في الزمن العربي الآيل للانهيار..وفي عالم تهيمن عليه حسابات الأرباح الناجمة عن المزادات والمزايدات, تضيع قيمة الاحساس بمشاعر الشعوب, وتتحول المعاني في عالم السياسة والاستراتيجية لمجرد مكاسب يستوي فيها المقدس والمدنس. وهذا النسق من السقوط يشبه عن قرب, ما آلت إليه أمور الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي إن سار علي درب القذافيفسيتبوأ مكانة الأوغد في تاريخ اليمن, ذلك التاريخ الذي ندر أن تجد له مثيلا بين التواريخ. فعلي ضوء الاكتشافات الآثارية الحديثة, أقام قدامي اليمنيين منذ فجر التاريخ حضارة, اعتلت أعلي درجات الرقي والعراقة في سلم حضارات الشرق القديم, وقد ازدهرت تلك الحضارات في مناطق الوديان من شرق اليمن وكانت أولها حضارة المعينيين في بلاد جنوب الحوف, شمال شرق صنعاء وفي صددها يذكر المؤرخ مولر: أنه جاء ذكر المعينيين في أقدم نص بابلي, عليه نقش بالمسمارية يعود بتاريخه إلي عام3750 ق.م, وقال لورنس إن اليمن هو مصنع العرب. وقد امتدت سيادة المعينيين في معظم شبه جزيرة العرب وشواطئ البحر الأبيض المتوسط وامتدات إلي عام630 ق.م. وقد اشتهرت بأبنيتها العامة كالمعابد والطرقات والحصون والسدود بإلاضافة إلي الزراعة والتجارة. وكانت دولة سبأ من أقدم الدول اليمنية القديمة وأخلدها ذكرا, وقد ارتبطت بها معظم الرموز التاريخية اليمنية القديمة مثل حضارة سبأ وسد مأرب, ومنها تسلسلت أنساب قبائل حمير وكهلان, وإليها ينتمي أهل اليمن جميعا. وبلقيس هي ملكة سبأ التي ذكر القرآن الكريم قصتها كاملة مع سليمان عليه السلام. ومنذ القرن الثالث ق.م, وحتي القرن الأول الميلادي. ودول اليمن المتعاقبة تسيطر علي التجارة في منطقة البحر الأحمر وبحر العرب وشبه الجزيرة العربية ولقد ظلت اليمن منطقة ازدهار تجاري, وإليها كانت تسير قوافل التجارة العربية في رحلات منتظمة. وفي تلك الفترة حاول الرومان عبثا بقيادة الامبراطور( كايوس ايليوس غالوس) فتح اليمن,وفي مطلع القرن الأول الميلادي سيطرت دولة سبأ علي دولة قطبان, ثم توسعت نحو الجنوب الشرقي بالغة ذروة انتشارها وأصبح ملوكها يعرفون في القرن الرابع الميلاد بلقب ملوك سبأ وذي ريدان وحضرموت واليمانة. هذه الدولة التي أصبح العنصر الغالب فيها من الحميريين, تعاظم شأنها ودخلت في نزاع مع أحباش مملكة أكسوم الذين ينحدرون كذلك من أصل سبئي, وأحتل الأحباش اليمن في القرن الرابع الميلادي, ولكنهم عادوا وانسحبوا منها قبل العام378 م. ودخل الدين اليهودي إلي اليمن في القرن الثاني للميلاد.وقام الملوك الحميريون اعتبارا من القرن الخامس الميلادي باضطهاد المسيحيين, الذين كانت قد تأسست جماعاتهم في القرن الرابع الميلادي, وجاء ملك الحبشة كالب524 575 م لنجدتهم واحتل اليمن التي تحولت إلي مملكة تابعة للحبشة, وانتشرت فيها الديانة المسيحية, وفي عام570 م اجتاح خسرو الأول الفارسي اليمن, وحولها إلي مرز بانة فارسية وتهدم سد مأرب وأقنية الري نظرا لقلة الاعتناء بها. وواكب ذلك جموع من فخوذ القبائل اليمنية إلي سائر أنحاء شبه العربية والشام. وقد بقي الفرس باليمن لنصف قرن حتي ظهور الإسلام. وقد توالي عليها نفوذ الدول الإسلامية المختلفة, كالأمويين والعباسيين ودول الإمارات ودولة الصلحيين الهمدانيين التي وحدت اليمن, ودولة آل مهدي الرعيني الحميري, ودولة بني أيوب الكردية, ودولة بني رسول الغسانيين الكهلانيين, ودولة بني طاهر المذحجيين, ودولة الجراكسة المماليك في اليمن, ثم الدولة العثمانية في اليمن للمرة الأولي, ثم الدولة القاسمية العلوية الرستمية, والدور الثالث للعلويين في اليمن, والدولة العثمانية في اليمن مرة