشل..وضرورة وجود رؤية إستراتيجية للدولة معلنة بشفافية. وأخيرا وليس آخرا..قرض الصندوق هو البديل الممكن لأن الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي يمثل ضرورة ملحة في ظل برنامج قوي ولكن هناك فجوة تمويلية وهي تمثل الفرق بين مدخراتنا الضعيفة واستثماراتنا الطموحة وهذه الفجوة تصل الي30 مليار دولار ومن يقول ان مصر لم تكن بحاجة الي هذا القرض فعليه إيجاد البديل..والله المستعان.