ثانية, وأعقب ذلك الإمام المهدي الفقيه سعيد العنسي, ثم آل حميد الدين, وفي هذا العهد تعرضت اليمن لتجربة بالغة القسوة تمثلت في حكم انعزالي استمر مطبقا عليها طويلا ولقد كانت صنعاء عاصمة لليمن حتي اغتيل فيها الإمام يحيي حميد الدين وعندما ثارت ثائرة ابنه الإمام أحمد دخلت القبائل إلي صنعاء عام1948 ونهبتها, وقرر الإمام أحمد جعل مدينة تعز عاصمة البلاد.. وعلي أثر إعلان الإمام أحمد تحديه في خطبته بمدينة الحديدة لم يتحمل ذوو الاحساس والإباء هذا التحدي, وأن تذل أمة بأسرها فنفر خمسون ألف مسلح من صنعاء بمجرد سماع صوت الإمام من الإذاعة, ومن ثم عقد مؤتمر سري بصنعاء وقرر فيه المجتمعون وجوب التخلص من حكم الإمام من خلال سيناريوهين اغتيال الإمام في السخنة, وقيام ثورة تبتدئ بحركة تمرد قبيلتي حاشد وبكيل يمهد لها بالتفاهم بين رجال القبيلتين لجمع صفوفهم في وحدة تكفل النجاح ويندمج فيها الموثوق بهم من الشخصيات المدنية والمثقفة والعلماء وقاد الجيش النظامي وبعده التفاهم تعلن حاشد وبكيل تمردهما علي الحكومة بطرد موظفي الحكومة واحتلال المراكز الحكومية, وليس في هذا المقالة مجال لتفاصيل احداث هذه الثورة, وحسبنا القول بأنها انهت بثورة26 سبتمبر عام1963 والتي انهت الإمامة الملكية وأقامت الجمهورية العربية اليمنية وكان لقبيلتي حاشد وبكيل اليد الطولي في نجاحها. وتعتبر قبائل حاشد وبكيل من أكبر القبائل وأقواها في اليمن, ويرجع نسبها إلي كهلان بن قحطان, وتتفرعان الي عشائر عديدة توسع في ذكرها عالم اليمن الجليل الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني في الجزء العاشر من كتابه الإكليل ومساكن حاشد وبكيل منذ القدم من شمال صنعاء إلي صعدة ولاتزال هذه مساكنهما حتي اليوم. ونعود من حيث انتهينا, فبعدما انهكت حرب الستينات اليمن كله حتي أعلن إفلاس خزينة البلاد في سنة1970, ومنذ ذلك الحين وإلي الآن تتابعت ستة عهود علي اليمن من السلال إلي الإبرياني إلي الحمدي إلي الغاشمي إلي العرشي, ثم أخيرا إلي الرئيس علي عبد الله الذي يشبه عهده عن قرب عهد آل حميد الدين ونستطيع أن نستمر طويلا في ضرب الأمثلة الدالة علي ذلك نكتفي منها بأن اليمن لايزال أفقر بلد في العالم العربي. ودولة وظيفية تقوم بتنفيذ أجندات إقليمية ودولية, وأدي ذلك وغيره إلي ما آلت إليه أمور النظام اليمني من ثورة شعبية غدا النظام علي أثرها قاب قوسين أو أدني من الانهيار بعد أن انضم للثورة عدد لابأس به من الدبلوماسيين والمحافظين والوزراء والبرلمانيين ورموز الحزب الحاكم, وأتت صدمة من نوع آخر قد وقعت علي رأس علي عبد الله صالح بانضمام اللواء علي محسن صالح الأحمر الأخ غير الشقيق لرأس النظام إلي الثورة ليضيف زخما هائلا إلي الثوار قضي علي فرص استئناف الحوار بين الحكم والمعارضة ولاغرابة في ذلك وقد كان يقود الجيش اليمني فعليا منذ ثلاثين عاما, وتتجلي خطورة هذا الأمر إذا ما أخذت مرتبطة في الأنقسام الكبير الذي اجتاح قبيلة حاشد التي ينتمي إليها الرئيس نفسه, فمنذ ثلاثة أسابيع انضم إلي الثوار أحد أكبر شيوخ القبيلة حسين الأحمر وفي الأمس القريب انضم للثوار شيخ حاشد صادق عبد الله الأحمر وماقيل عن حاشد يشبه في شيء من قبيلةهفما يمكن ان يقال عن قبائل بكيل ويافح وأرحب وغيرها التي انحازت الكثير من قياداتها إلي الثوار, والأيام القليلة المقبلة حبلي بالأحداث التي ستحدد مصير رأس النظام اليمني, وهذا أمر لانستطيع أن نقع فيه برأي, أما الأمر الثابت لدينا, فهو أنه من المستحيل أن تأتي الرياح بما تشتهي سفن علي عبدالله صالح الذي غدا عهده بمشيئة أبناء شعبه أقرب إلي حصاد الهشيم وقبض الريح.